الأحد 24 نوفمبر 2024 / 22-جمادى الأولى-1446

التخطيط الأسري.. مبادئ وخطوات



 

 

 الأسرة وحدة متكاملة في جسم المجتمع. إنها التجمع العائلي الأكثر حساسية وتأثرًا بما يحيط به، وما يجري داخله من تأثيرات وتفاعلات متنوعة، وانسجام الأسرة داخليًّا، وخارجيًّا مع باقي الوحدات التي تشكل المجتمع يعطيها قوة وتآلفًا تستطيع من خلاله البقاء والتكيف ضمن هذا الجسم الواحد، ولعل التخطيط العائلي أحد تلك الموازين والضوابط التي تنتجها الأسرة لكي تستطيع أن تمتص المؤثرات الاجتماعية الخارجية أو أن تصدر مؤثراتها التفاعلية الداخلية إلى المجتمع المحيط بها.

ولا شك أن كل زوج وزوجة، يطمح كل منهما لتكوين أسرة سعيدة، أسرة ذكية….!! وإذا علمنا أن الزواج ما هو إلا اتفاق لبناء هذه الأسرة، فإن نجاح هذا الزواج يتوقف على مدى الانسجام والتفاهم بين الزوجين، ومدى شعورهما بأن ما يجمعهما من قواسم مشتركة ومحبة متبادلة أقوى من أن تفرقه مشاكل الحياة وهمومها، ربما يكون من أسباب تلك المشاكل غياب التخطيط الفعال لإدارة هذه المؤسسة الأسرية.

أخي الزوج الكريم… أختي الزوجة الكريمة!! أشكركم على تفضلكم بقراءة هذه المقالة، والتي أرجو من الله سبحانه وتعالى أن يبارك فيها وفيكم وأن تكون لكم بعد توفيق الله تعالى، نبراسًا ينير طريقكما نحو أسرة ذكية وحياة سعيدة إن شاء الله تعالى.

أولا: أبجديات التخطيط الأسري:

المبحث الأول: التخطيط الأسري.. مطلب وهدف أسري

يشكل التخطيط بشكل عام، أهمية كبيرة في حياة الفرد والمجتمع، إذ يحدّد مسار حياة الإنسان عمومًا ويعتبر العنصر الأساسي للنجاح في أيّ مجال من مجالات الحياة! ونعني بالتخطيط الأسري تنظيم الشئون الأسرية وفق برنامج محدد لتحقيق أهداف معينه خلال فتره زمنيه محددة . فالتخطيط هو تنظيم للذات وللفكر في المقام الأول، وإدارة للأولويات وترتيب للخطوات التي نرغب في تنفيذها من أجل الوصول إلى أهدافنا وغاياتنا وأحلامنا. وما من شك في أن لكل عائلة أهدافًا وأحلامًا وتطلعات مستقبلية تسعى للوصول إليها، فالتخطيط العائلي يساعد الأسرة على الوصول إلى تلك الأهداف وبالطرق المبرمجة والسليمة.

ولتوضيح معنى التخطيط أكثر نذكر ضده، أي ما يسمّى بـ”العفويّة”، التي تؤدي إلى الفوضى في حياة الإنسان. لذلك فالإنسان الذي يعيش بطريقة عفوية ستمضي حياته وفق الظروف والمصادفات، وليس وفق التفكير المنظم والأفعال المتسقة، وعليه يمكن القول بأنّ ترك الوالدين أبناءهما لتربية الظروف ومجريات الحياة دونما أهداف أو تخطيط سيصدمهما في نهاية المطاف بواقع مرير لأبنائهما، وسيواجهون مشكلات تربوية شتى تعكر عليهم صفو حياتهم.

وتأتي أهمية التخطيط العائلي من ارتباطه بأولويات العائلة وقضاياها المصيرية ومتطلباتها القادمة، ويمكن القول باختصار إن أهمية التخطيط نابعة من كونه مرتبطًا بأحلام العائلة المتنوعة، سواء أكانت هذه الأحلام أحلامًا في تربية الأبناء أم أحلامًا في السعادة العائلية أم في الثراء أم في تحقيق الطموحات الشخصية للوصول إلى منصب معين، أو موقع معين أو شهرة أو امتلاك أشياء أو أجهزة كمالية تستفيد منها العائلة وتستمتع بها، وقد تكون أساسية كشراء منزل أو مزرعة أو السفر إلى البلدان الأخرى. فالتخطيط يمس كل هذه الأمور، وهو في غاية الأهمية بالنسبة لكل أسرة.

المبحث الثاني : فوائد التخطيط الأسري

وقبل أن نخوض في غمار التخطيط الأسري! مهم جدًّا أن نستعرض فوائده في حياتنا، فوجود التخطيط العائلي في الحياة يسمح للأسرة بأن تتعامل وبتعقل مع المستجدات التي تحدث في نطاق العائلة، فالتخطيط يشعر الإنسان بقدر كبير من الاطمئنان والأمل في التعامل مع المشاكل من حوله، لأن التخطيط ما هو إلا عملية توقع مدروسة وبشكل علمي للكيفية التي يستطيع الإنسان معها أن يتعامل مع مشاكله الداخلية والخارجية على نطاق الأسرة. ويمكن أن نجمل تلك الفوائد في هذه النقاط الرئيسة التالية:

[1] يساعد الأسرة على تحقيق أهدافها والوصول إلى غاياتها.

[2] يربط الأسرة بأولوياتها التربوية من خلال وضوح الأهداف وسلامة الأساليب والوسائل الموصلة إليها.

[3] تحقيق أكبر قدر من السعادة الأسرية من خلال التزام الواجبات وأداء المسئوليات فكل فرد في الأسرة يعرف دوره الذي يؤديه وهدفه الذي يرنو إليه.

[4] محاربة الفوضوية وهدر الطاقات والأوقات والأموال والتي تعرض الأسرة للكثير من المشكلات وبالتالي تقل المشكلات داخل الأسرة المسلمة مما يوفر الجو المناسب والمحتضن اللائق للتربية والعطاء..

[5] اتخاذ الاحتياطات اللازمة والوسائل المناسبة لتأمين مستقبل الأسرة وبنائه وفق تنظيم يضمن – بإذن الله – حياة سعيدة بعيدة عن الاضطراب والارتباك أو على الأقل يخفف حدتها ويهون وطأتها.

[7] تعريف الأزواج بمهامهم التخطيطية التي أنيطت بهم لرعايتها والاهتمام بها لاسيما في وقتنا الحاضر حيث كثرة وسائل الفساد مع جهل كثير بحقوق الأسرة ومسئولياتها.

المبحث الثالث: لماذا لا يخطط كثير من الناس؟

هناك الكثير من الأسباب،إلا أن أبرزها يمكن أن نلخصه في النقاط التالية :

[1] الافتقار إلى الثقة والاعتقاد أن التخطيط هو شيء خاص برجال الأعمال.

[2] الافتقار إلى معرفة التخطيط.

[4] حب التفلت من التزامات التخطيط.

[5] يظن البعض أن التخطيط يتطلب وقتا ثمينا من الأفضل أن نقضيه في انجاز الأمور، فالإنسان لديه بالفطرة حب الإنجاز وحصاد الثمار، بينما كل ساعة تخطيط تعادل 4 ساعات إنجاز.

 الاعتماد على الظنون والأفكار وطول الأمل.

[6] من يعمل بدون تخطيط يقنع بأقل النتائج، ومن يخطط لا يرضى إلا بأكبر قدر ممكن من النتائج.

المبحث الرابع :ملامح التخطيط الأسري

وبعد أن تعرفنا على التخطيط الأسري واستعرضنا فوائده في حياة الأسرة، نكون بعدها مستعدين لأن نلقي الضوء على ملامح التخطيط الأسري، وما هي خطواته الرئيسية…

الخطوة الأولى:الرؤية

 (ماذا نريد ؟)

الأسرة الذكية هي تلك التي تحمل رؤية واضحة لمستقبلها، ماذا تريد حقيقة أن تحققه من خلال أفراد هذه الأسرة الواحدة ؟! كلّ بجانبه الذي يتميز به.

