د. فاطمة الهويش
ارتفاع ضغط الدم من أكثر الأمراض الشائعة في وقتنا الحالي ، ويتمثل هذا المرض في ارتفاع ضغط الدم داخل الشرايين أكثر من معدله الطبيعي .
وينقسم مرض ارتفاع ضغط الدم إلى أنواع عديدة وأهمها : ما يعرف بضغط الدم الثانوي والذي يكون مصاحباً لبعض الأمراض مثل أمراض الكلى أو الأمراض القلبية الوعائية أو بعض الاضطرابات المتعلقة بالغدد الصماء أو أورام المخ أو تسمم القلب ، أو غير ذلك من الأسباب العضوية المعروفة لارتفاع ضغط الدم ، والتي ترجع إلى عوامل عضوية وتتطلب العلاج الطبي ، ويمثل هذا النوع حوالي (10%) من حالات الإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم . ويقابله مرض ارتفاع ضغط الدم الأولي ، والذي ليس له أسباب عضوية معروفة ، ويمثل هذا النوع حوالي (90%) من حالات الإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم . ولكن من المؤكد أن هناك عوامل نفسية انفعالية واجتماعية وحضارية ( كالحروب و الكثافة السكانية والهجرة من المناطق الريفية والنائية إلى المناطق الحضرية والأكثر ازدحاماً والفقر وضغوط العمل والبدانة والتغذية والتدخين والعنف والخلافات الأسرية وغيرها ) .
ولتوضيح رد الفعل القلبي الوعائي للضغوط النفسية ، نذكر تلك التجربة الشهيرة التي أجريت في روسيا على قرد عزيز في قومه ذي سلطة ونفوذ بينهما ، عزلوه وتركوه يشاهد أقرانه يسرحون ويمرحون ومنهم من يتقرب إلى أنثاه المفضلة ، فما كان منه إلا أن ثار وغضب وارتفع ضغط الدم لديه وتفاقمت حالته وازدادت سوءً ثم مـات على أثر أزمة قلبية . فمن المؤكد أن الانفعالات تؤدي إلى إفراز كميات كبيرة من الأدرينالين الذي يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم ، ولكن من المفترض أن يعود ضغط الدم إلى حالته الطبيعية بعد زوال المؤثر ، إلا أن تكرار النوبة الانفعالية يؤدي إلى استمرار الضغط مرتفعاً حتى بعد زوال الانفعالات . كما أن استمرار الارتفاع في مستوى ضغط الدم بفعل الحالة الانفعالية السيئة ، قد يؤدي إلى تغيرات كلوية وقلبية وعائية ثانوية ، وهذه بدورها تؤدي إلى المزيد من حدة ارتفاع ضغط الدم وخطورته .
وهكذا فأن الحالة العضوية للفرد تؤثر في حالته النفسية ، وهذه الأخيرة ترتد مرة أخرى لتعمل على تفاقم الحالة العضوية للفرد وتؤثر مرة أخرى على حالته النفسية . وهكذا يسير تطور المرض في صورة نفسية – جسمية – نفسية ، أي في شكل دائرة يصعب تحديد بدايتها أو عزل العوامل المتفاعلة داخلها .