الأحد 24 نوفمبر 2024 / 22-جمادى الأولى-1446

هل أنت راض عن حياتك الحالية؟



 

من الأسهل على أي منا الإجابة عن سؤال ما الذي يجعلك سعيدا، عوضا عن ذلك التساؤل المربك، ما السعادة؟، فيمكنك الإجابة بأنك سعيد بحضور من تحب، أو بتقدمك في عملك، أو بمساعدتك أحدهم للخروج من حزنه، أو لارتشاف أول فنجان قهوة صباحا، أو عند رؤيتك لابتسامة طفلك، فهناك الكثير من التجارب التي تجعلك سعيدا، ولكن هل تكمن السعادة في مضاعفة هذه اللحظات؟، ثم لماذا لا يسعد الجميع بهذه التجارب بالضرورة؟، ألا تكون السعادة بذلك ذاتية فقط؟، ثم لماذا نكون سعداء في أحدها دون غيرها، ولماذا لا أشعر بها حين يكون قلبي جزعا أو عقلي مشغولا أو جسدي مريضا؟، هل السعادة في علاقتنا مع الآخرين والأشياء الخارجية؟، أم في حالة السلام الداخلي الذي لا يمكن لشيء أن يزعزعه؟، ولا شك بأنه يمكن لنا أن نكون سعداء دون أن نسأل الكثير من الأسئلة، بأن نسعى بإفراط لما يبعث على اللذة وأن نتجنب ما أمكن ما هو مكدر ومؤلم، لكن التجارب تظهر لنا أن هناك أحيانا أشياء محببة جدا في حينها لكنها تتسبب بتأثيرات سلبية لاحقا، وعلى النقيض من ذلك فهناك تجارب شاقة ومتعبة لكننا ندرك بأنها ستكون مفيدة لاحقا، كبذل مجهود طويل أثناء سنوات الدراسة، أو إجراء عملية طبية، أو قطع العلاقة مع شخص يزعجنا، إذن فليس البحث عن المحبب ورفض المنفر هو دائما بوصلة لا تخطئ لمن يسعى أن يعيش حياة سعيدة، كما أننا نحمل في دواخلنا كوابح عدة تعيق تحقيق آمالنا الأعمق كالمخاوف والشكوك والتكبر والرغبات والدوافع والجهل، بالطريقة نفسها فإننا لا نستطيع التحكم في بعض الأمور التي يمكن لها أن تعيق سعادتنا، كالبيئة الانفعالية أو تلك التي تسود فيها علاقات مؤذية، أو فقد قريب، أو أزمة صحية، أو فشل مهني، وهكذا بينما نأمل أن نكون سعداء بأي وسيلة ندرك أن السعادة شيء دقيق ومعقد ويبدو عشوائيا في العمق، ولهذا السبب يفضل أصحاب التخصص سواء كانوا خبراء علم نفس أو أخصائيين اجتماعيين أم علماء أعصاب التحدث عن منسوب الهناء الذاتي، بتقييم حياة الأشخاص المستطلع رأيهم من خلال مؤشر الرضا، من خلال اللجوء لأبحاث موجهة لضبط المسألة في عموميتها ولمدة محددة عبر الاستفسار عن تقدير الفرد عموما عن حياته، ويمتد السؤال هنا لما وراء الشعور المحسوس في اللحظة المحددة التي يعطي فيها الشخص المستطلع رأيه، فالسعادة ليست لحظة عابرة وإنما هي حالة يجب النظر إليها بشيء من العمومية وعلى امتداد زمن ما، فنحن نقول لأنفسنا بأننا سعداء أو راضون عن وجودنا لأننا وجدنا بعض التوازن بين آمالنا المختلفة أو بعض الاستقرار في مشاعرنا، أو بعض الرضا في الميادين الأكثر أهمية لنا، كالميادين العاطفية أو المهنية أو الاجتماعية أو الروحية أو الصحية، وعلى العكس من ذلك فإننا تعساء أو غير راضين إذا كنا ممزقين بين آمال متناقضة، وإن لم تكن عواطفنا مستقرة، أو كنا مسكونين بشعور حي بالاخفاق الاجتماعي أو العاطفي، ففي مثل هذه العمومية نلمح ما إذا كنا سعداء أو تعساء، عبر مدة معينة نستطيع فيها أن نحكم، بالإضافة لضرورة امتلاك الوعي بالسعادة، فليكون المرء سعيدا عليه أن يكون واعيا بهنائه وبتلك الميزة أو الهبة التي تمثلها لحظات الوجود الجميلة، رغم أن الدراسات النفسية قد أظهرت أننا أكثر وعيا بالأحداث السلبية من الإيجابية التي تصيبنا، حيث يؤكد علم النفس التطوري أنه في صراع البقاء فإن تذكر ومعرفة مكمن الخطر أكثر أهمية من تذكر حدث سعيد، ومن هنا تأتي أهمية امتلاك وعي بالسعادة في لحظة عذبة، لكي نحصل عليها كاملة ونعتني بها أطول وقت ممكن، لأن امتلاك الوعي بحالتنا بالرضا يسهم في زيادة سعادتنا، فحين نتلذذ بهنائنا فإن ذلك يجذر فينا الاحساس بالامتلاء، ونحن نسعد بكوننا سعداء.

__________________

لمى الغلاييني

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم