بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه والتابعين وبعد.
إن الإيجابية هي مطلب ومطمح كبير، فالكل يريدها والجميع يتطلبها، لأنها صفة الجادين، وسمة العاملين الفاعلين، إذ إن مخرجات الإيجابية متعدية للآخرين، وهي من أسباب كسب مودتهم وقربهم، ومن أسباب تحصيل الأجور العظيمة من خلال التعامل معهم، وإن كان هذا مع جميع الناس إلا أنه مع الأقربين أشد حاجة وأدعى للقبول، وفيه تقريب للنفوس وتأليف للقلوب وتعزيز للعطاء واجتماع للكلمة والرأي.
وحول هذا الموضوع “كيف تكون مؤثراً إيجابياً في أسرتك” سأطرحه من خلال هذه النقاط التالية:
النقطة الأولى:
التعرف على أهمية الموضوع، وأنه وقاية وعلاج وتحصيل للأجور وكسب للخير وشهادة لك بالإحسان، وأيضاً هو تعويد للنفس على العطاء ودربة لها على النماء ونقل الخير للغير، ودلالة على معالي الأمور، وهو بحد ذاته أيضاً نبذ للكسل والتكاسل وطرحٌ ومجانبة الأنانية، فحقاً إن هذا الموضوع غاية في الأهمية، فلو كان في كل أسرة فرد فعال لكان خيراً عظيمًا، غير أننا نملك أكثر من ذلك بحمد الله تبارك وتعالى وفي أسرنا خير وبركة، لكنها تحتاج إلى نوع من التفعيل والتعزيز.
النقطة الثانية:
لا بد من إحياء الهمة العالية في تحصيل هذا الموضوع، وهو التأثير الإيجابي بشتى السبل والأسباب واحتساب الأجر في ذلك لأنه باب عظيم من الصدقة الجارية، حيث إن أقاربك سيكتسبون عن طريقك أفعالاً وأفكاراً جميلة إيجابية قد ينفذها غيرك، لكنك أنت صاحب الفكرة، فكل فائدة يعرفها قريبك فهي إحسان منك وصدقة جارية لك، فاجتماعهم والتأليف بينهم واستحداث المسابقة النافعة لهم واستثمار وسائل التواصل فيما بينهم، كل هذا وأمثاله عمل صالح تؤجر عليه.
النقطة الثالثة:
استثمر عقول الآخرين وذلك باستشارتهم في مشاريعك مع أقاربك وآلية تفعيلها ومناقشتها ليطلعوك على مرئياتهم وملاحظاتهم لتلافيها، وتستفيد أيضاً من تجاربهم، كما أنك بطرحك هذا عليهم تفيدهم لاستثمار ذلك مع أسرهم وأقاربهم.
النقطة الرابعة:
إن ما تطرحه على أسرتك وأقاربك هو غرس لك، فعليك بتعاهده بالسقي حتى ينمو ويُزهر لأنك أنت منغرس وأنت المستثمر وأنت أيضاً المأجور، فهنيئا لك ذلك كله.
النقطة الخامسة:
لا تكتف بنفسك، ولكن اجعل لك مساعدين من الأسرة لدراسة الأفكار الإيجابية وآلية تنفيذها ومناقشتها، فالعمل الجماعي وبروح الفريق الواحد هو عمل مبارك، وهذا من التعاون على البر والتقوى، وعليك باختيار أصحاب الرأي السديد والرشيد وذوي الهمة والاهتمام بهذا الجانب الكبير الفعال.
النقطة السادسة:
من الممكن أن يبدأ التأثير الأسري بشيء يسير ثم يرتفع شيئاً فشيئاً، فإن التدرج في التأثير التربوي والاجتماعي مطلب كبير في القبول والتقبل فالمسابقات القرآنية مثلاً اليسيرة ولو لأطفال الأسرة، وأيضا عن طريق وسائل التواصل، كل هذا مفتاح لهذا المشروع الكبير سيتطور بعد ذلك حسب الوضع الأسري، وكل مرحلة ترسم المرحلة التي تليها.
النقطة السابعة:
عندما تنجح فكرة أسرية يجب أن تدرس أسباب النجاح، وتتكرر الفكرة بوجه آخر أو تستحدث فكرة أخرى مشابهة، وكذلك عندما تفشل فكرة ما فيجب أن تدرس أسباب الفشل حتى لا تتكرر في فكرة أخرى مماثلة أو قريبة منها، وهذا كله يدخل تحت مسمى مراجعة المشاريع التربوية، ويمكن أن يكون لجنة خاصة في الأسرة يكون هذا من اهتمامها وشأنها.
النقطة الثامنة:
حاول في تأثيرك الإيجابي على أسرتك أن تستثمر وسائل التواصل فيهم في تصحيح المفاهيم والدلالة على الخير، ونبذ الصفات السيئة والمخالفة للنواحي الشرعية والاجتماعية، فإن هذه الوسائل يطّلع عليها أصحابها متى شاءوا وكيف شاءوا، وهي دخول شرعي للبيوت من غير إذن فلا تستهن بها، فتأثيرها الإيجابي والسلبي كبير وعظيم، فاجعل لك مشروعاً ترعاه من خلالها، وأقترح عليك أن لو جعلت لك فيكل يوم حديثاً ترسله في فضائل الأعمال القولية والفعلية الثابتة في السنة النبوية الصحيحة، فهم سيطرحون هذه على أقاربهم وزملائهم ويعملون بها وينشرونها وأجرها، وخيرها مستمر لك لأنك أنت من بدأ وأنت من فكر فيها وشجع عليها، فهنيئًا لك الأجور المتتابعة من خلال عملهم وعمل غيرهم بها.
النقطة التاسعة:
حتى تكون مؤثراً ومقبولاً لدى الجميع، فتابع إنجازاتهم على المستوى الشخصي أو الجماعي، وشجعهم عليها وحفزهم وشاركهم في أفراحهم وأتراحهم، واجعلهم يشعرون بك فيما يمر عليهم من تلك الأحوال قدر الإمكان، وليست تلك بمكلفة إنما هي برسالة جوال أو مكالمة خفيفة أو لفظاتٍ محدودة في مقابلة يسيرة ونحو ذلك.
فما أيسرها، وما أعظم تأثيرها على الآخرين وفتحاً لنفوسهم وقلوبهم، وبهذا يتقبلون ما تطرحه عليهم حيث انفتحت لك نفوسهم.
النقطة العاشرة:
قد تجد أحياناً ردود فعل سلبية سواء صارت ناطقة أو صامتة، فلا تتأثر بها سلبًا، واجعلها عقبة تركتها خلفك وسرت على وجهتك المباركة مستعيناً بالله تبارك وتعالى، واعلم أن النجاح لا يلزم أن يكون مائة في المائة، لكن التسعين بالمائة هي في دائرة الممتاز، وما دونها بقليل هو في دائرة النجاح المتميز، فلا تتأثر بعقبات صغيرة وأنت صاحب الهمة العالية.
أخي الكريم إن تلك النقاط العشر هي توصيات لمن يسأل عن آلية التأثير الإيجابي في الأسرة سواء كانت الأسرة بمسماها العام من الأقارب كلهم جميعاً أو كانت بمسماها الخاص وهم أبناء الجد الواحد، أو كانت بمسماها الأخص وهم أصحاب البيت الواحد، فالكل العمل معه مثمر وصاحبه مأجور بإذن الله تبارك وتعالى، وكلها مجالات للتأثير الإيجابي، وما أحوجنا إلى ذلك ليكون مجتمعنا الصغير والكبير من أفضل المجتمعات خلقاً وسلوكاً وتفكيراً وأمناً وإيماناً، واستعن بالله تعالى في مشاريعك تلك كلها، فإذا أعانك الله تعالى أنجزت كل ما تريد وتشجعت وتحفزت، فأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فهي حقيقة الاستعانة، وعليك أيضاً بدعاء الله تبارك وتعالى وسؤاله أن يبارك في جهودك ويعينك.
أسأل الله تبارك وتعالى لنا جميعاً ذلك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
_______________________
خالد بن علي الجريش