“عادت ابنتي سارة من مدرستها وتبدو عليها علامات الحزن والغضب! وكان سؤالي لها: ماذا بك؟ بمثابة الإبرة التي فجرت البالون الممتلئ.. “لماذا أنا الوحيدة بين صديقاتي التي تملك شعرا مجعد وغير ناعم؟ الجميع يسخر مني.. الجميع يكرهني.. لن أذهب إلى المدرسة مرة أخرى.. أنا لست جميلة!” نطقت هذه العبارات بدموع وغضب وشهقات بين كل كلمة والأخرى.. أما أنا فكنت أقف صامتة ومشتتة.. ماذا يجب أن أفعل؟”
كم مرة سمعت مثل هذه الكلمات من ابنتك أو ابنك باختلاف المواقف؟ وكيف كان تصرفك؟ هل قدمت له الدعم المناسب؟ أم قمت بتوبيخه/توبيخها وذكر أن ذلك عدم ثقة بالنفس ويجب التوقف عن البكاء حالا، لأن لو أصدقائك شاهدوه الآن لسخروا منه!
للأسف نفسية أطفالنا معقدة أكثر مما نتخيل، وأحيانا أو “غالبا” مجرد كلمة في موقف، لن تكون كافية لحل مشكلة أعمق من مجرد “الشعر المجعد” أو “البشرة السمراء” أو “الأسنان غير المرتبة”، فالمشكلة هنا ثقة طفلك بنفسه التي تبنيها أنت أو تهدمها للأبد.. أو حتى يصل إلى مرحلة أصعب ويصاب بما يعرف بـ اضطراب القلق الاجتماعي والانعزال عن العالم!
اضطراب القلق الاجتماعي قد يصل إلى طفلك
هو بمثابة وحش متربص على مدار الأيام والشهور والسنين، يقف يراقب تراكم الكلمات والمواقف التي أثرت على النفس، حتى كونت كومة كبيرة من الألم والكبت، ليقوم في النهاية ذلك الوحش بتحريك هذه الكومة لتسد أي منفذ متاح مع العالم الخارجي.. إنه اضطراب القلق الاجتماعي عند الاطفال أو الرهاب الاجتماعي الذي يصيب أطفالنا أيضا!
نعم لا تستغرب.. صحيح أن الأغلب منا يسمع عن أن هذه الحالة تصيب الأشخاص في فترة المراهقة، إلا أن بعض الأطفال قد يبدأ هذا الاضطراب معهم مبكرا، لاحقا يمكن أن ينجو البعض من هذا السجن، ولكن للأسف كثيرون لا يستطيعون ذلك خاصة مع عدم تلقي العلاج والتعامل الصحيح.
قد ترى الأمر مبالغ فيه، لكن يمكن أن يرجع ذلك لاختلاف الأجيال والفجوة التي تتسع يوما بعد يوم، فالأجيال السابقة والتي ينتمي إليها جيل كبير من الآباء والأمهات اليوم، لم يسمعوا عن مثل هذه المصطلحات من قبل، لذلك يصعب عليهم تقبل أن ما يمر به طفله هو اضطراب له أسبابه وأعراضه وعلاج أيضا! بل وأحيانا يرفضون الاعتراف بوجوده وأن ما يمر به طفل مجرد ” خجل ودلع”.
فرق كبير بين “الخجل” وبين اضطراب القلق الاجتماعي عند الاطفال
قد يفسر بعض الآباء تصرف طفلهم بالخطأ أنه مجرد خجل، لكن الرهاب الاجتماعي أكبر من ذلك، فهو يظهر لطفلك كما لو أن هناك خطر حقيقي، فيسبب اندفاع الأدرينالين في الجسم، فيكون تأثيره أشبه بالحبل الذي يربط طفلك، فيسبب:
عدم القدرة على الاندماج مع العالم الخارجي.
فقدان الثقة بالنفس.
عدم القدرة على القيام بالأنشطة اليومية.
كره المدرسة وعدم الذهاب إليها.
للتسهيل عليك، سنذكر لك بعض العلامات والأعراض التي يجب عليك الانتباه لها تماما، لتفهم أن ما يمر به طفلك هو حالة اضطراب القلق الاجتماعي.
علامات تخبرك بأن طفلك قد يكون مصاب باضطراب القلق
من المهم أولا معرفة أن هناك أعراض عاطفية وأخرى جسدية، ومعرفتك بهما سيسهل عليك تحديد إن كان طفلك يمر بحالة عادية من القلق والخجل، أم أن الموضوع مختلف هنا، وأبرز تلك العلامات:
خوف طفلك من رأي الآخرين فيه وكيف يحكمون عليه.
عدم الرغبة في الحديث أو التفاعل مع الآخرين بسبب الخوف من الحرج أمامهم.
خوف طفلك من ظهور أي علامات على جسده تظهر قلقه، مثل ارتعاش الصوت.
ابتعاد طفلك عن دائرة الاهتمام وعدم رغبته في الظهور، وتوقع الأسوأ دائما.
الدخول في نوبات من الغضب والبكاء، والإمساك بالأب أو الأم وعدم الرغبة في الحديث مع الآخرين.
عدم الرغبة في التحدث.
أما بالنسبة للأعراض الجسدية التي يمكنك ملاحظتها أيضا على طفلك:
الارتجاف والتعرق واحمرار وجه طفلك خجلا.
اضطرابات المعدة والشعور بالغثيان.
صعوبة وضيق التنفس مع الشعور بالدوخة أحيانا.
صمت طفلك.. يكون باختياره!
إن جاء معلم طفلك أو أحد أولياء الأمور أو فرد من العائلة يخبرك بأن “طفلك دائما صامت”، فقد يكون ذلك باختياره هو! وهي الحالة التي تعرف بـ “الصمت الانتقائي أو الاختياري” أي أنه لا يفضل الحديث مع شخص بعينه أو مجموعة من الأطفال حوله أو صديقك المزعج الذي يبدأ في السخرية منه دائما عند رؤيته صامتا ليلقي (ما يعتقد أنها نكتة) قائلا: “هي القطة أكلت لسانك؟” فيضحك الجميع، ويحزن طفلك في صمت.
من المهم أن تعرف أن صمت طفلك المستمر مع أغلب ما حوله، يكون بسبب عدم ارتياحه أو خوفه، وليس بسبب أنه وقح كما يعتقد البعض!
اضطرابات القلق تضرب العالم.. والمشاهير أيضا!
ليلي راينهارت
هل تعلم أن ما يزيد عن 3% من سكان العالم الذي نعيش فيها مصابون باضطرابات القلق المختلفة! بل هناك العديد من المشاهير الذين أصيبوا باضطراب القلق الاجتماعي منهم ليلي راينهارت الممثلة والمغنية الأمريكية التي تحدثت عن معاناتها مع المرض منذ الطفولة، حتى وصل بها تطور المرض لاحقا إلى التسبب في استقالتها المتكررة من عدة وظائف بسبب النوبات التي كانت تمر بها.
كيف تحمي طفلك من أذى العالم حوله؟
أنت المسؤول الأول عن حماية طفلك من كل الأذى الموجود حولنا، تعرض طفلك للكلمات القاسية والسخرية وعدم التقبل ممن حوله، يجب أن يقابله الدعم والاحتواء وبناء الثقة منك أنت أولا.
ولأن الوقاية خير من العلاج دائما، ننصحك بأهمية الانتباه لطفلك دائما والتعامل بشكل سريع، مع بداية ظهور أي علامات مبكرة، لا تفوت أي شئ حتى لو موقف بسيط كتعلثم طفلك في نطق كلمة ما، سببت ضحك زملاؤه عليه في الفصل!
ستحتاج إلى اكتشاف مهارات وقدرات طفلك وتطويرها وتشجعيه، وإبراز نقاط القوة لديه، لكن يجب أن تعلم أن الرحلة قد تكون طويلة وتحتاج منك الصبر في حال كان طفلك قد وصل إلى مرحلة متطورة بالفعل! إلى جانب مجموعة من الخطوات التي ستحتاج إلى القيام بها منها:
الاستعانة بمتخصص
ليس عيبا على الإطلاق أن تستعين بمتخصص، لمعرفة كيفية التعامل مع حالة طفلك في حال كان الوضع متطور، ولا تستطيع التعامل بشكل صحيح.
العلاج السلوكي المعرفي
يلجأ الطبيب المتخصص إلى أسلوب المواجهة مع المخاوف، حتى يتعلم طفلك التأقلم والتعامل مع المواقف، ويكون ذلك إما بشكل فردي أو مع مجموعة.. يمكنك أن تعرف أكثر عن كل ما يخص العلاج السلوكي المعرفي.
توفير الدعم من العائلة والأصدقاء
لا يجب أن يتعامل المحيطين بطفلك على أن اضطراب القلق جريمة أو خطأ طفلك مسؤول عنه، ولا يجب التعامل معه بسطحية وسخرية، بل حاول أن تقوم بتحديد الأشخاص الداعمين والمتفهمين ليكونوا مشجعين وموجودين مع طفلك، والاحتفال معه بكل إنجاز صغير يقوم به.
تعزيز الثقة
تعزيز ثقة طفلك بنفسه خطوة بخطوة، ستجعله أقل اهتماما بنظرة الآخرين له، لن تؤثر فيه كلمة ولا تنمر ولا سخرية بسهولة، بل سيساعد تعزيز ثقة طفلك بنفسه على جعله أقل تفكيرا في السيناريو الأسوأ، وسيهمه الاستمتاع أولا.. اعرف أكثر عن كيفية بناء ثقة طفلك بنفسه.
في النهاية.. تذكر دائما أن كلماتك يمكن أن تبني ثقة طفلك بنفسه أو تهدمها للأبد.. وأنك درع طفلك ضد كل ما يحيط به، هو يراك بمثابة الأمان والسند له، إن فقد ذلك الشعور، ولم يجد عندك الملجأ الذي يهرب إليه من أذى العالم.. إلى أين سيذهب؟