السبت 21 سبتمبر 2024 / 18-ربيع الأول-1446

إدمان الهواتف الذكية



 

عندما فاجأ العالم طوفان الهواتف الذكية في حوالي 2007 كانت قد بدأت فكرته في 1995، فأصبح الإنسان يتصل بالإنترنت وهو خارج بيته، أو وهو سائر أو مسافر أو على فراشه يستعد للنوم، كلنا يدرك أنها سلاح ذو حدين، له ميزاته التي لا حصر لها، لكنه في أيدي الكثيرين أداة مدمرة للحياة الشخصية، للتواصل الإنساني، ولأمور أخرى أكثر حساسية.

في البيت نجد كل من أفراد الأسرة حتى الأطفال، يغرق وجهه في شاشة الموبايل، ويدفن إنسانيته في وسائل التواصل الاجتماعي، وإذا كان كل منهم جالسًا أو نائمًا في غرفته فإنهم للأسف يتواصلون عبر الرسائل النصية، من داخل أماكنهم ولا يكلفون أنفسهم عناء فتح الباب والحديث وجهًا لوجه، مما يعزز العزلة والسلوك غير الاجتماعي، انعدام الحميمية.

أما إذا خرجت الأسرة فإنهم يلتفون حول مائدة واحدة في مطعم ما، لكنهم فرادي يكون كل منهم مع آخرين على موبايله، يصبح كل منهم جزيرة منفردة، لا متماسكة وتتفكك الأواصر.

لا توجد احصائيات محددة في مصر والدول العربية لكن ندرك أنها بالملايين وفي ازدياد، إنه نوع من الإدمان شئنا أم أبينا وكنا أن نثبت ذلك بتحديد عما إذا كنا نعاني من حوالي أربعة أعراض من التالية تؤهلنا – للأسف – لكي نكون مدمنين على الهواتف الذكية، تلك (الحاجة إلى استخدام الموبايل أكثر وأكثر للحصول على حالة معينة من الراحة، الانشغال الهوسي بالموبايل، محاولات فاشلة نتيجة أخطاء فنية تتعلق بالموبايل أو بالإنترنت، إذا غاب عنك الموبايل لسبب أو آخر، لنفاذ بطاريته مثلًا، تصاب بالتوتر والقلق والاكتئاب، إن الاستخدام المفرط يؤدي إلى فقدان الإحساس بمرور الوقت، كما أن الاستخدام غير العادي للموبايل يؤدي إلى تخريب العلاقات العاطفية والزواج، أو فقدانك لوظيفتك، وإلى عدم التشبع أو الرضا بما معك، دائما ما تريد أحدث صيحة من موبايل آخر ما رغم الفروق البسيطة بينهما، فقد لتشبع نفسك بأنك تملك الأكثر تطورًا، يصل الأمر إلى أن يصبح موبايلك أهم من القريبين إليكن إذا فقدته غضبت، تحبه حبًا جمًا، تأخذه معك حتى إلى الحمام، تعودت أذنك على سماع رنّة تدل على وصول إشارة أو رسالة، كذلك تحس بخواء ما إذا لم يرن لفترة طويلة.

كذلك فإن هناك علامات وأعراض عضوية لذلك الإدمان العجيب: شدّ في عضلات العينين، إحساس بالحرقان والحكة فيهما، تشوش في الرؤية، آلام وشدّ في الرقبة، وهو ما يسمى (الرقبة النصية Text Neck)، نتيجة أنك تنظر لأسفل وتكتب، ترد برسائل نصية أو تدخل إلى وسائل التواصل الاجتماعي لمدد طويلة ورأسك وعنقك متدليان إلى أسفل، مما يخلق وضعًا غير صحي يؤدي إلى آلام شديدة، ناهيك عن التعرض لحوادث السير والقيادة، التأثير السلبي على النوم، الإصابة باضطراب الوسواس القهري في تملك الموبايل والتحقق من محتوياته.

إذا كنت مدمنًا على هاتفك الذكي فهي ليست نهاية العالم، ضع قواعد لنفسك، نظم وقت استخدام موبايلك، حدد لنفسك نشاطات مثل الجيم، وغيره لا يكون معك فيها الموبايل خاصة أثناء تناول الطعام، افطم نفسك مرةً واحدة من الاستخدام الكثيف للموبايل، اقصره على الاطلاع على أخبار بعينها، أو أمور تتعلق بعملك، فلتجرب تمرينات التنفس، بأخذ نفس عميق من البطن من الفم وإخراجه من الأنف ببطء مع الاسترخاء الذهني والجسدي، من شعر رأسك حتى أخمص قدميك، حاول أن تلتقي بمن تحب وتصادق وجها لوجه، استخدم التليفون الأرضي، اذهب إلى مكان طبيعي كالنيل أو الحدائق العامة وليكن موبايلك مغلقًا وليس صامتًا، تعوّد على قضاء أوقاتٍ كثيرة بدونه.

____________

د. خليل فاضل

kmfadel@gmail.com

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم