ما هو الحب ؟ جاء تعريف الحب في معجم “وبستر ” الشهير ـ بأنه عاطفة وجدانية تنبع من العقل ويثيرها هناك جمال وتقدير من أي نوع كان. وعرفته الدكتورة صهباء محمد بندق ــ في كتابها الرائع الذي بعنوان ” الحب كيف نفهمه وكيف نمارسه” ـ بأن الحب, تجربة شعورية بالغة السمو حيث يربط نشوء الشعور بالحب بمشاعر الانغماس في عالم آمن ودافئ ومشبع تماماً بالسعادة ومنتهى السرور… ثم تواصل الكاتبة وتقول ـ الحب ظاهرة إنسانية عظيمة متأصلة في النفوس الإنسانية, فكلمة ” الحب ” من أعظم الكلمات التي تسمعها الأذن وبشعر بها القلب. ويقول الشيخ علي الطنطاوي ـ رحمة الله عليه ـ ” ليس في الناس من لم يعرف الحب… وليس فيهم من عرف ما هو الحب؟ “.
وهكذا يصوغ كل إنسان تعريف الحب وفقاً للمرحلة العمرية التي يمر بها, وبالطريقة التي تعلم بها الحب, وبالكيفية التي عرف بها. لذلك هناك الكثير والكثير من تعريفات الحب , وكلها صحيحة. وصاغ الشيخ الأديب الدكتور عائض القرني تعريفاً الحب في كتابه القيم ( ضحايا الحب ), يقول فيه: ” لا أعلم كلمة في قاموس العربية تعبر عن الحب مثل كلمة ( الحب ) ، فليس هناك أصدق من ( الحاء والباء ) في دلالتهما على هذا المقصود العظيم ، فالحاء تفتح الفم فيبقي فارغا حتى تأتي الباء فيضم الفم وتطبق الشفتان ، إذا هنا اجتماع بعد فرقة وبعد هجر !. “
وباختصار الحب تجربة حية, ومن ذاق الحب عرف! ومن عرف اغترف.. أما الذين لا يعرفون الحب فإنهم بعيدون عن عالم الأحياء وإن ظهرت شخوصهم… يقول ابن القيم ـ معاني الحب لا تُعلمُ حقيقتها إلا بذوقها ووجودها, وفرق الذوق والوجود.. وبين التصور والعلم.. فالحدود والرسوم التي قيلت في المحبة صحيحة غير وافية بحقيقتها… بل هي إشارات وعلامات وتنبيهات.! وبين الشيخ الأديب ـ الدكتور عائض القرني ــ في بيان حقيقة الحب, بأنه: وفقه الله ــ الحب ماء الحياة ،وغذاء الروح ، وقوت النفس. فالناقة تعكف على حوارها بالحب ، ويرضع الطفل ثدي أمه بالحب وتبني الحمرة عشها بالحب ، بالحب تشرق الوجوه ، وتبتسم الشفاه ، وتتألق العيون.
لماذا الحب ؟ يقول الأديب الكبير والشيخ الجليل ـ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى: ” لولا الحب لما حنا الجبل على الجبل فولد الوادي! ولولا الحب لما بكت السماء على جدب الأرض فنزل الماء…. ولولا الحب لما كانت الحياة! “. لقد سما الإسلام بهذه العاطفة الإنسانية أعلى المقامات, فالإسلام يعكس فهماً خاصاً وتميزاً لعاطفة الحب.! حيث يتكون نظام المحبوبية في الإسلام من مجموعة من الدوائر تتسع وتتداخل… دائرة حب الإنسان لنفسه ـ ففي الحديث الشريف ( وإن لجسدك عليك حق ) , وتتسع الدائرة لتشمل حبه لأسرته ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) , وتتسع دائرة الحب لتشمل أفراد المجتمع ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ) وفي موضع آخر ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه ). بل قد يرتقي إلى حب القيم والمبادئ والأخلاق, وقد تسمو به إلى حب الله سبحانه وتعالى ـ قال الله العظيم: { يحبهم ويحبونه } ]سورة المائدة : 54[
لقد جاء ذكر كلمة ” الحب ” مشتقاتها في القرآن الكريم في أربعٍ وثمانين موضع, وكذلك ورد لفظ ” الحب ” في سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم في كثير من المواقف؛ بل أن حياته صلى الله عليه وسلم كلها حب. { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } ]سورة التوبة : آية 128[. فالمتتبع لسيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم ـ يجد العجب العجاب!, ففي سيرته العطرة صلى الله عليه وسلم, الأنموذج الفريد الذي يُحتذى في التعامل مع هذه المشاعر الإنسانية الراقية! فقد كان صلى الله عليه وسلم في حبه مضرباً للأمثال, حيث منح بقلبه الطاهر النقي, الذي صاغه الله بالإيمان والطهر والعفاف, أعلى مقامات الحب وأصدقها لأهله وأصحابه, بل تعدى ذلك ليصل لكل من حوله من حيوان وجماد! { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }]سورة الأنبياء : آية 107[ وفي الحديث ( إنما أنا الرحمة المهداة ).
فلم يصدر عنه صلى الله عليه وسلم في سيرته لأبنائه وأحفاده إلا الحب والرحمة والمودة والبر التي غمرت قلبه لتكون درساً للآباء والمربون. وأما سيرته صلى الله عليه وسلم مع أزواجه, فهي النبراس والمثل والأسوة الحسنة للرجال في كل زمان ومكان, في حسن معاشرة بالمعروف, والقسمة بينهن بالعدل بالمبيت والنفقة والتكريم, وفي احتمال غضبهن, بل كان صلى الله عليه وسلم يزورهن للوعظ والتعليم والمؤانسة, وكان يخدم في بيته ويقضي حوائجه بيده. صلى الله عليه وسلم ما ذكره الذاكرون, و صلى الله عليه وسلم ما غفل عن ذكره الغافلون..
___________________
فؤاد الحمد