شهر على عتبات الدخول . .. بماذا استعدينا له
هلّ شهر الخيرات والبركات ، شهر المغفرة والرحمات المنزلات ، افضل الشهور منزلة عند رب الارض والسماوات ، شهر تُغفَر به الذنوب وتُجزَل به العطايا ، فيه ليلة عظيمة الشأن ، ليلة خير من الف شهر ، مَن حُرمها فقد حُرِم خيرا كثيرا .
فما هي الا اسابيعٌ قليلةٌ تفصلنا عن شهر رمضان ، وبدأت نسائمه العطرة الزكية تَهبُّ علينا ، واصبحت قلوبنا ندية خفاقة شوقا له ، ولساننا يلهج بالدعاء ، ان يبلغنا الله رمضان ويعيننا على حسن صيامه وقيامه ، وان يتقبله منا ويجعله كفارة لذنوبنا ، فقد ورد عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم انهم كانوا يدعون ربهم ستة اشهر ليتقبل صيامهم الفائت ، ويدعون ستة اشهر اخرى ان يُبلِّغهم رمضان القابل ، وهذا يدل على عظمة ومنزلة هذا الشهر لِمَن عرفه .
وصدق من شبَّه هذا الشهر بالضيف العزيز الذي لا يلبث ان يغادرنا سريعا ، لذلك يتوجب علينا اكرامه بالقيام بواجباته ومستحباته ، لان الاعمال فيه تُضاعف اضعافا كثيرة لا يعلم عددها الا الله ، ففي الحديث القدسي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه تبارك في علاه : ( كل عمل ابن ادم له الا الصوم فانه لي وانا اجزي به ) .
وهذا الضيف العزيز يستلزم منا استعدادا وتهيئة للنفس والاهل ، فأيامه معدودة مباركة عزيزة سريعة الانقضاء وثوابها كبير وكثير ، وهي تختلف عن غيرها من ايام العام ، لان فيها نزل القران ، وفيها تزداد الرحمة والمغفرة من الرحمن ، وفيها يتواصل الاهل والخلان ، وفيها تُصفد الشياطين والجان . انها ايام للصيام وليست للشراب والطعام ، ايام للقيام وقراءة القران وليست للهو والسهر مع الخلان ، ايام لرفع الاعمال والدرجات وليست لمشاهدة المسلسلات وشراء الملابس والحلويات .
علينا كأولياء امور ان نعيد انفسنا وابناءنا الى ديننا الحنيف القويم ، من خلال ترسيخ المفهوم الصحيح للشريعة والدين ، وان نُجذِّر في النفوس العبادات كما ارادها ربنا تبارك في علاه ، حينها ينشا لدينا جيلا مؤمنا بعقيدته ومتسلحا بقناعة مطلقة بهذا الدين السمح ، هذه القناعة تجعله متحفزا لاستثمار كل فرصة في سبيل إرضاء ربه ، وتدفعه فَرِحا مُقبِلا ومُتشوِقا لأداء العبادات ، سعيدا ومُستمتعا بالقيام بواجباته الدينية دون كسل او تهاون .
فهذه الايام المباركة سرعان ما تنتهي وتنقضي ، فيها يقبل الله الدعاء و يرفع الدرجات ويغفر الزلات ، من احسن صيامها وقيامها رفعه الله ومن ضيعها ضيعه الله ، لذلك علينا ان نهبّ جميعا لاستقبالها واستثمارها بالعبادات والبعد عن الملهيات ، مع ضرورة تنبيه ربة الاسرة بعدم الانشغال كثيرا بإعداد اصناف الطعام والشراب . وخير معين لنا على استغلالها بعد توفيق الله سبحانه وتعالى ، هو وضع برنامجا رمضانيا متكاملا للأسرة من بدايته الى نهايته ، يتضمن اوقاتا للصلاة ولقراءة القران ، واوقاتا للراحة وتناول الطعام ، واوقاتا لقراءة القصص والعبر من وحي الُّسنة و القران ، واوقاتا للجلسات العائلية اليومية لتدارس القران والاحاديث النبوية الشريفة حفظا وتفسيرا ، ولا مانع من فسحة لمشاهدة بعض البرامج التلفزيونية الدينية الهادفة .
ان الامانة تجاه الاسرة جسيمة عظيمة ، هذه الامانة لا تتمثل بتامين ضروريات الحياة فقط ، وانما بترسيخ العقيدة السليمة والرعاية وحسن التربية والتعليم وتقويم السلوك ، وهذا بلا شك ينعكس اثرها علينا في الدنيا ، ومسؤولون عنها يوم القيامة , لذلك وجب التحذير من الافراط أو التفريط بها ، قال عليه الصلاة والسلام : ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) .
————————————————————
بقلم أ. سلوى الجهني