ربط الله تعالى في كتابه الكريم بين صوم رمضان , والقرآن الكريم , فقال : (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) [البقرة: 185] ، وقال تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) [القدر:1].وقال تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) [الدخان: 3].
وعن واثلة بن الأسقع عن رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : \”أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضت من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشر خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان\”. رواه الطبراني في \”الكبير\” عن واثلة، وأحمد في \”مسنده\”، وابن عساكر، وحسنه الألباني في \”صحيح الجامع\” رقم (1509).
فأهل الصيام هم أهل القرآن الذين مدحهم الله تعالى بقوله : \” إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور \”سورة فاطر، آية 30،29 .
قال رسول صلى الله عليه وسلم : إن لله آهلين قالوا من هم يا رسول الله قال \” أهل القرآن وخاصته\”. ( رواه ابن ماجه وصححه الألباني) .
وقال \” ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده) رواه مسلم).
روضوا على منهج القرآن أنفسكم * * * يمدد لكم ربكم عزا وسلطانا
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يَقُولُ الصِّيَامُ : أَيْ رَبِّ ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ : مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ . قَالَ : فَيُشَفَّعَانِ.أخرجه أحمد 2/174(6626).
وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: \” لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار \” رواه البخاري و مسلم.
عن أبى موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط ) . (حسن) (صحيح الجامع 2199) .
وعن أبى هريرة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يجيء صاحب القرآن يوم القيامة ، فيقول : يا رب حله ، فيلبس تاج الكرامة . ثم يقول : يا رب زده فيلبس حلة الكرامة ، ثم يقول : يا رب ارض عنه ، فيقال اقرأ وارق ويزاد بكل آية حسنة ) .(حسن) (صحيح الجامع8030) .
كان النبي صلى الله عليه و سلم يعرض القرآن في رمضان على جبريل عليه السلام، فكان يدارسه القرآن.
عن عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِى رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِى كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ.
أخرجه أحمد 1/230(2042) و\”البُخَارِي\” 1/4(6) و4/229(3554) .
قال ابن رجب : \” كان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها\”.و كان قتادة يختم القرآن في كل سبع ليال مرة، فإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة \” ( الحلية 2/338و لطائف المعارف ص 191 ).
وكان النخعي يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة ، وفي بقية الشهر في ثلاث\” ( لطائف المعارف ص 191 ).
والشافعي رحمه الله قال عنه ربيع بن سليمان : \”كان محمد بن أدريس الشافعي يختم في شهر رمضان ستين ختمة ، ما منها شيء إلا في صلاة \” قال ابن عبد الحكم : كان مالك إذا دخل رمضان نفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف ، وقال عبد الرزاق: كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على تلاوة القرآن.
قال ابن عبد الحكم: كان مالك إذا دخل رمضان نفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف. قال عبد الرزاق: كان سفيان الثوري: إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن. وكانت عائشة – رضي الله عنها – تقرأ في المصحف أول النهار في شهر رمضان، فإذا طلعت الشمس نامت .
ولقد كان سلفنا الصالح يتخذون من شهر رمضان فرصة لمدارسة القرآن ومعرفة أخلاقه وأحكامه , ولم يقتصر الأمر على التلاوة فقط , كما يفعل كثير من الناس اليوم .
وينبغي ألا يهجر القرآن طوال وقته؛ لأن الله تعالى ذمّ الذين يجهرونه، قال تعالى: ((وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً))(الفرقان:17).
* و من هجران القرآن ألا يكون الإنسان مهتماً به طوال العام إلا قليلاً.
* و من هجرانه كذلك أنه إذا قرأه لم يتدبره، و لم يتعقله.
* و من هجرانه أن القارئ يقرأه لكنه لا يطبقه، و لا يعمل بتعاليمه.
و أما الذين يقرؤون القرآن طوال عامهم، فهم أهل القرآن، الذين هم أهل الله و خاصته.
منع القرآن بوعـــده ووعيــده * * * مـقـل العيون بليلها لا تهجــع
فهمـوا عن الملك العظيـم كلامـه * * * فهماً تذل له الرقــاب وتخضـع
وقال عمرو بن العاص كل آية في القرآن درجة في الحنة ومصباح في بيوتكم وقال أيضا من قرأ القرآن فقد أدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه وقال أبو هريرة إن البيت الذي يتلى فيه القرآن اتسع بأهله وكثر خيره وحضرته الملائكة وخرجت منه الشياطين وإن البيت الذي لا يتلى فيه كتاب الله عز وجل ضاق بأهله وقل خيره وخرجت منه الملائكة وحضرته الشياطين.
طوبى لمن حفظ الكتابَ بصدره * * فبدا وضيئاً كالنجوم تألَّقا
الله أكبر ! يا لها من نعمة * * لما يقال \” اقرأ ! \” فرتل وارتقا
وتمثلَ القرآنَ في أخلاقه * * وفعاله فبه الفؤادُ تعلقا
وتلاه في جنح الدجى متدبِّراً * * والدمعُ من بين الجفون ترَقرَقَا
هذي صفاتُ الحافظين كتابه * * حقاً فكن بصفاتهم متخلِّقَاً
يا حافظ القرآن لست بحافظٍ * * حتى تكون لما حفظتَ مُطبِّقَاً
ماذا يفيدُكَ أن تسمَّى حافظاً * * وكتابُ ربك في الفؤاد تمزَّقَا
يا أمتي القرآنُ حبلُ نجاتنا * * فتمسكي بعراهُ كي لا نغرقا
يقول ابن رجب : ( يا من ضيع عمره في غير الطاعة ، يا من فرط في شهره بل في دهره وأضاعه ، يا من بضاعته التسويف والتفريط وبئست البضاعة يا من جعل خصمه القرآن وشهر رمضان ، كيف ترجو ممن جعلته خصمك الشفاعة ؟).
فعلينا في شهر القرآن أن نحسن التعامل مع القرآن الكريم تلاوة وحفظا وتدبرا وعملا , وأن نشجع أولادنا على حفظه وتلاوته , وأن نجعل من رمضان فرصة لتكريم حفظة القرآن الكريم , وإعطاء الفرصة للأصوات الندية للقراءة في صلاة القيام والتهجد , حتى يصعد القرآن للخالق ويدعوا لنا , فيقول اللهم احفظهم كما حفظوني , وأكرمهم كما أكرموني , وشرفهم كما شرفوني , وشفعني فيهم يوم القيامة .
أَكْـرِمْ بقـومٍ أَكْرَمُـوا القُرآنـا * * * وَهَبُـوا لَـهُ الأرواحَ والأَبْـدَانـا
قومٌ قد اختـارَ الإلـهُ قلوبَهُـمْ * * * لِتَصِيرَ مِنْ غَرْسِ الهُـدى بُسْتَانـا
زُرِعَتْ حُروفُ النورِ بينَ شِفَاهِهِمْ * * * فَتَضَوَّعَتْ مِسْكـاً يَفِيـضُ بَيَانَـا
رَفَعُوا كِتابَ اللهِ فـوقَ رُؤوسِهِـمْ * * * لِيَكُونَ نُوراً في الظـلامِ… فَكَانـا
سُبحانَ مَنْ وَهَبَ الأُجورَ لأهْلِهَـا * * * وَهَدى القُلُوبَ وَعَلَّـمَ الإنسانـا
يَا رَبِّ أَكْرِمْ مَـنْ يَعيـشُ حَيَاتَـهُ * * * لِكِتَابِـكَ الوَضَّـاءِ لا يَتَـوَانـى
واجْعِلْ كِتَابَـكَ بَيْنَنَـا نُـوراً لنـ* * * أَصْلِحْ بِهِ مَـا سَـاءَ مِـنْ دُنْيَانـا
اللهم اجعلنا من أهل القرآن وخاصته , وتقبل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال .
_________________
د. بدر عبد الحميد هميسه