الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 / 24-جمادى الأولى-1446

الخادمة والتماسك الأسري



 

في الماضي كان أجدادنا يعتمدون في قوت يومهم على العمل والاجتهاد للحصول على أجر بسيط لنشر السعادة في بيوتهم وحتى تستمر معيشتهم في منازل ميسورة الحال وبسيطة.

وبعد التطور العمراني العظيم والنهضة المباركة في أوطاننا أصبح الجميع يتسابقون لنيل سبل الرخاء والراحة وامتلاك أجمل المركبات وتصميم أحدث البيوت بالتصاميم الحديثة، ولأن ما يميز حياتنا الاجتماعية عن غيرنا بأننا مجتمعات متماسكة ومترابطة يسود الاحترام والتفاهم بين أفرادها، وهي مكونات أساسية للمجتمع، ولكن ما شد انتباهي وأثارني في الفترة الأخيرة، “ظاهرة الخادمة ” التي لا يكاد يخلو منها منزل، ولكنها للأسف في وقتنا الحالي أصبحت عادة ومظهرا اجتماعيا تتفاخر به بعض الأسر، فأصبح سكان المنزل الواحد يفتقدون للتعاون وبدأ انعدام التواصل الأسري بالأسرة الواحدة وسادت الذاتية على الأفراد في الأسرة الواحدة، وصار وجود العمالة يؤثر على التماسك الأسرى من عدة أسباب أهمها:

الخصوصية:

فالمنزل الذي تعيش به الأسرة هو الحضن الذي يضمهم ويوفر لهم الأمان، ولما له من خصوصية بالمأكل والملبس والنوم، إلا أن وجود شخص غريب بعادات وديانات مختلفة داخل المنزل فهو أمر لا ترتاح له النفس مهما كانت إيجابيات ذلك الشخص، فلا يستطيع سكان المنزل أخذ حريتهم بالملبس والنوم والتصرفات والحديث أيضا، وعلى الرغم من وجود الزوجة والبنات بالمنزل إلا أن الخادمة هي من تقوم بالطبخ وإعداد الطعام وتجهيز المائدة ودعوة الأفراد لتناول الطعام والاجتماع على المائدة، وهي من ترتب ملابس الزوج والأبناء وتدخل إلى غرفهم وترتبها بذوقها وطريقتها الخاصة، وتفتح خزائنهم وأدراجهم وتشاهد محتوياتها، والعاملة هي التي توقظ الأولاد وتجهزهم للمدرسة، ووجودها بين سكان البيت الواحد ليس آمنا كما يخيل لهم، فهي يمكنها أن تنقل الأسرار والخصوصية التي تراقبها بين أفراد الأسرة الواحدة، ويمكن أن تثير الفتن بينهم، وتكشف الأمور المستورة وتختلق المشاكل.

الاتكالية:

عند انعدام التعاون بين أفراد البيت الواحد والذي يخلق جوا من الود والتفاهم بينهم، وبدونه يسود الأسرة الانعزال والانطواء، فالتعاون يخلق نوعا من الانتماء بين أفراد المنزل الواحد، ولكننا للأسف صرنا نشاهد الاتكالية بكل التفاصيل على العاملة حتى في تربية الأبناء فصارت في بعض البيوت (أما بديلة)، علما أن ذلك له تأثيرات كثيرة وسلبية فيتأثر الأطفال بالخلفية الاجتماعية للخادمة، وبثقافتها ومعتقداتها، وشخصية الطفل مستقبلا ستكون غير مكتملة، ولا يمكنه مواجهة التحديات المختلفة لفقدانه الكثير من الأسس التربوية التي يغرسها الوالدان في نفسه، ووجود العاملة يؤثر كثيرا على الأطفال لأنهم يعتمدون عليها ويصبحون شخصيات “اتكالية” تعاني من قلة الحركة والبدانة، والتغذية غير السليمة، فهم يكسبون ثقافة العاملة بكل شيء حتى الغذاء، ولا ينجزون أعمالهم البسيطة كحمل الحقيبة المدرسية وترتيب الكتب الدراسية أو ترتيب غرفهم وألعابهم، ويعتمدون عليها في كل ذلك، وغيرها الكثير من المظاهر السلبية التي نراها تفشت بالمجتمع، ولذلك للعاملة  تأثير كبير في اكتساب الطفل المهارات المختلفة، فالبيت والأسرة هما المدرسة الأولى التي ينطلق منها أطفالنا للعالم وليس ثقافة الخادمة، فهي من بيئة وديانة مختلفة لا يمكنها مواكبة أفكارنا ومجتمعاتنا، فما ذنب أطفالنا؟ فهم الشريحة الأكبر التي تحتك بالعاملة وتتأثر بها.

التفاخر:

ففي الكثير من بيوتنا الهادئة صار عدد العاملات يفوق عدد سكان المنزل الواحد، ليس للعمل فقط بل للتفاخر أمام الآخرين بأننا نملك هذا العدد من العاملات، وأنهن صورة لمظاهر الرخاء، فكلما زاد عدد العاملات دل ذلك على ازدياد الرخاء، وصار من العيب عدم وجود خادمة أو أكثر بالمنزل، وبعض الأسر تتصور بأن غيابها يعني نهاية العالم، لأنها المسؤولة عن كل شيء، ولا تقبل الأسر بوقتنا التوعية بهذا الأمر وتتجاهله، فالأسر تختار العاملة وفق الصورة بالملف الوظيفي دون الالتفات إلى نفسيتها وطريقة حياتها، والبيئة التي تعيش فيها، ويكون بالمنزل أكثر من عاملة بجنسيات وديانات مختلفة.

الأسرة هي الأساس في بناء المجتمعات وتماسكها يخلق أفرادا منتجين بشخصيات سوية قادرة على بناء المستقبل ومواجهة التحديات، وتعاون الأسرة الواحدة بالمنزل يؤدي لتماسك أفراده ويساعدهم على حل المشكلات التي تواجههم ولتقوية التواصل بين الآباء وأبنائهم، ولا نطلب من الأسر الاستغناء تماما عن العاملة المنزلية ولكن يجب أن لا يفقد الأفراد أدوارهم ولا توكل كل المهام والأمور للعاملة فيفقد المنزل بذلك خصوصيته ونتناسى خلفيتها الثقافية ودياناتها وعاداتنا، فهل يمكن أن يعود جو الدفء والخصوصية إلى بيوتنا؟ وهل يمكننا تربية أولادنا والحفاظ على منازلنا بعيدا عن الغرباء؟

 

 

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم