تتجلّى الفوائد العلاجية للقرفة في ثلاث مركبات أساسية موجودة في الدهون الأساسية في لحاء القرفة، وهذه المركبات الفعالة هي: سينام ألديهايد، سيناميل أسيتات، وكحول السيناميل، بالأضافة إلى العديد من المركبات الطيارة الأخرى.
القرفة تفيد مرضى السكر النوع الثاني غير المعتمد على الأنسولين، وهو النوع الذي يصيب المرء عادة بعد الثلاثين من العمر، ولقد وجد أن القرفة تعيد مستوى السكر إلى الحدود الآمنة الطبيعية، في التجارب التي أُجريت على الحيوان.
أثبتت هذه الدراسات أن القرفة تحفز مستقبلات الأنسولين. حيث إنّ للأنسولين مستقبلات في الأنسجة المختلفة تستقبل جزيئات الأنسولين وإذا كان في تلك المُستقبِلات عطل (مثلاً تغيير في شكل المُستقبِل) فلا تستقبل جزيئات الأنسولين.
وبالتالي لا تدخل جزيئات الجلوكلوز في تلك الأنسجة وترتفع بذلك نسبتها في الدم، فعندما نقول أن القرفة تحفز تلك المستقبلات نعني بذلك أنَّ القرفة تجعل شكل تلك المستقبلات ملائماً أو مطابقاً للارتباط بجزيئات الأنسولين، لأنّ جزيئة الأنسولين والمستقبل يتداخلان مع بعضهما كالقفل والمفتاح، وبالتالي هذا الارتباط – أي بمجرد دخول المفتاح في القفل – يمهُد الطريق لدخول جزيئات الجلوكوز في الأنسجة المختلفة، وينخفض إثر ذلك تركيز الجلوكوز في الدم.
أما الفعل الآخر للقرفة في هذا المجال فهو أنّه بالإضافة لفعله السابق فإنّها – أي القرفة – تثبط الأنزيم الذي يجعل المستقبلات غير فعالة لاستقبال الأنسولين -، حيث إذا كانت المستقبلات سليمة فتتداخل مع جزيئات الأنسولين كما يدخل المفتاح في القفل.
يمكن تشبيه ارتباط الأنسولين بمستقبلاته بالقفل والمفتاح، ولو شبهنا الأنسولين بالمفتاح والمستَقبِل لَهُ بالقفل. فبمجرد تغير بسيط في شكل القفل مهما كان السبب فلا يفتح المفتاح القفل، وفتح المفتاح للقفل شرط لدخول الجلوكوز إلى الأنسجة من مجرى الدم، وبالتالي انخفاض سكر الجلوكوز في الدم، فلو كان هناك عيب في شكل القفل الذي هو بمثابة المستَقبِل للأنسولين – فلا يدخل المفتاح القفل، وحتى لو دخله لم يفتحه، ونقول في هذه الحالة إن المفتاح والقفل لا يتطابقان، وإذا حدث ذلك فليس هناك سماح للجلوكوز الفائض في الدم أن يدخل في الأنسجة.
والآن من الذي سيصلح القفل – وهو مُستقبِل الأنسولين -؟
القرفة هي التي تقوم بهذا الفعل وتصحح شكل القفل سامحة له أن يدخل ويلائم المفتاح – أي الأنسولين – وإذا صُحّح هذا الخطأ دخل المفتاح في القفل وفتحه وبالتالي يُفسح المجال لدخول جزيئات الجلوكلوز من الدم إلى الأنسجة، أي ستفتح الأبواب في الأنسجةِ لدخول جزيئات الجلوكوز المتراكمة في الدم، وبالتالي ينخفض تركيز الجلوكوز في الدم.
أليس فعل القرفة من عظمة الخالق؟ من قال للقرفة أن يفعل هذا الفعل؟ هل للطبيعة ذلك العقل؟.
إنَّ تثبيط – منع – الأنزيمات التي تعطل مستقبلات الأنسولين يحفز من ارتباط الأنسولين بمستقبلاته، وبالتالي تدخل جزيئات الجلوكوز إلى الأنسجة المختلفة، وعندئذ يقل تركيز جزيئات الجلوكوز في الدم، وهذا هو المطلوب بعينه.
تثبت الأبحاث العلمية أن تناول أقل من نصف ملعقة شاي في اليوم من القرفة موزعة تلك الكمية على الوجبات الثلاثة، تقلل من نسبة السكر في الأشخاص المصابين بمرض السكر غير المعتمد على الأنسولين والذين ليسوا بحاجة إلى أخذ جرعات من الأنسولين.
لقد جرت دراسة شملت (60) باكستانياً متطوعاً مصابين بمرض السكر غير المعتمد على الأنسولين، إذ تم تقسيم هذا العدد من المرضى إلى ست مجموعات، وأعطيت لهم خلال أربعين يوماً جرعات مختلفة من القرفة، فأعطيت المجموعة الأولى والثانية والثالثة نسبة 1غم و2غم و3غم من القرفة يومياً على التوالي، وأعطيت المجموعات الثلاثه الباقية أي: الرابعة والخامسة والسادسة أيضاً: 1غم، 2غم، 3غم يومياً من مواد غير فعالة أو ما يسمى بمواد زائفة.
وبعد أربعين يوماً أدت هذه الجرعات الثلاثة من القرفة في المجموعات الأولى والثانية والثالثة، إلى خفض مستوى الكولسترول الكلي بمقدار12-26%، وقللت من نسبة البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة أو ما يسمى بالكولسترول الضار بنسبة 2-6% وخفضت من نسبة الجليسريدات الثلاثية بمقدار 23-30% بينما لم يلحظ أي تغير في مستويات تلك الدهون في المجموعات (الرابعة والخامسة والسادسة) التي أُعطيت لها مواد زائفة.
وقد وجد الباحثون أن القرفة تفيد المرضى المصابين بالسكر من النوع الثاني وذلك بتقليل خطورة إصابتهم بأمراض القلب، لأنه كما لحظنا آنفاً أنّ القرفة لا تقلل فقط من سكر الدم بل أيضاً من الدهون التي تزيد من خطر الإصابة بمرض القلب.
لا يجوز للأشخاص الذين وصِفت لهم أدوية لمرض السكر أن يختزلوا الدواء أويتركوه ثم يعّوضوه بالقرفة، بل يجب استشارة الطبيب المختص في ذلك ويكون اختزال الدواء بأوامره فقط.
كما وجد الباحثون أنه عندما أعطي سكر الفركتوز بكميات عالة جداً إلى الفئران التي كانت قد أعطي لها مستخلص القرفة لم ترتفع عندها نسبة السكر في الدم، وكانت نسبة السكر في هذه الحيوانات عادية وكما هي في حيوانات السيطرة.
القرفة تدعم عمل المخ
لا ينحصر فعل القرفة فقط في التقليل من نسبة السكر في الدم بل إن مجرد شم رائحتها المميزة ينشط المخ وعمله.
وقد وجد الدكتور زولادز في المؤتمر السنوي لجمعية علوم المستلمات الكيماوية، إن مضغ العلكة الممزوجة بنكهة القرفة الطبيعية، بل حتى شَمُّ القرفة يحفز عملية الإدراك، وكذلك التذكر، وقوة البصر وخاصة في الأفراد الذين ينشغلون ببرامج الكومبيوتر. إذن إذا داوم الفرد على تناول القرفة أو مضغها يبقى مُنتبهاً نَشيط الفكر والوعي، أليس هذا مطلوباً ومرغوباً من كلّ إنسان يريد أن لا تعتري عليه علامات الشَّيخوخة؟
في تجربة فريدة، تم تعريض أفراد إلى شَمَّ مجموعة من الروائح مثل النعناع، والياسمين، والقرفة، فوجِدَ أن الرائحة المنبهة الواحدة للدماغ في هذه التجربة كانت رائحة القرفة.
وقد وجد العلماء أن القرفة هي التابل الوحيد الذي يمكن أن يحسن عملية الإدراك في الكهولة، إذاً يظهر أن القرفة لا تحسن فقط إدراك الشباب بل حتى إدراك الكَهَلَة.
نسبة العناصر والألياف في (القرفة) وفوائدها المدهشة
بالإضافة إلى أن القرفة تُعدُّ مصدراً مهماً للدهون الأساسية فإنّها تعد أيضاً مصدراً ممتازاً للعنصر النادر- العنصر الذي يقل وجودة في مصادر أخرى، والمفيد جداً للصحة مثل المنغنيز -، كما أنه يعتبر مصدراُ جيداً جداُ للألياف، والحديد والكالسيوم.
حيث إن علو نسبة الكالسيوم والألياف في هذا التابل يجعله قادراً على إزالة نسبة من الأملاح الصفراوية في القناة الهضمية، وهذا الفعل مهم، لأن ذلك يؤدي إلى زيادة صنع الأملاح الصفراوية في الكبد لتعويض هذا النقص من الأملاح الصفراوية المزالة في القناة الهضمية، فيقوم الكبد بعدئذٍ بصنع الأملاح الصفراوية من الكولسترول فيسحب الكولسترول من الدم، وهذا بدورة يقلل من مستوى الكولسترول في الدم، وهذا بعينه أمر مفيد للغاية.
وهكذا هو فعل الألياف في القرفة.
وليكن القارئ على علم بأن الأملاح الصفراوية ضرورية للهضم، وهي عوامل استحلاب في القناة الهضمية – إذ تَمزج بين الدهن والماء ليجعلهما يمتزجان لِتُسَهَّلَ بذلك عمل الأنزيمات في الأمعاء – لذا فتعويض ما تزيله الألياف من الأملاح الصفراوية أمر ضروري للهضم.
لكن يظهر في الوقت نفسه أن إزالة بعض الأنواع من الأملاح الصفراوية التي قد تؤذي بعض خلايا القولون بواسطة الألياف ضرورية أيضاً، ذلك أن تلك الأملاح الصفراوية بالذات قد تسبب سرطان القولون، إذاً فالقرفة بفعلها الذي أودعها الله فيها، تنجينا أيضاً من شر بعض الأملاح الصفراوية التي قد تسبب لنا مرضاً مميتاً كالسرطان.
وبهذا العَمَل العظيم فإن القرفة تبعدنا حتى من الإصابة بأمراض القلب مثل تصلب الشرايين، لأنها تقلل من الكولسترول الكلي والكولسترول الردئ… وبذلك تبعدنا القرفة من عملية الشَّيخوخة.
بشرى للمصاب بالقولون العصبي – وهو عبارة عن حالة تصيب الانقباضات العضلية الإيقاعية للجهاز الهضمي بالاضطرابات وعدم الاتساق مما يعوق الحركة الطبيعية للطعام والفضلات ولأسباب غير معروفة – حيث تحسن القرفة بفضل ما فيها من الألياف من مشاكل الإمساك والإسهال، فالقرفة تخفف من وطأة مرض القولون العصبي.
____________________________________
المصدر: كتاب شبابٌ دائم