العلاقة بين الزوجين من أسمى وأقوى وأهم العلاقات الإنسانية , قال تعالى ( هن لباس لكم وانتم لباس لهن ) ومن المعروف أن الملابس تلازم الإنسان في كل زمان وكل مكان , لذلك جاء التشبيه الرباني للعلاقة الزوجية باللباس للتعبير عن قوة العلاقة بينهما وملازمتهما لبعضهما . فالعلاقة الزوجية ليست علاقة مؤقتة أو عابرة قائمة على تنفيذ غرض معين , وإنما هي علاقة قائمة على أساس الأبدية بين الزوجين , وعمادها المشاركة والعطاء بين الزوجين وليس المنافسة وتصيد الأخطاء , فعقد الزواج من أوثق العقود البشرية إنه الميثاق الغليظ كما وصفه الله تعالى فقال ( وأخذنا منكم ميثاقا غليظا ) . وأكثر من يفرط بهذا الميثاق هو الرجل , حيث أنه يبدأ في بغض الأحيان بالتنكر إلى تضحية زوجته ورفيقة دربه والتي صبرت وتحملت معه مشقة الحياة , خاصة إذا منَّ الله عليه بالرزق , فيظن أنه من حقه أن يهجرها أو يطلق زوجته ليتزوج بأخرى صغيرة السن غايتها من الزواج التمتع بالمال الوفير لدى زوج يكبرها بالسن همّه إرضائها مهما كلف الأمر .
معشر الرجال ؛ إننا كنساء مسلمات نؤمن بمشروعية التعدد , ولكن اعتراضنا ينصب على :
– أفعال لرجل الكبير بالسن , المخجلة والمكروهة شرعا والتي ربما تصل إلى حد التحريم , هو تصابي الرجل الكبير في السن ممن شارف على الستين من عمره , وتصرفاته غير المسؤولة وكأنه شاباً مراهقاً لا يزال في بداية حياته , فيبدأ بمطاردة الفتيات بحثا عن زوجة ثانية أو علاقة محرمة .
– على طريقة تعامل الزوج المعدد مع زوجاته , وخاصة مع الزوجة الأولى , والتي غالبا يكون مصيرها الإهمال وإنكار جميلها في الوقوف بجانبه حتى تمكن من الوصول لما وصل إليه , ويبدأ يعدد اعذار أقبح من ذنب لزواجه من الأخرى أو الأخريات , لدرجة أنه يتكلم عنها كلاما قادحا فيها , مثل أنها كبرت في السن ولم تعد قادرة على خدمته , أو أنه كان مظلوما معها ولم تسعده يوماً , أو أنها لا تهتم بنظافتها ونظافة البيت والأولاد , أو أنها كانت مهملة ولا تهتم بنفسها … إلخ , وغالبا تكون هذه الأوصاف غير حقيقية وغير مقنعة إلا ليبرر لنفسه ظلمه لها .
أيها الرجل ؛ رفقا بزوجتك ورفيقة دربك الطويل في هذه الحياة , إرفق بها ولا تظلمها , تزوج بأخرى ولكن لا تذمها ولا تجرح كرامتها , ألم تتحمل معك مرارة الحياة وتكابد في سبيل تأمين حياة هانئة لك ولأولادك , وتذكر أنها ربما نامت ليال دون طعام عندما كنت لا تملك ثمنه , وكانت تُمني نفسها بالأمل وبأنك ستعوضها لاحقا عن حرمانها , تزوج بأخرى ولكن إبق بجانبها ولا تبتعد عنها , إنها إنسانة تحمل بداخلها مشاعر , ومهما كبرت بالسن فإن مشاعرها تبقى فياضة وتبقى بحاجة لإطرائك , فوجودك بجانبها ينسيها مرارة التعدد لأنها تشعر بأن مكانتها لا تزال كبيرة بقلبك , أنت تنام في صحبة زوجتك الثانية وهي تكابد قسوة الزمن وفراقك وحيدة دون أنيس , إنها وصية رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام حيث قال في حجة الوداع ( واستوصوا بالنساء خيرا ) .
كيف تهون العشرة عليك اعلم أن زواجك عليها بأخرى مؤلم جدا لها ولا تصدق بأنه توجد امرأة ترضى بالتعدد , ولكنها تقبله على مضض لإيمانها بأنه محلل شرعاً , كسرتها بزواجك عليها فسكتت ولكن احذر أن تكسرها مرة أخرى بهجرانك لها ومعاملتها بقسوة فقد لا تحتمل ذلك حينها تتعرض للكثير من الأمراض النفسية كالاكتئاب أو الامراض الجسدية كالسكر والضغط . فإياك أن تكسرها مرتين , تذكر قول رسولنا صلى الله عليه وسلم حين قال ( رفقاً بالقوارير ) فالمرأة كالزجاج يجب العناية بها ومعاملتها برفق وإذا انكسرت فيصعب عودتها كما كانت , تزوج بأخرى ولكن لا تهمل الأولى , وتعتبرها من سقط المتاع , لاطفها ولا تهجرها وتودد إليها لأنك بإهمالها تعذبها نفسياً , إنها بأمس الحاجة إليك , أنت وحدك من يؤنسها ويسعدها , أنت عمود حياتها التي تستند عليه , فلا تظن أن أحدا يمكنه إسعادها إلا أنت , فلو اهتم بها كل الأولاد والأقارب والأصدقاء لن يغنيها عن ملاطفتك لها , لأن فراغ الشخص المؤثر بالحياة يبقى خاليا ولن يملؤه إلا الشخص نفسه , فلا ولد ولا أخ يستطيع أن يسعدها إذا هجرتها أو أهملتها , واعلم أن جفافك العاطفي معها أشد عليها من طلاقها , لأنها تشعر أنك أمامها ولست معها أو لها فتصبح كما قال الشاعر :
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول
واعلم أنه مر من العمر الكثير ولم يبق إلا القليل , فإن فرطت بما مضى فأحسن فيما تبقى , وخاصة أن الإنسان أي إنسان عندما يتقدم به العمر يصبح بحاجة إلى يؤنسه ويكون بقربه .
لذلك يجب على الرجال كبار السن أن يكونوا واعين , في تصرفاتهم وأفعالهم وأقوالهم , خاصة أنهم أصبحوا على مشارف القبور وأصبحوا أجداد , فخطؤهم قاتل , لأن آثاره تنعكس على حياة أولاده وأحفاده ذكوراً وإناثاً , وعليهم أن يفكروا بتصرفاتهم ألف مرة , وأن مراهقة الأقوال والأفعال لا تليق بهم , وأن يحسنوا إلى زوجاتهم سواء كانوا معددين أو غير معددين . وعليهم أن يلتزموا الأوامر الربانية حيق قال تعالى ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) , وليتقوا الله في زوجاتهم , إنهن شقائق الرجال ويستحققن كل التكريم والتقدير والوفاء , لصبرهن على مكابدة الحياة وتجاوز صعوباتها وقهر ظروفها القاسية بهمة وعزيمة من أجل بناء الأسرة , وخلق جيلا واعيا وقادرا على النهوض بمجتمعه .
والنتيجة المرجوة , مجتمعٍ معطاءٍ وخالٍ من المشكلات المعيقة لبنائه وتطوره .
——————–
** أ.سلوى الجهني