الأحد 24 نوفمبر 2024 / 22-جمادى الأولى-1446

ولا ترهقني من أمري عسرا



 

نجلاء بنت فتحي

إن البعض لا يفقهُ سوى إرهاق الناس بالنصائح وقت الحاجة، أو وقت وقوع الأزمات، وقد لا يُفكِّر في الحل أصلًا، وكأن دَيْدَنَه التأنيبُ وفقط: (ألم أقل لك؟! كنتُ أتوقع هذا! كيف فعلتَ؟! هأنت قد وقعتَ في المحذور!)، وما إلى هذا من كلام التثبيط والإحباط غير المُجْدي إطلاقًا.

وقد يُذكِّرنا هذا بالابن الذي أكل الحلوى المحظورة، فحينما أحسَّ بالوجع والألم يعتصر جسده الصغير العليل، جرى إلى أمِّه كي يرتشف منها الحنانَ والمعونة على ما أصابه، فما كان من الأم “غيرِ الفقيهة” إلا أن بدأت بالتأنيب وإرهاق الابن بما لا يتحمله لا وضعُه الذي سار فيه، ولا عقله الذي قد لا يحتمل المزيد من الألم النفسي: (ألم أقل لك: لا تفعل؟! هذا نتاج عدم سماعك لنصحي! أرأيت كيف وصل بك الحال؟ ثم تعود وتقول: أغيثيني أمي، فماذا أفعل لك؟! أما كان يجدر بك أن تسمع لقولي؟! أرأيت مَن يتحمل عبء أخطائك؟!)، وما إلى هذا من الكلام الذي ييئس الابنَ المسكين من حاله، فيكرَهُ ما أصابه، ويكره ما أحوجه لها، بل قد يكرهها هي أيضًا ويكره فعلها معه.

لكن، لا أظنه أبدًا سيَكْره الحلوى، رغم أنها السبب الأصلي على ما يبدو لما هو عليه من ألم.

لهذا كان الأحرى بالأم أن تحتضن ابنها بين ذراعيها، وتداويه ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا، وتُخفِّف عنه ما يجد، وتبذل كل ما في وُسْعها من أجل تفريج كربه الذي ألمَّ به، وحينما يتعافى، وتمتد يدُه مرة أخرى إلى ما كان سببًا في إعيائه، هنا عليها أن تنصح، وأن توصي وصية مُشفِق، وقتها يكون الابن كله آذان مصغية لصاحبةِ الفضل الجميل، ويعي ما تقول تمامًا، فقد رأى بأمِّ عينه مَن يهتم لأمره، ومَن يُشفِق عليه، فحُقَّ لها وقتها أن تُطاع إذا أمَرت، أو يسمع لها إذا تحدَّثتْ.

لكن الكثير – ولا حول ولا قوة إلا بالله – لا يفقَهُ سوى التأنيب والترهيب، والمشقة على عباد الله، حتى وإن حاول المساعدة بعد ذلك، فقد يكون كسَرَ في نَفْس المروَّع المصاب ما يصعُب إصلاحُه حتى بعد انكشاف الكرب والغمَّة، ولسان حال المبتلَى: عامِلْني بالعفو واليسر، ولا ترهقني من أمري عُسْرًا، عافانا الله وإياكم من هذه العقول المُهلِكة، فـ((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليَقُلْ خيرًا أو ليصمتْ))، وليتَه يفعل ليريح ويستريح من إرهاق العباد، وتحميلهم ما لا يطيقون؛ فكفى ما يعانون، فلا ترهقوا الناس، (والراحمون يرحمهم الله)، ألا ليت قومي يفقهون.

دمتُم في عزٍّ وطاعة، وعافانا الله وإياكم من شرِّ البضاعة

 

 

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم