بقلم د.جاسم المطوع
قال: أريد أن أبوح لك ما في نفسي، قلت له: تفضل، قال: على الرغم من نجاحي في الحياة لكني أشعر أني غير سعيد، قلت: وماذا تقصد بنجاحك بالحياة؟ قال: أنا كنت متميزا في تعليمي وناجحا في وظيفتي ولكن لا أشعر بالسعادة في داخلي، قلت: إن السعادة لا تأتيك من السماء ولا هي وراثية، ولكن تحتاج لتكون سعيدا أن تفهم أمرين.. الأول: كيف تتعامل مع ذاتك، والثاني: كيف تتعامل مع واقعك وحياتك، قال: أعتقد أني ناجح في الثاني ولكن ماذا تقصد بالتعامل مع ذاتي؟
قلت: أيهما أكثر سعادة بنظرك عندما تسعى لتحقيق هدفك أم عندما تعيش لحظة الإنجاز؟ قال: أعتقد الاثنان معا، قلت: ولكن نسبة شعورك لحظة الإنجاز أكثر سعادة، قال: نعم صحيح، قلت: انظر للطفل كيف يكون سعيدا عندما يحصل على اللعبة التي كان يتمناها بينما عندما كان يحلم بها كان أقل سعادة، فسكت متأملا.
قلت: أنت تعتقد بحصولك على المال ونجاحك في عملك أنك تكون سعيدا وهذا فهم غير صحيح، قال: ولكن كل من حولي من الأصدقاء والترويج الإعلامي يظهر لنا بأن السعادة في السفر والأكل والمال والترفيه وهكذا، قلت: إن ما ذكرته لا يلغي مفهوم السعادة ولكن هذه ليست كل السعادة؛ لأن كل الأمثلة التي ضربتها تتكلم عن الواقع، فأين الأمثلة التي تتكلم عن سعادة ذاتك؟ فسكت.
قلت: نعم فالمال يراه المحتاج سببا للسعادة ويراه الغني زيادة في الرصيد، ولكنه يحقق سعادة لحظية، فهو ليس علاجا لكل شيء، وكذلك عندما تستمتع بالطعام أو برحلة ترفيهية فهذه سعادة لحظية، وللرافعي كلمة جميلة يقول فيها (ليس المسافر من انتقل من بلد لآخر وإنما المسافر من انتقل من هم لآخر)، وقد جلست مع أكثر من مليونير في الحياة وسمعت منهم اعترافات في لحظات الهدوء والصفاء، وكان ملخص ما قالوه: إنه بعد كل هذا العمر في جمع المال اكتشفوا أن السعادة ليست منحصرة بالمال، حتى قال لي أحدهم كانت سعادتي غامرة عندما كسبت أول مليون، ولكني لم أشعر بالسعادة في الملايين التي بعدها، ولكني اكتشفت أن السعادة في العلاقات الاجتماعية الصادقة والأخلاق العالية والسمعة الطيبة، وبالجلوس مع الأهل والأولاد، فالسعادة هي شعور داخلي وحالة ذهنية ليس لها علاقة بالعملات الذهبية ولا بالأرصدة المصرفية.
قال: إن كلامك عميق، وقد وضحت لي ما خفي علي من إسعاد ذاتي قبل أن يكون واقعي سبب سعادتي، قلت: وهناك لفتة تربوية مهمة وهي أننا لا نستطيع أن ننكر أن الدين والتربية الوالدية سبب في تحقيق السعادة، فالتربية الإيجابية تجعلك سعيدا كما أن الإيمان يجعلك دائم السعادة ويجعلك تنظر لواقعك ولذاتك نظرة إيجابية متفائلة، كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم “عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له”.
فإذا أردت أن تكون سعيدا، صادق السعداء وصاحب المتفائلين، وإذا شعرت بسلبية أو حزن أحيانا فهذه المشاعر من سنة الحياة، فقاوم مشاعرك حتى ترجع لإيجابيتك، واستعذ من الشيطان الرجيم لأنه من أهدافه أن يجعلك حزينا كما قال تعالى “إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا….”، فسعادتك تتحقق بإيمانك وحسن التعامل مع وساوس شيطانك، فالسعادة لا تنسخ بالليزر ولا تصور بالكاميرا ولا يوجد مقاس واحد للسعادة.