مثال لرؤية أسرية مثالية: أبو عبدالله وأم عبدالله ـ اتفقا على أن تكون لهما رؤية واضحة لأسرتهم، محور هذه الرؤية يدور حول هذه الصياغة العامة “أن ننشىء أبناءً سعداء يتحلون بالصفات الإسلامية والأخلاق الحميدة، وباتزان في جميع جوانب حياتهم، ويتميز كلّ واحد منهم بجانب يكون فيه منتجًا ومبدعًا”.

من خلال هذا المثال يظهر لنا وضوح الرؤية المستقبلية لهذه الأسرة الذكية، ولتحويلها إلى حيز العمل نراهما يحددان زمنًا لتحقيقها.

الخطوة الثانية:الأهداف

كل أسرة ذكية تعتزم تحقيق رؤيتها، تحتاج أولًا إلى أن تحدد أهدافًا لها! هذه الأهداف ترجمة حقيقة للرؤية التي وضعتها تلك الأسرة. كما أنه من المهم أن تكون تلك الأهداف مرحلية، محددة بمدة ووقت للبدء وآخر للانتهاء، تتناسب مع مقدرات تلك الأسرة وأفرادها! واضحة المعالم، واقعية ويسهل إنجازها، وبعبارة أخرى ـ أي أن تقسم الأهداف إلى أهداف قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى.

الخطوة الثالثة:الوسائل

لن تتحقق الأهداف إن لم تكن هنالك وسائل مساعدة على بلوغها، لذلك لا بد أن يقوم الزوجان بجلسة أسرية يضعان وسائلهما التي تساعدهما على تحقيق تلك الأهداف، فكان منها الواقعي ومنها غير الواقعي، ومن أمثلة البرامج الواقعية أن يلتحقا بدورة في التخطيط الشخصي، وأن يطالعا خمسة كتب في التربية. ومن الأهداف غير الواقعيّة اقتراح أحدهما رحلة إلى كوكب المشتري، وبما أنها فكرة جميلة إلا أنها غير واقعية ولا تخدم رؤيتهما الأساسية.

الخطوة الرابعة :الجدول الزمني

في هذه المرحلة يقوم الزوجان بوضع جدول زمني يمارسان فيه هذه الوسائل الممتعة لحياة سعيدة ضمن أسرة ذكية؛ يتضمن هذا الجدول الزمني، تاريخ بداية ونهاية، يتضمن كل أنشطة الأسرة وأهدافها والإجراءات الموصلة لتلك الأهداف، وهكذا أصبح تحقيقهما للهدف أكثر وضوحًا.

الخطوة الخامسة : توزيع الأدوار

كي يتقن كل زوج مهامه الموكلة له تقاسم الاثنان تنفيذ البرنامج، فتولّى الرجل البحث عن الدورات، وانصرفت المرأة للبحث عن الكتب، هذا من جانب ومن جانب آخر تولت هي متابعة الخطة وجدولها الزمني وحمل هو على عاتقه توفير الميزانية والصرف على البرنامج. وهكذا اتضحت واجبات كل واحد منهما ومسئوليّاته لأداء مهامه على أكمل وجه.

الخطوة السادسة: متابعة الخطة

إنّ وضع الخطة التربوية لا يكفي، لأنها تحتاج إلى متابعة دائمة تربطها بالهدف الرئيسي الذي تصبو إليه الأسرة ويحقق لها الديمومة والإتقان، لذلك يتحتم على كلا الزوجين أن يحددا أيهما لمهمة متابعة “الخطة الأسرية” من خلال جدول زمني يقيّم سيرها كلّ ثلاثة أشهر، أو كل ستة أشهر مثلًا. وتعديل ما يلزم في الخطة حسب الاتفاق.

المبحث الخامس: عوامل فشل التخطيط وغيابه في الأسرة

إذا كان وجود التخطيط يسهل مهمة العائلة في الحياة ويساعدها على الوصول إلى غاياتها وأهدافها وأحلامها، فإن غياب التخطيط يؤدي إلى عكس ذلك تمامًا!!

وهناك حالات رئيسية يفشل فيها التخطيط الأسري، أبرزها ما يلي:

[1] عدم التواؤم بين الزوجين..إن التقارب في الاستقامة والثقافة وكثرة العوامل المشتركة في الآراء والآمال من أعظم أسباب نجاح التخطيط، كما أنه من كوامن الفشل في التخطيط كثرة الاختلافات، وسعة البون في التوجيهات والتصورات، والتفاوت في الآمال والأولويات، فاختلاف الزوجين في تقدير الإدارة المالية – على سبيل المثال – وإصرار كل طرف على رأيه يصدع التخطيط العائلي ويضعف كفاءته وربما ينهار.

[2] الاسترسال مع النوازع والشهوات.. وقد حذر منها السلف ـ هذا عمرالفاروق رضي الله عنه يقول لأحدهم وقد رآه يشتري “أكلَّما اشتهيت اشتريت”.

[3] اللامبالاة في النظرة المستقيلة… حتى أن بعض الأزواج لا يخطر على باله أنه يجب أن يكون له خطة يسير وفقها لتحقيق أهدافه في أسرته فتجده يتخبط يمنة ويسرة، كلما سمع من الناس خبرًا طار إليه وعدَّه من أول أولوياته، خطته في أسرته ما تمليه عليه ظروف لحظته.

[4] ضعف الانتماء للأسرة (الأنانية). وصورها القاتمة كثيرة منها: ينفق المال على شهواته فإذا جاء دور البيت قتر وغلَّ يده إلى عنقه بأنانية مفرطة لا تدع لأهل الحق حقهم.

[5] أحادية التفكير واستقلالية التخطيط.. فهو لا يرى أحدًا من أهل بيته وأفراد أسرته يستحق أن يستشيره في أمر من الأمور بل يعد ذلك ضعفًا في العقل ووهنًا في الشخصية فتراه يفرض أراءه فرضًا يفقدها الكثير من نتائجها ويضيع ثمراتها.

إن الاستقلالية في التخطيط وعدم استشارة أفراد الأسرة لاسيما الزوجة يشعر معه كل فرد بتبعية مقيته ويقطع حبال التواصل الأسرى، ويجعل كل فرد يعيش عزلة عن الآخر وكأنه لا يوجد ارتباط بينهم ولا أهداف مشتركة تجمعهم مما يعيق الأداء أو يؤدي الطرف الآخر ما يراد منه دون قناعة أو إتقان، وربما أدى إلى التوقف عن الأداء لأول عارض ليثبت للطرف الأول سوء تخطيطه وعدم مراعاته للأمور.

[6] الاقتداء بالآباء والتأثر بالمحيط في الأمور السلبية.. وبعض الأزواج يحاول أن يعيد تجربة والده أو والدته في البيت الذي درج فيه بغض النظر عن نجاح التجربة أو فشلها ودون مراعاة لتغير الظروف والمستجدات.

المبحث السادس: محاور التخطيط العائلي

الحياة الذكية، هي الحياة المتوازنة في جميع جوانبها! وكذا الأسرة الذكية، هي الأسرة المتوازنة في جميع جوانبها، ونقصد بجوانبها -الجانب الإيماني، الجانب الصحي، الجانب العلمي والثقافي، الجانب الأسري، الجانب المادي، الجانب الترفيهي. فمن خلال هذه الجوانب الرئيسية يقوم الزوجان بوضع الأهداف المطلوب تحقيقها وهو ما يعرف بالرؤية. (الرؤية النتيجة النهائية المطلوب تحقيقها خلال فترة معينة من الزمن).

أمور يجب أن ترافق التخطيط :

[1] يجب أن تكون قوانين المنزل واضحة للجميع.

[2] ضرورة مراعاة الأولويّات.

[3] تحديد ضوابط العلاقات الداخليّة والخارجيّة داخل الأسرة وخارجها.

[4] توزيع الواجبات وبذل المكافآت.

[5] العدل بـين أفراد الأسرة وتعريفهم بمسئولياتهم.

[6] الأخذ بالحكمة.

[7] متابعة الخطة هي مسئوليّة جماعيّة.

[8] مراعاة مسألة الفروق الفردية عند التخطيط للأبناء.

[9] وضع شعار للأسرة يحفزها للوصول لهدفها، مثل “وسائل ممتعة لحياة تربوية في أسرة سعيدة “.

ثانيا: أبجديات التخطيط المالي الأسري

يسير مركب الأسرة ويتقاسم قيادته الزوجان، فهما اللذان ينجحان في قيادته إلى بر الأمان من خلال التخطيط المالي الجيد بحيث يتجنبان الاستدانة وفي نفس الوقت ينجحان في تكوين مدخرات مالية تنفع الأسرة في الظروف المالية المتقلبة، وبما يضمن الاستقرار لها، يقول الله جل في علاه : {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}[الفرقان:67].

وتكمن أهمية التخطيط الجيد للأسرة الذكية، في وجود ميزانية للأسرة، من خلال تلك الميزانية توفر الأسرة مبلغا احتياطيا يعينها على مواجهة الظروف الصعبة ورفع مستوى معيشتها، وتأمين مستقبلها. ويتأتى هذا بأن يتم تقسيم دخل الأسرة أو راتب الزوج على ثلاثة أجزاء، أو أكثر – بند للمعيشة المنزلية بحيث لا يتخطى الحدود الموضوعة له، وبند ثان للمصروفات الشخصية، وبند آخر للخدمات العامة والفواتير وغيرها، وآخر للاستثمار، وهذا أهم بند في الميزانية! بعد ذلك يتم تجميع الفائض (إن وجد) من تلك البنود الرئيسية نهاية كل شهر ويضاف للمبلغ الاحتياطي الذي يتم ادخاره للظروف الطارئة، على أن يجمع هذا المبلغ في نهاية كل عام للاستفادة منه فيما ينفع الأسرة. إن هناك طرقا مختلفة للحفاظ على ميزانية الأسرة! والأسرة الذكية الناجحة، هي التي تتحكم في نفقاتها بالحد المعقول وبدون إسراف أو تقتير، وبما يحمي الأسرة من الاستدانة في نهاية كل شهر، وهذا بطبيعة الحال قد يتطلب من المسئول عن ميزانية الأسرة أن يحتفظ بدفتر للمصروفات ليقيد فيه كل المصروفات التي يتم صرفها على أن يراجعها في نهاية الشهر ليعرف الضروري منها وغير الضروري ليتجنب تكرار إنفاقها. مع التنازل عن الكماليات التي يمكن أن يستغني عنها الزوجان والاقتصار قدر الإمكان على النفقات الضرورية.

والأسرة الذكية، هي الأسرة التي يشترك جميع أفرادها في إدارة شئونها، وذلك لمناقشة المشكلات المتوقعة والرغبات المطلوبة والمفاضلة بين الأهداف المطروحة والتخطيط لها على ضوء الموارد المتاحة. إن في ذلك، إلى جانب الفوائد الاقتصادية العديدة للأسرة نفسها، تقوية للروابط الأسرية، وتكوين شخصيات فردية ذات مسئولية عالية وذات تخطيط وتفكير سديد.

كما أن من التخطيط المالي، التخطيط للشراء والصرف؛ فشراء حاجيات الأسرة المتنوعة ليس عملية شراء سهلة، كما يظن كثير من الناس، بل تحتاج إلى تفكير ودراية.

إن قرارات مثل: كم من النقود مع الأسرة معدة للشراء؟ وما نوعية الحاجة المراد شراؤها؟ ومن أي الأماكن تشترى؟ وكيف تخزن! وغير ذلك.. إن هذه القرارات تؤثر على أفراد الأسرة؛ لذا لا بد من التفكير العميق والخبرة والمقارنة بين الأثمان والأنواع؛ ليكون قرار الشراء صائبًا حكيمًا. ومن ثم، فأول ما ينبغي مراعاته أثناء عملية الشراء هو عدم شراء أكثر من الحاجة، أي شراء كميات الغذاء اللازمة فقط؛ لتجنب التلف لما يزيد عن الحاجة، كما ينبغي الشراء من المحال المركزية واقتناص فترات التخفيض، والمناسبات وغيرها مثل شراء حاجيات الصيف في فترة الشتاء والعكس.

أمر آخر هام، الطفل والنقود: إن تجربة الطفل الأولى مع النقود يمكن أن يكون لها أثر انفعالي عميق، ومن الحكمة تدريب الطفل في سن مبكرة من حياته وفي مستويات الدخل المختلفة على استعمال النقود، والسماح له بالتصرف في نقوده. فالطفل بطبيعته مفطور على الجمع والتملك والادخار حسب بيئته الاجتماعية.. إذ المهم أن تكون المبالغ المعطاة للطفل مناسبة لسنه، وأن تعطى له بانتظام، مع مراقبة سلوكه في التعامل مع النقود. كما أن من المهم أن يفهم الطفل أن المال شيء ثمين، ينبغي التعامل معه بشيء من الحرص.

فمن الأفضل أن يحصل الطفل على مبلغ ثابت منذ اللحظة التي يحتاج فيها إلى النقود لبعض المصروفات العارضة؛ إذ إن ذلك يساعد على إدراك قيمة النقود وكيفية التصرف بها. ومن المناسب أن تتاح الفرص للطفل للتسوق لشراء ملابسه وألعابه وغذائه؛ ليدرك أن السلع المختلفة لها أسعار مختلفة، وأن السلعة الواحدة قد تكون لها أسعار متباينة.

إن وجود القدوة السليمة للأطفال يساعد على سرعة التعلم وغرس العادات والقيم واتجاهات الاستهلاك ومفاهيم ترشيد الاستهلاك وحُسن التعامل مع النقود.

أخيرًا.. إن المستهلك الرشيد هو ذلك المستهلك الذي يراعي مبدأ الرشد والعقلانية والاعتدال في أكله ومشربه وملبسه ومنزله وسيارته وأثاثه، واستخدامه للكهرباء والمياه؛ حماية لنفسه ولأسرته.

إن المستهلك الرشيد هو الذي يراعي قرارات الشراء والاستهلاك، بحيث تكون في الوقت المناسب وللحاجة المطلوبة ومن المكان المناسب وبالسعر المناسب وبالجودة المطلوبة وبالقدر اللازم والحجم المناسب والنوعية المطلوبة. والمستهلك الذي يراعي ذلك يمكن أن يحقق الرشادة الاقتصادية والعقلانية الحكيمة من وجهة نظر الاقتصا المعاصر، بحيث لا يقع فريسة التلاعب والاستغلال، ولا ينساق خلف الإسراف والتبذير، ولا تتعرض سلعه وبضائعه للكساد والتلف والفساد.

كلمة أخيرة :

وبعد أن استعرضنا التخطيط الأسري وفوائده، وكذا خطواته الأساسية، كما أننا بينا بعض الجوانب التي يفشل فيها التخطيط الأسري، وركزنا على أحد أهم جوانب التخطيط الأسري، التخطيط المالي.

يتبقى أن نعرف أن التخطيط الأسري ـ أسلوب حياة! ومنهج حياتي، يجب على كل أفراد الأسرة تعلم فنونه وبشكل مستمر فالتخطيط الأسري لا يقف عند حدث، فهناك جوانب  خرى مهمة، مثل التخطيط التربوي، والتخطيط التعليمي وغيرها من جوانب الحياة الرئيسة كلها تصب في قالب الأسرة الذكية

أمنياتنا للجميع بحياة أسرية سعيدة ذكية.

——————-

بقلم أ. فؤاد بن عبدالله الحمد .. مدرب شخصي

المصادر :

[1]دورة ” مهارات التخطيط الشخصي في الحياة ” ـ فؤاد عبد الله الحمد

[2] مقالة ” وقفات مع اقتصاد الأسرة ” ـ د. زيد بن محمد الرماني، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

[3]موقع مهارات التخطيط الشخصي في الحياة

[4]موقع الأستاذ جاسم المطوع

[5]موقع ” جمالك ” نصائح لحياة سعيدة

[6]موقع ” مودة “

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم