إن التوتر هو جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية لكل منَّا، ولا تكاد تخلو منه مرحلة من مراحل الحياة وخصوصًا أثناء فترة الدراسة. يؤثر التوتر والضغوط النفسية على كل جوانب الحياة ولا سيما التحصيل الدراسي والأكاديمي، لأننا عندما نشعر بالتوتر والارتباك قد تتأثر قدراتنا على المحاكمة والتفكير، ونتجنب رؤية الأصدقاء والعائلة وقد يمتد الموضوع إلى أبعد من ذلك ويؤثر بطريقة سلبية على الحالة المزاجية ويؤدي إلى اضطرابات في النوم والأكل، وقد أكدت أكثر من دراسة أنَّ للضغط النفسي تأثيرات هامة على مهارات التفكير وتطور الدماغ وصحته.
اعتبارات تشريحية وفيزيولوجية
تؤثر الهرمونات التي يفرزها الجسم في أوقات التوتر والشدة بشكل مباشر على الدماغ والمشابك العصبية، وتؤثر على الاتصالات العصبية في القشرة الجبهية الأمامية المسؤولة عن الوظائف التنفيذية التي تشمل الذاكرة العاملة والتنظيم الذاتي والقدرات المعرفية، فالوظائف التنظيمية حاسمة للحس المنطقي والتخطيط وحل المشاكل وتنظيم العواطف والانتباه، وهي ضرورية بلا شك للنجاح الأكاديمي وقابلية التعلم.
أما الدماغ المتوسط فهو محور الاستجابات العاطفية، ويمكن أن يؤثر التوتر والاضطرابات العاطفية على اللوزة الدماغية ما يعوق قدرتنا على التفكير والتعلم لذلك نجد أن الطلاب الذين يتعرضون لضغط عاطفي كبير يكون أداؤهم أقل في المدرسة لأن التوتر يضعف الوظيفة التنفيذية والذكاء العاطفي ويؤثر سلبًا على قدرتنا على الإحساس بمشاعر الآخرين والتعبير عن المشاعر الشخصية والتواصل، ويفقدنا القدرة على السيطرة على عواطفنا والتكيف مع التغيرات والحفاظ على المزاج الإيجابي. يمكن أن يؤثر التوتر أيضًا على قدرة الطالب على التركيز، وقد أجريت العديد من الدراسات التي تثبت أن التوتر يضعف قدرة الطالب على التركيز.
التأثيرات المباشرة للتوتر والضغوط النفسية
من المفارقات أن التوتر يحسن التركيز لفترة قصيرة من الزمن بسبب ما يطلقه الجسم من هرمونات ومواد كيميائية تؤثر على الدماغ بشكل مباشر، وتهدف لمساعدته على التركيز، مثل الأدرينالين الذي يرتفع تركيزه بشكل مباشر في الدم من أجل زيادة انتباه الحواس، ما يساعد الجسم على التركيز على المهام المطلوبة منه، ويمكن أن يكون التوتر مفيدًا عندما تحتاج إلى أداء مهمة معينة قصيرة المدى، لأن الهرمونات التي يؤدي لإفرازها لا تستمر لفترة طويلة، ومع مرور الوقت كلما زاد الضغط الذي تتعرض له زادت حاجتك للتركيز للتخلص من أسباب التوتر الذي تشعر به، وهذا يعني أنك ستدخل في حلقة مفرغة، ومن المفارقات أيضًا أن الشعور بضرورة إنجاز عمل أو مهمة ما قد يكون بحد ذاته السبب الرئيسي للتوتر عند الكثير من الناس وخصوصًا طلاب المدارس والجامعات.
نصائح هامة لتخفيف تأثيرات التوتر على التحصيل الدراسي
بما أن للتوتر كل هذه التأثيرات على أداء الطالب وتحصيله العلمي والأكاديمي، إليك بعض النصائح الهامة التي تخفف منه، وتقلل تأثيراته إلى الحد الأدنى:
إدارة الوقت بحكمة:
من المهم أن تخصص وقتًا كافيًا للدراسة إذا أردت أن تحصل على درجات جيدة، وقد يساعد وضع خطة محكمة والاستفادة من مهاراتك في تخفيف الضغط الذي تتعرض له إلى حد كبير جدًا، مثل وضع جدول للدراسة أو تقسيم المهام الموكلة إليك. من الطرق الفعالة في هذا المجال اتباع قاعدة SMART (الأهداف الذكية) لتنجز أهدافك بأقل ضغط ممكن، ويعني مصطلح SMART أن يحقق هدفك خمسة معايير:
Specific: محدد، أي أن تمتلك تصورًا واضحًا للهدف من جميع جوانبه.
Measurable: يمكن قياسه أو قابل للقياس، فمثلًا عندما يكون هدفك قراءة مئة صفحة، ووصلت للصفحة رقم 50 فستعرف حينها أنك أنجزت نصف الهدف وقطعت نصف الطريق.
Achievable: يمكن تحقيقه، بعض الأهداف تكون مستحيلة لتعارضها مع قوانين الفيزياء والطبيعة وقدراتك الشخصية، لذلك عليك أن تضع هدفًا منطقيًا يناسب المعطيات المتوفرة لديك.
Relevant: أن يكون الهدف مهمًا بالنسبة لك، فعندما يكون هدفك إثبات أمر للآخرين أو التسلية فهو مضيعة للوقت والجهد.
Time bound: أن يكون ضمن إطار زمني، ويعني أن تضع لنفسك وقتًا تبدأ فيه العمل ووقتًا للانتهاء.
إن تقسيم أي مشروع كبير إلى مهام أصغر يجعلك تعمل بشكل تدريجي وثابت نحو تحقيق هدف كبير دون الشعور بالتوتر والقلق والضغوط النفسية.
التنظيم:
يساعدك التنظيم في منحك راحة البال والطمأنينة التي تأتي من معرفة مكان كل شيء وتذكر المواعيد النهائية ومواعيد الاختبارات وتصفية ذهنك من الفوضى والتشتت الداخلي.
خلق بيئة دراسية جيدة:
يمكنك خلق بيئة تناسبك وتخفف من توترك وتساعدك في التعلم على نحو أسرع، مثل اختيار المكان المناسب، أو الاستماع إلى الموسيقى التي تفضلها، وقد يختلف كل منَّا عن الآخر وما يجعلك مسترخيًا قد يزعج شخصًا آخر، لذلك استخدم ما يريحك لتوفير بيئة دراسة مناسبة لك.
حافظ على تفاؤلك حتى في أصعب الأوقات:
لقد أثبتت العديد من استطلاعات الرأي أن المتفائلين الذين يتجاهلون عوامل الفشل بسهولة هم أناس أكثر صحة وأقل توترًا وأكثر نجاحًا، ومع أن التفاؤل فطري لكنك تستطيع أن تجد طرقًا تزيد تفاؤلك مثل التفكير في نفسك وإنجازاتك وتطويرها والحفاظ عليها، لأن ذلك يُعتبر خطوة أولى جيدة لتعزيز الشعور بالتفاؤل.
تعلم مهارات وتقنيات جديدة:
عندما تتقن مهارات دراسية معينة وتمارسها بدقة تصبح تجربتك الدراسية أسهل، لذلك تعلم كيفية التركيز على المهام والتنظيم وفقًا لجدول دراسة معين، وحاول دائمًا أن تطور تقنيات جديدة تساعدك على الدراسة والتعلم.
احرص على الحصول على قسط كافٍ من النوم:
إذا أردت أن تؤدي مهامك على الوجه الأمثل فعليك أن تحظى بقدر كافٍ من الراحة، وقد أظهرت الأبحاث أن الأشخاص الذين ينامون فترات قليلة لديهم صعوبات أكبر في التعلم والتذكر ويكون أداؤهم ضعيفًا في أغلب المجالات، وعندما يكون الشخص محرومًا من النوم يصبح أكثر عرضة وتأثُّرًا بالضغوط النفسية والتوتر. لذلك احرص على أن تخصص في جدولك اليومي وقتًا مناسبًا للنوم (حتى في أيام الامتحانات) لأن ذلك سيؤثر عليكَ إيجابيًا في الوقت الحالي وفي المستقبل.
استخدم تقنيات التعامل مع التوتر:
هناك العديد من الطرق للتعامل مع التوتر، وإحدى أفضل الطرق هي الابتعاد ببساطة عن المهمة لفترة قصيرة حتى تهدأ وتجمع أفكارك، وهذا لا يعني أن تتخلى عن المهمة كليًا، لكن الابتعاد عنها قد يسمح لك بالعودة إلى المهمة بمنظور جديد وطاقة أكبر، وإذا لم يكن بإمكانك الابتعاد، فهناك طرق يمكنك من خلالها الاسترخاء وتعزيز التركيز لأن ذلك سيجعلك تشعر براحة أكبر وستكون قادرًا على التركيز أكثر ومتابعة الدراسة.
يمكن للنصائح والطرق السابقة أن تقلل مستوى القلق والتوتر العام لديك وتساعدك على تخطي أي مشكلة والاستعداد لتحقيق أهدافك، وكلما تعرفت على الأساليب التي تناسبك أكثر كلما أصبحت أكثر وعيًا ونجاحًا واستعدادًا للتعامل مع التحديات التي تواجهها في كل حياتك وليس في مجال الدراسة فقط.
————————-