الأثنين 25 نوفمبر 2024 / 23-جمادى الأولى-1446

“قبول الآخر”.. إليك نصائح تمكنك من قبول الآخر المختلف عنك



 

 

هل فكرت من قبل بعقلية “نحن” و “هم”؟ هل أصدرت أحكاماً قاسية أو وضعت قوالب جامدة لفهم وتصنيف شخص ما لمُجرد أنه “آخر”، هذا الآخر قد يُوصف بهذا، لأنه لا يمتلك نفس مواصفاتك أو مظهرك أو تعليمك أو انتمائك الجغرافي أو دينك أو نوعك أو حتى فئتك العُمرية، عفواً لا تتسرع في الإجابة.

 ألم ترى من قبل أن والديك لا يفهمانك ولا تستطيع التواصل معهم، ثم وضعت قالباً جامداً بأن كبار السن غالباً ما يملكون طرق في التفكير تختلف عن جيلك؟ ألم تعتقد من قبل أن أولئك الذين ينتمون إلى بلد معين لديهم صفة ما، بشكل عام، وتعاملت معهم على أساس هذه الصفة؟ وأخيراً ألم تُفكر في أن زوجتك تتبنى أحياناً بعض ردود الأفعال التي لا تفهمها، ثم رددت لنفسك أن هذا هو شأن النساء وحالهم بشكل عام؟

إذا حدث أيّاً مما سبق فقد وقعت عزيزي القاريء خلال هذه المواقف في آسر التفكير بطريقة “نحن” و “هم”. تابع قراءة السطور التالية للتعرّف أكثر على هذه العقلية والعلامات الدالة عليها وتأثيرها.

ظاهرة “الآخر” النفسية

“الآخر/othering” هي ظاهرة يتم خلالها تعريف بعض الأفراد أو المجموعات ووصفهم بأنهم لا يتناسبون مع صفات ومعايير مجموعة اجتماعية أخرى. لا يقتصر الأمر على الوصف والتصنيف فحسب، لكن هذا الوصف يؤدي بدوره إلى حدوث تأثير على الكيفية التي يتم بها إدراك الناس والنظر إليهم، والطريقة التي يتم بها إدراك الناس، تؤثر على كيفية التعامل معهم.

بالطبع، قد تختلف مُعاملتك تجاه من تظن أنهم مجموعتك الخاصة مقابل أولئك الذين قد تنظر إليهم على أنهم من المجموعة الخارجية.

هذه الظاهرة النفسية عادةً ما تقوم بالأساس على إسناد بعض الخصائص والصفات السلبية إلى الأشخاص أو المجموعات “الخارجية”، فيُصبح النظر إلى البشر والتعامل بينهم مُندرجًا تحت تصنيفين جامدين، هما “نحن” أو “هم”، في هذه الحالة يكون “هم” ليسوا مثلنا ولا يُشبهوننا.

خلال ظاهرة “الآخر” النفسية، قد لا يُعبر “الاختلاف” عن “الإنسانية المُتفردة” للآخرين، بقدر ما يُعبر عن الصفات السلبية، فيُصبح الآخرون أقل استحقاقاً للكرامة والاحترام. يمكن اعتبار أن ظاهرة “الآخر” النفسية هي نقيض للانتماء. فإذا كان الانتماء يعني قبول مجموعة من الناس والاندماج معهم، فإن ظاهرة “الآخر” تُشير إلى عدم التسامح والاستبعاد.

ظاهرة الآخر قد لا تتعلق بالإعجاب أو كره شخص ما. بل تعتمد بدرجة أكبر على الافتراض الواعي أو اللاواعي بأن مجموعة معينة مُحددة تُشكل تهديداً للمجموعة التي تنتمي إليها، هذا الافتراض قد يتسبب فيه بدرجة كبيرة السياسيين ووسائل الإعلام.

في كتابه “حيونة الإنسان” يرى ممدوح عدوان أنك لا تستطيع ظلم أو قهر أو الاعتداء على شخص آخر، إلا إذا جردته من شيئًا من إنسانيته، لن تستطيع أن تفعل معه هذا إذا كُنت تراه إنساناً كامل الأهلية مثلك تماماً، ماذا كان يدور بذهن الطيار الذي يُلقي قنبلة من شأنها أن تُبيد مكاناً بما فيه من بشر، رُبما يراهم، مُجرد آخرين سيئين لسبب أو لآخر ويُهددون وجوده أو وجود المجموعة التي ينتمي إليها.

السمات التي قد يتم التصنيف على أساسها إلى “نحن” و”هم”

يمكن أن يعتمد التصنيف الذي تتبناه طريقة تفكير “نحن” و “هم” على مجموعة كبيرة من السمات، التي منها:

السن، العرق والجنسية، النوع، اللغة ورُبما اللهجات التي تنتمي إلى اللغة الواحدة، الانتماء السياسي، الدين، لون البشرة، الوضع الاجتماعي والاقتصادي، المستوى التعليمي أو الثقافي.

قد تكون الاختلافات العرقية والدينية هي أحد أبرز الأمثلة التي يتجلى خلالها طريقة تفكير “نحن” و”هم”.

هناك سمات أخرى قد تؤدي إلى تصنيف “نحن” و”هم” رُبما تراها هزلية، لكن على أي حال، الواقع يشهد بوجودها، مثل: الانتماء لفرق رياضية مُختلفة، الانتماء لمهن مُعينة.

في أوائل السبعينيات، اكتشف عالم النفس الاجتماعي البريطاني هنري تاجفيل ظاهرة أطلق عليها اسم “نموذج المجموعة الأدنى”. كانت الفكرة الأساسية وراء هذا المفهوم هي التحقيق في الحد الأدنى من الشروط المطلوبة لحدوث التمييز داخل المجموعات.

بشكل مُثير للدهشة، أظهرت الدراسات أن الناس يميلون إلى تفضيل التحيز الجماعي حتى عندما يتم تصنيفهم على أساس تمييزات لا معنى لها نسبيًا، على سبيل المثال: لون العين، أو أي نوع من اللوحات يعجبهم. يُخبرنا هذا أنه من المُحتمل أن نفصل أنفسنا عن مجموعة معينة من الناس بأي خاصية عشوائية وتعسفية.

علامات ظاهرة الآخر النفسية

هناك بعض العلامات التي تُشير إلى أن شخص ما يتعامل من خلال هذه الظاهرة أو يفكر بطريقة “نحن” و”هم”، من هذه العلامات:

إسناد الصفات السلبية إلى الأشخاص المُختلفين عنك، فمثلاً إذا كُنت رجلاً، فقد ترى أن النساء لا يُفكرون بشكل جيد، إذا كُنت شابًا، فقد ترى أن كبار السن لا يستطيعون التعامل بفعّالية مع المواقف، هذا في إطار الدوائر القريبة منك، قد تكون هذه الظاهرة أكثر صعوبة عند التعامل مع المُختلفين مادياً أو ثقافياً أو تعليمياً أو دينياً.

الاعتقاد بأن الصفات الايجابية تخصك أنت ومجموعتك فحسب، رُبما ترى أنكم أنتم فقط، الأذكياء المُثقفين المُميزين، الذين تُجيدون فهم الأشياء وتقدير الأمور، ومعرفة الصواب والحقيقة والتفريق بحكمة ووعي بينهم وبين الخطأ.

قد تعتقد أن الأشخاص المُختلفين عنك يُشكلون تهديد لك أو لمجموعتك بشكل ما، سواء أكان هذا التهديد على مستوى الوجود من الأساس، أو أنهم يُشكلون تهديداً ثقافياً أو عقائدياً، أو تعتقد أنهم سيؤثرون سلباً على نوعية الحياة التي يمكن أن تحظى بها.

الشعور بعدم الثقة أو الانزعاج من أفراد مجموعة ما، على الرغم من أنك قد لا تعرف أي شخص منهم، ولم تتعامل مع أحد ينتمي إليهم.

كيف يُمكنك التغلب على ظاهرة “الآخر”؟

هناك أشياء يمكنك القيام بها للمساعدة في تقليل سيطرة ظاهرة الآخر النفسية على تعاملاتك، منها:

التركيز على الناس كأفراد:

حاول أن تتذكر أن لكل شخص تاريخه وتجاربه الفريدة التي كونته وكونت ما هو عليه من أفكار ومُعتقدات بالإضافة إلى العواطف والأفكار والدوافع المُعقدة، تذكر أنه مثلك، مثلك تمامًا، يشعر ويتألم، ويضحك ويبكي، وله أشخاص يُحبهم ويُحبونه، وله حياة وآمال وأحلام.

التفكير بهذا الشكل قد يُجنبك تسطيح الناس ووضعهم في قوالب جامدة من التصنيفات الباردة التي قد لا تُعبر عنهم من الأساس.

كن على دراية بتحيزاتك حتى اللاواعي منها:

قد تكون على دراية بتحيزاتك الواعية وتستطيع التعامل معها لأنك تعرفها جيدًا، أنت تُفضل مثلًا التعامل مع حملة درجة علمية مُعينة، أنت واعي لهذا، لذلك قد تكون أقدر على تجنب تسفيه شخص ما أو إهدار حقه أو سلبه جزءًا من إنسانيته، لأنه لا يتفق مع معيارك هذا.

لكن ماذا عن تحيزاتك غير الواعية؟ التحيزات الضمنية هي ارتباطات أو معتقدات غير واعية حول المجموعات الاجتماعية المختلفة. في حين أن هذه التحيزات قد تكون مخفية عن وعيك وإدراكك، إلا أنها قد تلعب دوراً في التأثير على مواقفك الواعية. هنا، يجب التعرّف على هذه التحيزات الخفية لتقليل احتمالية تأثير ظاهرة “الآخر” النفسية.

قدّر أهمية التنوع والاختلاف:

تذكر أن التنوع له فوائد مهمة، تخيل كيف كان سيكون شكل الحياة لو عمل الجميع بمهنة واحدة، أو نال الجميع درجة علمية وثقافية واحدة، أو كان الجميع في نفس التصنيف الاجتماعي والاقتصادي، أو تركز الجميع في بقعة جعرافية واحدة ولم يسكنوا غيرها، رُبما لو كان الأمر هكذا ما كان هناك حياة من الأساس، فالتنوع والاختلاف هو الذي يصنع الحياة، وهو الذي يؤدي الأدوار والمهام المُختلفة التي نحتاجها جميعًا لتسيير حياتنا بشكل طبيعي.

قم بتوسيع دائرتك الاجتماعية:

يميل الناس إلى البحث عن أشخاص آخرين مثلهم، لتكوين صداقات والشعور بالانتماء، لكن قد يكون من المفيد البحث عن صداقات وعلاقات اجتماعية مع أشخاص من خلفيات متنوعة.

تذكر أن إرتقائك بنفسك وتفكيرك وشعورك قد يكون الطريق إليه هو التعلم حول الأشخاص المختلفين عنك وقضاء الوقت معهم. هذا يسمح لك بالنظر خارج نفسك ودائرتك الاجتماعية المباشرة واستكشاف تجارب وأفكار وثقافات ومعتقدات جديدة، يُطوّر هذا تفكيرك ومشاعرك، لأنه يُكسبك التعاطف مع أشخاص، ما كُنت لتتعاطف معهم قبل التعرّف عليهم والاقتراب منهم.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم