الحُب، هذا الإحساس الجميل الذي يُحرّكنا ويجعلنا جزءاً من العالم ومن الكون، يخلق في داخلنا شيئاً قد يكون مُضاداً لفطرة البقاء، المتمثلة في الأنانية، حيث إنّ الحُب يُعزز فينا حالة الإيثار والانتماء والولاء، وهذه أهم صفات البشر.
ولطالما لمستُ كإنسانة، وظيفتها حلّ مشاكل الناس، مشاعر الولاء والإيثار هذه باسم الحب. فالإنسان، قد يكون لديه ولاء لفكر، ولاء لعمل، ولاء لوطن، ولاء لصديق.. إلخ.
لكن أكثر ولاء مطلوب هو ولاء الحياة الزوجية. ويومياً، أرى في مسرح حياتي ومهنتي أزواجاً وزوجات معاناتهم الحقيقيّة هي الولاء. ولعلّ أكثر كتب تُباع، وأكثر دراسات علميّة تُجرَى، هي تلك التي تدور حول كيفية إصلاح العلاقة الزوجية.
وحقيقة الأمر، أنّ الخائن ومَن تَضرَّر من الخيانة، يُريدان حلاً يجعلهما أكثر التصاقاً ببعضهما بعضاً. ومن خبرتي أعرف أنّ هذا الأمر يتطلب جهداً من الاثنين. ذلك أنّ أفضل طريقة لخلق علاقة سليمة بين الاثنين تقوم على تدعيم الوصل والتواصُل.
إنّ الدراسات أثبتت، أنّ كلَّ العلاقات الرائعة بين البشر تقوم على عنصر الالتصاق. ألا يكفي أنّ أعظم وأهم علاقة التصاق في الكون هي علاقة الأُم بطفلها؟ إنها حالة تَواجُد بَدَني ونفسي وعقلي وتَبادل احتياجات. وحتى تكون أيّ علاقة إنسانية عميقة، فعنصر الالتصاق مطلوب فيها.
إنّ الإطِّلاع على كثير من عادات القبائل في العالم، يجعلنا نرى كم هو مهم أن تكون جزءاً من الكُلّ، في كلِّ مكان. ولعلّنا نَذكُر حوار “المائدة المستديرة” وقصة “الفرسان الثلاثة”، وغيرها من قصص التراث الأوروبي التي خُلاصتها مبدأ “الفرد للكُلّ والكلّ للفرد”. وهذا المبدأ هو جوهر التلاصُق الذي يخلق الولاء، والعكس صحيح، أي أنّ الولاء هو بدوره يخلق التلاصُق.
وفي كثير من الأحيان، أتواجه مع هذا القرار في علاج الحالات التي تأتيني، حيث يُخبرونني بوجود طلب من قِبَل أحد الزوجين (امرأة أو رجل) أو بالاتفاق بينهما، وهو: “مادمنا على خلاف. لنبتعد عن بعضنا قليلاً”. وفي اعتقادي، أنّ بعض البُعد المُقَنَّن القصير لا بأس به. ولكن، حتى لا يَضيع هدفه، يجب أن يكون مدروساً وبمقدار. لأنّ البُعد يخلق الجَفاء، أي يؤدي عكس المطلوب منه.
إنّ الشكل الغالب للانفصال، هو قرار أن يكون الزوجان في بيت واحد، ولكن كُلٌّ في غرفة. شخصياً أنا ضد هذه الفكرة، انطلاقاً من مبدأ إنّه إذا “تَباعَدت المَخَدَّة، تباعدَت المَوَدَّة”.
إنّ الحياة هي عمليّة متواصلة متطورة من التفاعُل، وشكل التفاعل نحنُ مَن يُحدّده.
الحُب هو علاقة واعية. صحيح أنّه قد يكون في بدايته مسألة شعورية فقط، لكنه يتحول بعد فترة إلى عقل ودراية، ووعي. وكلما أعطينا الوعي مساحة، كان احتمال أن تنجح العلاقة أكبر.
إنّ الزواج والحب ليْسَا نظريّة على ورق، بل واقع فعلي يجب أن يُدرس ويُطبّق. ولعلّ أفضل تطبيق ليكون في الزواج ولاء قويّ، هو الحرص على قَدْرٍ من الالتصاق، وبأيّ درجة كانت.