السبت 23 نوفمبر 2024 / 21-جمادى الأولى-1446

في بيتنا امتحانات.. قواعد ذهبية لنجاح الأبناء



 

مع نهاية العام الدراسي، تحدث حالة استنفار متميزة في كافة المنازل، تحمل معها أجواءً جديدة من التوتر والانفعال، وغالباً ما تسمّى هذه الفترة “طوارئ الامتحانات” التي تعد من أصعب الفترات وأدقّها على الطالب بشكل خاص، كما قد تحمل معها الكثير من التوتر والاضطراب والشجار والمشكلات الزوجية، والأزمات الأسرية، بشكل عام.

وكثيراً ما تعلن في المنازل حالة طوارئ، حيث تلغى من خلالها خصوصية الغرف، كما تتغير مواعيد النوم والطعام والنزهات وأوقات مشاهدة التلفزيون، فالامتحانات على الأبواب ومستقبل الأولاد على المحك، خاصة في المراحل الثانوية، التي تعد السنوات المصيرية للطالب، وتجاوزها هو الباب الأخير للوصول إلى مستقبل مهني ناجح.

تتطلب هذه الفترة حكمة في التعامل مع ضغوطها، لئلا يصاب الطالب بأعراض القلق والتوتر التي يمكن أن تهدر مجهود العام. خاصة وأن نتائج الامتحانات تلعب دوراً لا يستهان به في رسم شخصية طالب اليوم وانسان الغد.

وتشير الدراسات النفسية الحديثة إلى أنّ كثيراً من الطلبة يعانون أعراضاً مختلفة نتيجة لهذا القلق والتوتر، فمنهم مَن يصاب بنهم كبير للأكل، وآخرون بفقدان شهية كامل. كما تشير الدراسات إلى ظهور حالات مرضية خاصة بفترات الامتحانات، حيث يمكن أن يصاب بعض الطلاب بنوبات القيء والإسهال، أو بالأرق، إضافة إلى إمكانية حدوث حالة من النسيان يفقدون من خلالها القدرة على الاسترجاع الكامل لكافة المعلومات.

فالامتحانات تعني الخوف من المجهول، ويعتري المجتهد والمثابر قبل الكسول واللامبالي، ويحل بعد ذلك التوتر الذي يحول الأسابيع

المخصصة للمراجعة والتحضير، إلى كوابيس محكومة بالضغط والإرهاق، وصولاً إلى فقدان القدرة على التركيز والاستيعاب.

* الإحباط النفسي

ويحاول علماء النفس تسليط الضوء على فترة الامتحانات، بغية تبيان النتائج النفسية والجسدية التي ترافقها، مع محاولة التقليل من الآثار السلبية المصاحبة لهذه الفترة المهمة، لافتين إلى أنّ مرحلة التحضير النفسي للامتحانات لا تقتصر فقط على الإعداد الجيد لها، وإنما قبول نتائجها لاحقاً، حيث كشف أطباء نفسيون عن ذهاب ما يقارب 40% من طلاب الثانوية العامة إلى العيادات النفسية والعصبية خلال فترة الامتحانات، بعد معاناتهم حالات الانهيار العصبي والإحباط والاكتئاب التي تنتهي في معظم الأحيان إلى الانتحار بسبب الفشل في الامتحانات المدرسية.

كما أشارت بعض الدراسات المتعلقة بهذا الموضوع إلى ظهور بعض حالات الهروب من المنزل، وتردٍّ في الحالة النفسية

 إلى حدّ المرض وحدوث اضطرابات نفسية خطيرة. كما أظهرت الدراسات إقبال الطلاب، وبعض الأهالي، على تناول أدويةالاكتئاب، حيث تشهد الأسواق زيادة ملحوظة في استخدام الأدوية المهدئة التي تعالج حالات الاكتئاب.

* الإعداد الجيِّد

ويؤكد علماء التربية أنّ تحضير الطلاب للامتحانات يتطلب وعي الأهل بالدرجة الأولى، ومدى معرفتهم بقدرات أبنائهم، من خلال التربية والتعامل اليومي، مهما كانت المرحلة الدراسية التي ينتسبون إليها، لافتين إلى أنّ بعض التلاميذ يتمتع بحيوية وقدرة على الاستيعاب السريع، وبعضهم الآخر لا يجيد الدرس إلّا بأسلوب بطيء. كما يفضل بعض الطلاب الدراسة في الصباح الباكر؛ وبالمقابل فهناك مَن لا يجيد إستجماع أفكاره إلّا في الأجواء الهادئة التي ترافق ساعات الليل المتأخرة.

ويشير علماء التربية إلى أنّ القاعدة الذهبية الأولى التي يفترض بالأهل التزامها، تكمن في تحضير الأبناء نفسياً لامتحانات نهاية العام منذ مطلعه، وذلك عبر غرس المفاهيم المساعدة بأنّ الدرس وظيفة ومسؤولية تطبيق يومياً، وليس فقط قبيل الامتحانات، موضحين أنّ التحصيل المنتظم يُسهم في التخفيف من وطأة الامتحان بنسبة تصل إلى 80% ليصل الطلاب إلى موعد الامتحانات بسلاسة، بعيداً عن الضغط والتوتر، مع تجنب تأجيل عملية الدرس والاستيعاب إلى اللحظات الأخيرة، التي يجب تخصيصها للمراجعة والتركيز فقط.

وتوصلت بعض المدارس الإنجليزية في بريطانيا إلى ابتكار نوع جديد من التحضير لامتحانات الأطفال في الصفوف الابتدائية، بغية التخفيف من الرهبة التي ترافق كل تلميذ بمجرد ذكر كلمة “امتحان”، حيث تقوم إدارة المدرسة بإرسال خطابات إلى الأهالي تطلعهم من خلالها على المواعيد المقررة لإجراء الامتحانات، دون إبلاغ التلاميذ بذلك، وتكون مهمة الأهالي بالتالي المواظبة على الاهتمام بدروس أبنائهم، والتركيز بطريقة أكبر على المواد التي يعانون صعوبات في دراستها، ما يؤدي إلى إظهار الامتحان على أنه يوم دراسي عادي، يقوم فيه التلميذ بالكتابة والقراءة، دون أن يعي أنه يخضع لامتحان نهاية العام الدراسي.

واعتبر الأهالي في لندن هذه الطريقة من أنجح الطرق بالنسبة للأطفال الصغار، لأنها تجنبهم الوقوع في مشكلة الخوف التي تواكب كافة أنواع الامتحانات، والتي تؤدي في بعض الأحيان إلى خلق حالة من الكره تجاه المدرسة والمدرسين.

ويلفت خبراء الأبحاث النفسية إلى حساسية هذه القضية، خاصة بالنسبة إلى الأطفال في السنوات الأولى من التعليم، التي تعد الأساس لمستقبل ثقافي ناجح وواعد. وعلى العكس، يمكن أن تؤدي إلى حالة من الكره الشديد للدراسة، الأمر الذي يبعد الطفل عنها، ويجعله يختلق الأعذاء، والحجج المرضية لتفادي الذهاب إلى المدرسة.

* الدعم الأسري

ويضيف علماء النفس التربوي أنّ الامتحانات ليست وحشاً يتوجب علينا محاربته، كما يتصور بعض الناس. وإنما مرحلة تتطلب الكثير من الاستعداد والاستيعاب القائم على الفهم، مؤكدين ضرورة قيام الأهل بإعلام أبنائهم أنّ الامتحانات ونتائجها ليست نهاية المطاف، ومَن يفشل اليوم يمكنه التعويض في ما بعد من خلال التعلم من أخطائه، مع الاهتمام بزرع مبدأ الثقة بالنفس لديهم، وإخبارهم أنّ المفضل لدى الأبوين هم أبناؤهم وليست الشهادة أو الدرجات.

ويلفت الخبراء إلى أهمية الحفاظ على وتيرة الحياة المعتادة داخل المنزل، وعدم إقامة “معسكر مغلق” يُشعر الطالب بالضغط والإرهاب النفسي، موضحين أنّ أفضل وسيلة في هذه المرحلة تكمن في المحافظة على النظام الحياتي الصحي المعتاد، من خلال تناول وجبات الطعام في مواعيدها، والنوم بشكل كاف للاحتفاظ بالقدرة على التركيز، مشددين على وجوب ممارسة بعض التمارين الرياضية، إضافة إلى القيام بنزهة يومية صغيرة تسمح بالتنفس في الهواء الطلق لتجديد الطاقة.

ويؤكد الخبراء أنّ الالتزام بهذه التعليمات يُسهم في إعداد الجسم لتحمل أعباء الدراسة المكثفة، شرط ألّا تصل إلى درجة الإعياء، حيث يؤدي تقويض الإيقاع اليومي وزيادة تحدي القدرات الجسدية والعقلية إلى الانهيار والاضطرابات مع فقدان القدرة على التركيز والنوم السليم.

وينصح الأطباء الطلاب باللجوء إلى بعض تقنيات الاسترخاء من خلال تمارين التركيز الكثيف على الجسم عبر التنفس العميق والبطيء، الذي يساعد على تصنفية الذهن.

ولا تعني هذه الاستعدادات أن تؤخذ الامتحانات على محمل خفيف أو بسيط وسطحي، وإنما يجب أن تعتبر فترة تجربة تظهر كفاءة التلميذ وتبلور طاقاته. إنها تحدّ لابدّ منه، والانتصار عليه هو النجاح في الحصول على أفضل معدل للعلامات، ما يعكس الجهد السنوي المبذول، ومستوى الذكاء الذي يسمح بتقويم وضع التلميذ ويحدد توجهاته المستقبلية.

* الغذاء المناسب

يشير بعض العلماء واختصاصيي التغذية إلى وجود ما يسمى “غذاء الدماغ”، الذي يُعتقد أنه الأفضل للطلاب والتلاميذ في فترات الامتحانات، لافتين إلى أنّ الأسماك الدهنية والخضار مثل البروكلي والفواكه مثل التوت البري والموز، تنشط الذاكرة.

وبحسب محلات بيع الخضراوات في بريطانيا، فإن نسبة مبيعات الفواكه والخضراوات تزداد في فترة التحضير للامتحانات، لاسيما نسبة بيع الأفوكادو وجميع أنواع التوت والعنبيات.

كما أثبتت التجارب التي أجريت على بعض أطفال المرحلة الابتدائية، أن تناول الأوميغا3 وزيت السمك، يُحسِّن من أداء الأطفال في ما يخص القراءة والكتابة.

ويرى بعض الباحثين أنّ نوعية الطعام تلعب دوراً مهماً في أداء الإنسان وتعاطيه مع مَن حوله. كما تحدد له مزاجه، وتساعده على تنشيط ذاكرته وتركيزه.

ويؤكد الخبراء كذلك أهمية التنويع في وجبات الطعام، مع الابتعاد عن الأطعمة السريعة والمقلية خلال هذه الفترة، لافتين إلى أهمية التخفيف من تناول المنبهات مثل القهوة والشاي والمشروبات الغازية، مع مراعاة استهلاك كميات مناسبة من المياه، خاصة في فصل الصيف، لدورها المهم في زيادة معدل التركيز والاستيعاب.

 

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم