وإذا جئت تحلل هذا المشهد المتكرر تجده باختصار : قلبًا محبًا ، مرهف الحس ، أقدم على حياته الزوجية بكل آمال السعادة ، ويحمل معه حقيبة من الطباع ، ثم يجد نفسه مع شريكه المحبوب ، فيجده إنسانًا مثله ، لا أشك أنه جاء به مثل الذي أتى به ، غير أن أي اجتماع بشري يولد الاختلاف في الرأي ، الذي يجب أن لا يفسد للود قضية ، و الاختلاف الزوجي من أسمى هذه الاجتماعات وأنقاها ، لأنه قائم على أساس المودة والرحمة والسكن ، قال سبحانه : { وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [ الروم : (21.)
فإذا كان لابد من الاختلاف في الرأي ، مع بقاء أساس المودة والرحمة والسكن ، فلماذا يثقل الزوجان كاهليهما بهمومهما ، التي يستطيع كل واحد منهما أن ينفك عنها ، ويتخلص من قيودها الثقيلة :
فإن كانت زلة الآخر خفيفة ، أو وقعت من غير قصد ، أو جاءت بحسن نية ، أو أنها مقصودة ولكنها المرة الأولى ، فعليه أن لا يفسح لهذه الزلة مكانًا في قلبه ، بل يتغافل عنها ، ويُشعِرُ صاحب الزلة أنه ما انتبه لها ، وهنا يقضى على المشكلة في مهدها دون أن تنال من فكره أو وقته ، وحتمًا سيُكبِر المخطئ هذه العظمة في صاحبه !!
وأما إن كانت الزلة كبيرة عليه ، أو وجد صاحبه مستمرًا في استفزازه بما يكره ، أو رآه مقصرًا في أكثر حقوقه ، فإن الموضوع لا يتجاوز جلسة تكون خارج نطاق المنزل ، في جو هادئ ، مفعم بالحب والتفاؤل ، ثم يبدأ صاحب الهم من زوج أو زوجة يبث لصاحبه شجنه وحزنه ، كما لو لم يكن من يحدثه هو من أشجاه وأحزنه ، مبينًا له فرط حبه له ، وتعلق فؤاده به ، غير أنه ضايقه منه كذا .. وكذا ، من غير تشقيق للمشكلة ، ولا الدخول في عميق تاريخها وتبعاتها ، بل يحصرها في نقطة صغيرة ، حتى لا يأخذ الحديث فيها كل وقت الجلسة الجميلة ، وجميل أن يعطي صاحبه فرصة للحديث ، وأن يقبل منه عذره من غير إذلال ولا استكبار ، وأن يفكر الزوجان في ختام حميم للجلسة قبل البدء فيها ، ليعودا كأوراق الورد المتآلفة يلف بعضها بعضا ، لا يظهر جمال إحداها إلا بالأخرى .
أما التراكمات النفسية ، فإنها لا تورث إلا السقم في البدن ، والشرود في التفكير ، ومزيدًا من الفرقة والاختلاف ، وسقيًا لجذور المشكلة وتعميقًا لها ، وإنها لتهدم في بناء الحب ، وتشوه سموقه ، حتى لتغدو كالبركان الثائر .. لا يدرى متى سينفجر .. فلتحذرا هذه التراكمات !!