بسم الله الرحمن الرحيم
البداية الرشيدة .. استشراف على حياة أسعد
بقلم د.فيصل بن سعود الحليبي
الحمد الله الذي خلق الناس من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبثَّ منهما رجالاً كثيرًا ونساء، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرا.
أما بعد : فقد أولى الإسلام الأسرة اهتمامًا بالغًا، منذ الخطوات الأولى في نشأتها، مرورًا بكل مجريات الحياة فيها، وما ذاك إلا ليحقق من هذا الرباط الوثيق هذه الأهداف السامية، التي أوردها الله تعالى في قوله سبحانه : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [ 21، الروم].
فليس الهدف أن نعقد القِران بين راغبيَن في الزواج، بقدر ما نسعى في تحقيق تلك الأهداف في حياتهما؛ لنبني أسرةً متآلفةً متماسكةً قوية، يعرف كل فرد فيها ما له وما عليه من الحقوق، ويشعر بمسؤوليته في إنجاح هذه العِشرة بكل وسيلة شرعية متاحة : من التعلّم، والتدرّب، والاستفادة من خبرات أهل الاختصاص واستشارتهم.
والأسرة هي اللبنة الأولى التي تنطلق منها حضارةُ الأمم، وتقدمُ الأوطان، وأمنُ البلاد، فإذا تأسست على أسسٍ صحيحة، وسارت على منهجٍ قويم، حققنا بذلك لأمتنا وأوطاننا ما ننافس به الأمم، وما نصبو إليه من الطمأنينة والاستقرار والرخاء.
وإن الناظر في نِسَب الطلاق في العالم العربي يجد أنها تزايدت في الآونة الأخيرة لعدة أسباب، كان من بينها هذه المتغيرات الحديثة التي طرأت على الأسرة، وأوجدت ارتباكًا في العلاقة بين الزوجين، مما جعل الأمر يستنهض همم المختصين والغيورين للحفاظ على هذا البناء، فانبثقت فكرة المراكز الأسرية والاجتماعية المتخصصة، التي نشأت في عدد من البلاد الإسلامية، وجعلت انطلاقتها على مسارات ثلاثة : الإنماء، والوقاية، والعلاج.
فكان من نصيب المقبلين على الزواج هذا البرنامج التدريبي، الذي بادرت وزارة الصحة في المملكة العربية السعودية بالدعوة إليه في مؤتمر الزواج الصحي الأول عام 1428هـ، وكان لمركز التنمية الأسرية بالأحساء شرف الانطلاقة به لتقديمه للمستفيدين منه من شبابِ وشاباتِ هذا الوطن الغالي، فأقام عددًا من البرامج التدريبية لتدريب المدرين والمدربات حتى وصل عددهم أكثر من 400 مدرّب ومدربة، وتجاوز عدد المتدربين على أيديهم الآلاف، وكانت النتائج مذهلة، حيث كانت نسبة الطلاق في عام 1429هـ للمشاركين في الزواج الجماعي بمدينة بريدة 1%، وفي مركز مودة الاجتماعي 1.7 %، كما دوّن المتدربون في المنطقة الشرقية مدى استفادتهم الكبيرة من هذا البرنامج حتى قال أحدهم : (( كيف كنت سأصنع بحياتي الزوجية لو أني لم أتدرب في هذا البرنامج !)) .
كل ذلك يؤكد نجاح هذا البرنامج ويشعر المهتمين بالمسؤولية الكبيرة تجاه الشباب؛ وأثره في نجاح حياتهم الأسرية.
وأثبتت دراسة أكاديمية بعنوان : ( برنامج الإرشاد الأسري بمركز التنمية الأسرية بالأحساء )، للباحث : إبراهيم بن فهد الحربي،أن نسبة ( 96.4 ٪) من عينة الدراسة تؤكد على أهمية الدورات التدريبية للتأهيل قبل الزواج لارتباطها بإعداد الشباب للزواج، لما تحققه للشباب من تزويدهم بالمعلومات الجديدة والمتنوعة.
ولهذا كله نهض نخبة من العلماء والمختصين الذين جمعوا بين المعرفة والخبرة لإعداد هذه الحقيبة، فوضعوا فيها خلاصة فكرهم، ورأوا أنها الخطوة الرائدة الأولى التي لا يستغني عنها الزوجان لحياة زوجية سعيدة.
وتميز هذا البرنامج عن العديد من البرامج المقدمة للمقبلين على الزواج بأنه يجمع أربعة جوانب :
1-الجانب الشرعي. 2 – الجانب الاجتماعي . 3- الجانب النفسي. 4 – الجانب الصحي.
ومركز التنمية الأسرية بالأحساء يسعى جادًا أن يستفيد من التجربة الماليزية في استصدار قرار رسمي يلزم بالتدريب على هذا البرنامج قبل الزواج؛ لما يقف عليه في جميع ساعات عمله من حاجة ملحّة إلى هذا القرار، الذي نأمل بإذن الله تعالى أن يكون فاتحة خير لكل زوجين أمّلا في زواجهما كل فرحة وسعادة.
والبرنامج ـ الذي بين يديك الكريمتين ـ مع ما بُذل فيه من جهد كبير، إلا أنه عمل بشري، يعتريه من النقص ما يعتريه، ولذلك أخذ المركز على نفسه العهد بتطويره بين آونة وأخرى بعقد حلقات النقاش المتخصصة، التي تعيد النظر فيه بكل موضوعية.
والشكر لله تعالى الذي هيأ لنا ذلك وأعاننا عليه، ثم لكل من ساهم في إعداد هذا البرامج أو درّب عليه، والشكر موصول لمؤسسة محمد وعبد الله إبراهيم السبيعي الخيرية التي وقفت بكل كرم وسخاء وراء نجاح هذا المشروع المبارك.
ومن الله نستمد العون والبركة والقبول، ونسأله أن يجعل ذلك خالصًا لوجهه الكريم، وأن يكون نافعًا لعباده، محققًا لمرضاته، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.