الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 / 24-جمادى الأولى-1446

باب النجار



 باب النجار

 

ألقيت عليها التحية مرحبا بها شاكرا لها اختيارها الهاتف الاستشاري لعرض مشكلتها , وما كدت أبدأ في عرض سياسة المركز في تلقي الاستشارات ومواعيد الدوام وكيفية المتابعة حتى قاطعتني قائلة : أرجوك .. هذه مشكلتي وأنا أعرف حلها جيدا أريدك فقط أن تصغي إلي وتنقل مشكلتي لمن حولك لعلها تصل إلى من يهمه الأمر وتعنيه مشكلتي فيبادر بحلها .

أخي الكريم أنا امرأة في منتصف الثلاثين من عمري مثقفة وواعية قرأت الكثير عن الحياة الزوجية وخصوصا عبر موقع ( المستشار ) الذي لا يكاد يفارق مفضلتي فهو خير معين لي بعد الله في تربية أبنائي والتعامل مع زوجي .

لست كاملة فالكمال لله وحده لكني أزعم أني قريبة من الكمال في الكثير من شؤون الحياة وبالأخص حياتي الزوجية .

غير أن مشكلتي تكمن في زوجي , زوجي الذي أحببته من كل قبلي رغم قساوته علي .

زوجي ـ يا مستشاري الفاضل ـ هو زميل مهنتك مستشار ناجح ومصلح رائع ومتحدث بارع, عذب اللفظ سلس الأفكار, حريص على نفسه ومطور لذاته ,أحب فيه كرمه وسخاءه المادي معي, كل من حولي يغبطني على أن ظفرت به وكان من نصيبي .

هذا هو الجانب المشرق الذي يراه الناس في حياتي مع زوجي , لكن مالا يعرفه الآخرون عن زوجي لعلي ألخصه في المثل العامي المشهور ( باب النجار مخلع).

زوجي يعلم تماما أن أهم حاجاتي كأنثى أطلبها من الرجل ( الاهتمام ) لكنه يعاملني بإهمال كبير جدا .

زوجي ـ يا سيدي ـ لا يريد أن يتحمل أدنى مسؤولية تجاه البيت والأبناء , كم ينقصنا الكثير من الأدوات وما زال يسوف في إحضارها .أجهزة البيت الضرورية البعض منها تالف أو معطوب وما زال يسوف في جلب من يصلحها , ابني الأوسط السوس ينخر أسنانه وما زال يسوف في عرضه على طبيب وكلماته المشهورة التي يرددها في هذا المقام ( بعدين ـ مو فاضي ـ مشغول الآن ـ تصرفي ).

زوجي ـ يا مستشاري الفاضل ـ يكره الحوار معي سياسته المعروفة أنا أقول وأنت تنفذين بلا نفاش , دائما يميل إلى تحميلي مسؤولية كل خطأ يقع في البيت ,فأنا السبب في تخلف الأبناء دراسيا ,وأنا السبب فيما يقع بينهم من شجار , وأنا السبب في تلف الأجهزة , وأنا السبب في مشكلاته مع أهله ,وهكذا ينتهي كل حوار معه بمجموعة من التهم والنقد اللاذع .

كما أود أن أذكر أن زوجي لديه قاموس خاص لا يفتحه ألا في البيت مليء بكلمات الإحباط والتحطيم سئمت من كثرة سماع مفرداته (غبية ـ حمقاء ـ لا تفهمين ـ متخلفة ) هذا ما يردده على وأنا الجامعية المثقفة .

ولعلك تستغرب لو قلت لك أن كلمات الحب والغزل التي تحبها كل أنثى تكاد تكون معدومة في بيتي ,لا أسمعها من زوجي إلا أذا كانت لديه استشارة فأسمعه يعلم المتصلين من الرجال كيف يتفننون في التغزل في زوجاتهم , أما أنا فلعلي لا أستحق منه هذه الكلمات لذلك حرمني منها .

واسمح لي الآن أن أعرض عليك برنامجه اليومي حيث يستيقظ في الصباح الباكر للذهاب لعمله ويعود منه في منتصف الظهيرة يتغدى ثم ينام وعليه أن يذهب لعمله المسائي في تمام الساعة الرابعة والنصف عصرا ثم يخرج منه عند التاسعة تقريبا يقضي بعض أشغاله ويزور أهله ثم يعود للبيت منهك البدن خائر القوى لا أستطيع محادثته في شيء فأشفق عليه وأدعه يخلد لنوم عميق, أما إجازة نهاية الأسبوع فيقضي أغلبها مع أصحابه وقد خصص لنا يوم الجمعة ـ مشكورا ـ يقضيه معنا لكنه لا ينفك من النظر في جواله ومتابعة بعض أعماله, وعندما نخرج سويا مع الأبناء فهو كثير التذمر تغضبه تصرفاتهم العفوية وغالبا ما تُختم طلعتنا بغضبه ووعده ووعيده .

وأخيرا كم أتمنى أن تصل رسالتي هذه إلى زوجي من شخص غيري لعله يقتنع بمعاناتي فيرق لي وينظر إلي نظرة حب لا شفقة يشعرني فيها بأني شريكة حياته لا مربية أطفال وأني رقم واحد في حياته وفي مقدمة قائمة اهتماماته .

وإلى زوجي الحبيب أقول :

يا أعدل الناس إلا في معاملتي *** فيك الخصام وأنت الخصم والحكم.

أشكرك أخي المستشار على حسن إنصاتك واستماعك قفد أخذت من وقتك الكثير .

إلى هنا انتهت المكالمة وفي الحقيقة ليس لدي أي تعليق على ما جاء فيها لأنها نقلت واقعا قد يعيشه أو يعيش جزءا منه البعض منا ,فإلى إخواني المستشارين رسالتي إليكم بيت شعر تغنى به الإمام الغزالي كثيرا وقد غير به حياته :

فيا حجر الشحذ حتى متى *** تسن الحديد ولا تقطع

____________________

أ . عبد المنعم بن عبد العزيز محمد الخوفي.

 

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم