الجمعة 20 سبتمبر 2024 / 17-ربيع الأول-1446

الطلاق العاطفي.



أ.د. قاسم حسين صالح.

ما بين الحب واللاحب في الحياة الزوجية كالذي بين الجنة والنار. في الحب يستمتع الزوجان بالحياة ، وأقسى ما في اللاحب أن يعيشا حالة من الطلاق العاطفي ، ونعني به : الانفصال الوجداني والقطيعة النفسية بين الزوجين . لا توافق بينهما ، لا قواسم مشتركة في العلاقات والتصرف وتربية الأبناء .. متناقضان في الطباع والذوق والميول والثقافة .. متشنجان .. متنافران .. لا يطيق أحدهما الأخر .. ثقيلان كما لو كان احدهما جبلا على الآخر .. الهدوء بينهما هدنه.. والعنف النفسي واللفظي والجسدي هو الغالب بينهما إذا التقيا.. ومع ذلك يعيشان سويا بين جدران أربعة دون أن يصلا إلى الطلاق الفعلي..

ربما الخوف على الأطفال ، أو الإحساس بالإحراج من الناس ، أو شماتة الأعداء ، أو الحاجة الاقتصادية.. فيستمران مضطرين ، بعلاقة شكلية يعيشان جحيم الطلاق العاطفي الذي يقصّر العمر بعيش مرّ. والطلاق النفسي نوعان : اما أن يكون كلا الزوجين مدركين لما بينهما من قطيعة ، واما أن يكون أحدهما – المرآة في الغالب – بعيدا نفسيا عن الآخر ، وغير راض عن حياته العاطفية .. ولكنه يظل متكتما على مشاعره ، خافيا ضيقه ، مجبرا نفسه على تجرّع المرّ تفاديا لطلاق فعلي . وسواء كان الطلاق العاطفي يأخذ شكل الحرب الباردة أو الساخنة بين الزوجين ، فأن ما فيه من جفاء وصمت و ” هجر في المضاجع ” أو الشجار والخصام لأتفه الأسباب ، يؤدي في حالات إلى الهروب من المنزل ، أو الإهمال وعدم تحمل المسؤولية ، أو التعود على الإهانة المتبادلة، أو تنامي الشعور بالكراهية إلى حدّ الرغبة في الانتقام ، أو تعاطي المشروبات ، أو الخيانة التي هي أقبحها . ما ألاحظه أن الطلاق النفسي يكاد يكون ظاهرة في العلاقات الزوجية . وان المسكوت عنه أكثر من المعلن ، كما لو أن التقاليد والقيم تقول لنا : مع أن الطلاقين النفسي والشرعي كلاهما مكروهان ، فإن الطلاق النفسي أهون الشرين..

فيما نرى أن الطلاق النفسي يكون في حالات أكثر شرّا من الطلاق الفعلي ، لأن الأبناء فيه يعيشون كما لو كانوا في ارض مزروعة بالألغام ، الخوف ، توقع الشر ، كره الحياة ، التشاؤم ، العدائية ، الانطوائية ، تدمير الذات ، وصولا إلى الشيزوفرينيا ومحاولات الانتحار . طبيعي اننا لا ندعو إلى تشجيع الطلاق الفعلي ، ولكننا نهدف إلى تبيان أمرين : أن الطلاق النفسي جحيم على الزوجين ، ومدمّر لشخصيات الأبناء ، وأكثر شرّا” من الطلاق الفعلي كما أوضحنا . والثاني : أن الطلاق النفسي بين الزوجين يمكن فسخه ، بأن تبدأ خطوته الأولى بافتراض حسن النية في الآخر وفتح العين على ايجابياته ، وتجميد مشاعر الكراهية ، والرغبة الصادقة في التسامح، ثم الحوار والمكاشفة بشفافية الذي يبدأ بتثمين الآخر ، وإدراك الطرفين انهما كانا يغمضان أعينهما عما في الآخر من ايجابيات ، ويضخمان ما فيه من سلبيات، وان عليهما من الآن أن يقلبا هذه المعادلة .. فأن لم ينجحا في جلسة الحوار الأول ، عليهما تكرار المحاولة .. فإن فشلا فعليهما مراجعة استشاري نفسي بارع في جعل خطوط حياة الزوجين تتلاقى .. فإن عجزا فعندها يكون الطلاق الفعلي أرحم.. لكنه لن يكون،لأن العراقيات ما أن تنجب أول طفل فأنها تلف في القماط عواطفها.. وشاطرتهن التي تفكّه مساء ليلة الخميس!

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم