الجمعة 20 سبتمبر 2024 / 17-ربيع الأول-1446

«آسف» تلك الكلمة السَّهلة الممتنعة!



للكاميرا سحرها المؤثر. وفي يوتيوب عنوانه (اعتذر)، كان الأب يتسوق مع ابنتيه الصغيرتين، فأساءت الأخت الصغرى التصرف مع اختها. تدخل الأب لإعطاء الصغيرة درسا في حسن الخلق. طلب منها أن تعتذر لأختها فرفضت، ومع إلحاح الأب ألْقَت بنفسها على الأرض تعبيرا عن الممانعة والاحتجاج. حتى أن الأخت الكبرى وشفقة على أبيها تنازلت عن حقها. لكن الأب استطاع ـ بإصراره وقوة منطقه ـ انتزاع اعتذار من طفلته. في هذه الأثناء مرت سيدة شابة فاصطدمت بالطفلة الصغيرة، وأكملت طريقها غير عابئة بما حدث. تبعها الأب وطلب منها أن تعتذر لابنته. كانت غاية الأب تعليم الطفلة أن الاعتذار عن الخطأ واجب الجميع كبارا وصغارا. رفضت السيدة أن تعتذر، وحجتها أن تلك مجرد حادثة.

 

 

 

قد يبدو لبعضهم أن الأب بالغ كثيرا، وصنع من الحبة قبة، لكن ذلك ليس صحيحا، فقد كان معنيا بتربية ابنته على أسس صحيحة. كان يحاول ترسيخ قيمة أخلاقية جميلة. وهو ما لا يفعله كثير من الآباء والأمهات. فبعضهم يحرص على تدليل أبنائه ماديا، فيعتني بجمال الخارج ويهمل جمال الداخل.  بل إن منهم من يدافع عن ابنه حين يرتكب خطأ بحق الآخرين بدلا من ترسيخ مفهوم المعاملة الحسنة.  وما عليك سوى أن تراقب تصرفات بعض الشباب لتشهد ثمار تلك التربية، وترى الفرق بين المظهر والجوهر.   
ابحث عن الخلل التربوي فهو السبب الرئيس في التخلف واعوجاج سلم القيم، وموت الضمائر، وانتهاك القوانين، والانحراف، وارتفاع معدلات الجريمة، وسلوك طريق الإرهاب. لذلك لم يبالغ الزعيم الفرنسي جورج دانتون عندما قال: “حاجة الشعب الأولى، بعد الخبز، هي التربية”.  
الحكاية لم تنته بعد، فقد لجأ الأب إلى إدارة السوبرماركت ليشرح لهم ما حدث، تجاوب المسؤول معه، وطلب من السيدة أن تعتذر، لكن محاولة المسؤول باءت بالفشل أمام إصرارها على الخطأ. عندئذ تم استدعاء البوليس الذي كبل يديها لاقتيادها إلى مركز الشرطة. هنا تدخلت الطفلة الصغيرة التي تعلمت الدرس جيدا، وأعادت على سمع السيدة المتغطرسة ما تعلمته من أبيها. وإزاء منطق الطفلة المؤثر اعتذرت السيدة لها اعتذارا ممزوجا بالبكاء.
لو كنت مسؤولا تربويا لجعلت هذا المشهد، وما يماثله من أعمال فنية هادفة، جزءا من مادة التربية في المراحل الدراسية الأولى. فهي أجدى من قائمة النصائح والعظات التي لا تترك أثرا يذكر.    
والآن، لماذا رفضت السيدة أن تعتذر؟ هل معنى ذلك أن الرجال أقدر على الاعتراف بالخطأ من النساء؟ ليس لدي ما يعزز هذا الرأي. وقد يكون لتصرف السيدة غير المهذب علاقة بالتنشئة. إلا أن  هنالك نكتة تنحاز للرجال، ولعلها صناعة ذكورية. والنكات كالأمثال لا تعارض إذا صح هذا القول. يقول صانع النكتة: هنالك قاعدتان ذهبيتان للحفاظ على حياة زوجية سعيدة. القاعدة الأولى تقول: الزوجة دائما على حق.. القاعدة الثانية تقول: إذا اكتشفت أن زوجتك على خطأ، فاقرأ القاعدة الأولى مرة أخرى!
تعلَّمنا أن الاعتراف بالخطأ صفة جميلة، وأنه دليل قوة وشجاعة أدبية، وليس علامة ضعف. يقول أحد الحكماء: “أعظم إنجاز أخلاقي في حياتي قدرتي على الاعتذار إلى من أسأت إليه”! مع ذلك، يبدو لبعضهم الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه أثقل من الهملايا. فيفضل فبركة الأعذار على تقديم الاعتذار.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم