الجوال في يد الأطفال : أمان يستبطن الخطر .
الشيخ عادل بن سعد الخوفي .
الطفولة – كما يراها المختصون – تمر بمراحل ثلاث ، يحتاج الطفل فيها إلى إشباع حاجاته الأساس ؛ جسدية كانت ، أو نفسية ، أو عقلية ، أو اجتماعية ، أو دينية ، إذ أن ذلك نتيجة طبيعية لنموه ، وضرورات أساس في حياته ، حتى يتحقق له نموٌ خالٍ من الأمراض ، والمشكلات ، والانتكاسات .
ومرحلة الطفولة هذه تُعَدُّ ركيزة أساسا لحياة الفرد المستقبلية ، إذ فيها تَتَحَدَّد ملامح شخصيته ، من خلال ما يكتسبه من مهارات ، أو خبرات ، أو قيم، ونخص بالذكر هنا المرحلة العمرية من ( 6 – 12 ) سنة ، حيث تكون أنشطة الطفل أكثر منطقية ، وتنظيماً ، ومرونة من ذي قبل ، ولكونه قد تهيأ للدراسة في المرحلة الابتدائية ، فإن الانتباه لديه يكون أكثر انضباطاً ، وذاكرته أكثر تركيزاً .
فإذا تأمَّلنا ( الهاتف الجوال ) ، بغض النظر عن العروض الدعائية التي تُذكر هنا أو هناك ، فإن ميادين استخدام الأطفال فيها لا تخرج في الغالب عن خمس :
1- المحادثة .
2- تقنية ( البلوتوث ) وما يتبعها من صور ( فوتوغرافية ) أو مقاطع فيديو .
3- الرسائل .
4- الألعاب .
5- التصوير .
والتواصل بين الطفل ووالديه كان هو السبب الرئيس لتأمين الهاتف الجوال للطفل ، في حين أن المُشَاهد يجد هذا التواصل يكاد – حسب إحدى الاستبيانات – لا يتجاوز ( 15 % ) من زمن استخدامه لهذا الجهاز ، بينما الانشغال بما فيه من مقاطع أو ألعاب ، والتعرف إلى شخصيات أخرى من ذوي القربى ، أو زملاء الدراسة ، أو الأصحاب المجاورين ، وفتح قنوات الاتصال معهم ، وتبادل الرسائل والصور والمقاطع المرئية ، والتنافس في الألعاب ، قد احتل النسبة الباقية التي يمكن أن نستخلص منها السلبيات التالية :
1- هدر الوقت وضياعه فيما لا فائدة منه ، فقد احتوت الأجهزة الحديثة على ألعاب مشوقة ، لا يكاد الطفل يفارقها إلا عند النوم ، ولا يكاد ينتهي من مجموعة إلا ويمكنه إضافة مجموعة أخرى ، ناهيكَ عن أنَّها في غياب عن أعين الرقيب ، فقد تتضمن شيئاً من المخالفاتِ العقديةِ ، أو تمجيد العنف والاعتداء على الآخرين ، واعتبار القوة البدنية هي العامل الأقوى في حسم المواقف ، أو إثارة الفزع والرعب ، أو تزيين العُري والاختلاط ، أو العيب على الآخرين والسخرية بهم ، ونحو ذلك .
2- تراجع مستوى التحصيل العلمي ، نظراً لانشغال ذهن الطفل بالهاتف الجوال ، عن وظائفه اليومية الدراسية ، من استذكار لدروسه السابقة ، أو تحضير لدروسه القادمة ، أو إجابته للواجبات ، وخصوصاً أن الأسرة – في الغالب – ليس لديها تقنين لمواعيد استخدامه ، إنه على تواصل معه في المنزل ، وفي الطريق ، و المدرسة ، و السيارة ، و حين انتظار وجبة غداء أو عشاء ، أو زيارة قريب ، بل وحتى تحت غطاء سرير النوم .
3- جرح أو قتل الحياء في نفس الطفل ، والسالم مِنْ هذا مَنْ عَصَمَه‘ الله ، إننا إذا عَلِمنا أنَّ طلبات الموضوعات الجنسية في محركات البحث على شبكة الانترنت تُقَدَّر بنحو ( 25 % ) من الطلبات ، وأن إحصاءات مصلحة الجمارك الأمريكية تقول أن هناك أكثر من مئة ألف صفحة انترنت توفر مواد أو صور جنسية للأطفال ، وتقرير جمعية بريطانية تعمل في مكافحة العنف ضد الأطفال تقول : هناك عشرون ألف صورة جنسية للأطفال ترسل عبر الشبكة أسبوعياً . هذا هو الشريان الذي يُغَذِّي الجوالات بكل فساد ، وخصوصاً مع خدمة ( البلوتوث ) و ( الاستديو ) ، والقدرة الاستيعابية والتخزينية التي تزداد مع كل منتج جديد .
الجوالات وهي مسرح النشر والتوزيع ، تئن من صور النساء العاريات ، و المتأنثين المتخنثين المتخنفسين ، وصوَر الفنانات وذوات الفسق والفجور بأشكال يندى لها الجبين ، ثم مقاطع الفيديو ، وما أدراك ما مقاطع الفيديو . . .!! إنها لن تبقي في ذاكرة من يراها بقية لحياء ، أو خُلق ، أو إيمان .
يقول طفل المرحلة الابتدائية ع . س : ذهبت إلى أحد محلات الجوالات لإصلاح خلل في جهازي ، فعرض عليّ العامل مقاطع جنسية : تحميل المقطع بخمسة ريالات ، والنظر إليه بريالين فقط . يقول الطفل ، وأرى أن هذا حال بعض زملائي في الفصل .
4- إيذاء الآخرين ، والاتصال في أوقات غير مناسبة ، أو إرسال الصور والمقاطع السيئة وتبادلها ، بل إن بعض الأطفال كان أذيَّة ونِقمة على أهله ، فقد يدفعهم ذلك إلى بعض الممارسات الخاطئة ، حين تراودهم أفكار تسبق سنّهم وتؤثر على أخلاقهم .
5- التعرف على أصحاب السوء ، أو من لا يستفيد منهم إلا ضياع الوقت ، وهذا من مستلزمات وجود وسيلة اتصال بين يديه ، تنقله من مجتمعه الصغير ، إلى فضاء هذا الكون وسعته .
6- المضار الصحية والاجتماعية ، وهذه قد كثرت الأقوال حولها ، فمن مُقرٍ بها وخطورتها على الطفل ، ومن مُهَوّن من شأنها ، إلا أننا لا نشك أنه في حال كانت هناك خُطورة ، فالأطفال هم أول المتأثرين من ذلك .
تقول وزيرة الصحة العامة البريطانية : ( نُقدّر أن بعض الآباء يشعرون بأهمية تزويد أطفالهم بهواتف محمولة لأسباب تتعلق بسلامتهم ، غير أننا ينبغي أن نكون واضحين في أن يكونوا حذرين للغاية من مغبة الإكثار من استخدامها ).
أما أساتذة علم النفس فيقولون : ( إن الاستجابة الدائمة لرغبات الصغير ، وخصوصًا لناحية اقتناء الهاتف المحمول ، تؤثر على تكوين شخصيته فتجعله أنانيًا ، كما أن رغبة الطفل في تقليد رفاقه ليست سمة صحية ، إذ لا يقف اقتناء الطفل للهاتف المحمول عند هذا الحد ، بل يتبعه ضياع الوقت في محادثات لا طائل منها، علمًا أنه من الأفضل الاستفادة من هذا الوقت بما يفيد عقله وتنمية مواهبه ).
ويبقى السؤال ، هل لوجود الهاتف الجوال في أيدي الأطفال ثِمار إيجابية !؟
الجواب ، لا شك أن هناك شيئا من الإيجابيات ، لكنها تختص بحالات دون أخرى ، فهي بحسب حاجة الطفل هذا أو ذاك للجهاز ، وبحسب متابعة الأسرة لما يحتويه ، ومقدار وزمن استخدامه ، وبقائه بين يديه ، ولذا فإن كانت بعض الأسر لا محالة فاعلة ذلك ، فإني أقترحُ عليها التالي :
1- اقتناء جهاز لا يحوي تقنية ( البلوتوث ) ، ولا ( الكاميرا ) و ( الأستوديو ) ، وأن تكون قدرته التخزينية محدودة .
2- العمل على أن يكون استخدام الطفل للجهاز فقط عند خروجه إلى جهة ما ، وحاجة الأسرة للمتابعة معه ، وليس اصطحابه معه في كل حين . فإن لم يكن ، فيتم تعويد الطفل على حفظ الجهاز لدى والده أو أحد إخوته الموثوقين عند عودته إلى المنزل ، وخصوصاً عند المساء ، مع المتابعة المستمرة الخفية لما قد يحتويه من أسماء غريبة ، أو أرقام ، أو رسائل وخلافه .
3- الحذر أشد الحذر من أن يكون الهاتف الجوال في يد الفتاة بلا ضوابط ، وقد بدأت تَتَلَمَّسْ الطريق إلى تغذية عاطفتها بالكلمة الحنونة ، والمشاعر الحانية ، وخصوصاً إذا لم تجد ما يشبعها في أسرتها .
4- البحث عن بدائل مفيدة ومأمونة تُشبع حاجات الطفل ، وتحقق له الاكتفاء عن الهاتف الجوال .
وأخيراً ، إن وجود الهاتف الجوال في أيدي الأطفال بلا رقابة دقيقة ، وبلا مسببات واضحة مرتبطة بزمن محدد يُعد كارثةً أخلاقيةً واجتماعيةً ، تحتاج وقفة جادة وحازمة من قِبل الوالدين والمربين والموجهين .