خلق اللحظات الهادفة في الحياة
عش اللحظة الحاضرة
«لا تقاس الحياة بعدد الأنفاس التي نأخذها، بل باللحظات التي تأخذ أنفاسنا»
قبل شروع تلميذ في أخذ الدروس مع مُعلِّمه وجَّهَ له سؤالًا قائلًا فيه:
«هل بإمكانك تعليمي الهدف من الحياة؟»
قال المعلم: «لا.»
قال التلميذ: «أو حتى على الأقل معناها؟»
أجاب المعلم: «لا.»
«اذاً، هل يمكن أن تخبرني على الأقل عن الموت والحياة داخل القبر وبعدها؟»
أجابَهُ المعلم للمرّةِ الثالثة بِلا.
ذهب التلميذ بعيدًا في ازدراءٍ، وكان بقية الطلاب مستائين بظهور معلمهم بشكلٍ ضعيفٍ هكذا عاجزًا عن إيجاد الإجابة.
ثم قال المعلم بصوتٍ هادئٍ لتلاميذه: «ما الفائدة من فهم طبيعة الحياة ومعناها إذا لم تتذوق طعم التجربة؟»
تمضي بنا الحياة ونحنُ غافلون عن تقدير الوقت، وعن الاستمتاع به في لحظتهِ، فترحَلُ أجمل أيامنا بطَرْفَةِ عين في إسهابنا الدائم بالتفكير بالماضي، أو توقعنا المستمر بوصولِ المستقبل بالشكل المنتظر.
لخلق لحظاتٍ هادفة في الحياة، علينا العيش في الحاضر، والتخلي عن محاولات إشغال العقل بالماضي، وهواجس المستقبل.
فالحياة اليومية مليئةً باللحظات الهادفة والسعيدة ولو كانت لحظات صغيرة لاتُذكر، لكن عندما لا يتوافقُ الواقع مع تصوّراتنا العقلية تبدأ هنا المعاناة، يكمن الحل في التخلص من هذه المعاناة بالتوقف عن التفكير الزائد، فهو أشبَهُ بالدوامة التي يبدو الشخص فيها رخوًا قابلًا للكسر بسهولة، مُقيّدًا بالأفكار المكثفة وعلى حافّةِ القلق الدائم.
ضَرُورَة الحاجة للإصلاح.
«عَيْشك ليس قائمًا على ما تجلبه لك الحياة، بل من موقفك تجاهها، وليس بما يحدثُ لك، بل بالطريقة التي يفكر فيها عقلك عندما يُصيبك شيئًا» – جبران خليل جبران
الرِّضا والقناعة أهم السُّبُل إلى السّلامِ مع النفس، ولتحقيق ذلك علينا تقبُّلِ واحتواء ما توفِّرَهُ لنا الحياة، مع خفض سقف التوقعات فذلك أسلم للنفس.
«ومن الغريب دائمًا كيف للحظةٍ صغيرةٍ أن تُنشِئَ ذكرىً كبيرةً في حياتنا , غالبًا ما تنتهي في زمن وقوعها، لكنها تجعل الشخص الذي خلقها لا يُنسى أبدًا.»
لا تُهدِر طاقتك بالتفكير الدّائم، فالاستمتاع باللحظة الحالية مرهونٌ بالتخلص من هذه العادة، ستحاول أفكارك بإقناعك أنَّ هنالك خطْبٌ ما لكن الحقيقة عكس ذلك.
قال طبيب الأمراض العصبية والنفسية وأيضًا (Victor Frankl):
« عند عجزنا عن تغيير وضعٍ ما، فإننا في تحدي لتغيير أنفسنا.»
من أهم الطرق المُساعِدة على خلقِ لحظاتٍ هادفةٍ وذكرياتٍ سعيدةٍ هي التواصل بعُمقٍ مع الآخرين، فالعلاقات الاجتماعية جزءٌ لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ومواجهتنا مع من حولنا لا مفر منها في مُناسباتٍ عديدةٍ وظروفٍ مختلفة، ومهما حاولتَ الانعزال عن العالم سيبقى جزءٌ منك يبحث عن التواصل، فهو حاجةٌ فِطريةٌ نسعى لها جميعنا.
نسجٌ من الحياة اليومية.
تأخذنا الحياة في اتّجاهاتٍ مختلفةٍ حتى نصبح مشتتي الذهن، لكن القليل من التركيز على ما هو ضروري وتجاهل غيره قد يُعيدنا للطريق الصحيح.
يذكرنا الكاتب بأن نعيش حياةً صادقةً ناشِئَةً من لحظات هادفة قائلًا: «عَيشُ حياةٍ صادقةٍ هو على الأرجح أكثر شيءٍ يصعب على الإنسان السعي له، فهو ليس الطريقة التي يقوم عليها العالم، لكنه طريقة القلب في الارتباط بما هو حقيقي وهادف وأبدي»
تكمن الشجاعة في التحرر من أَسْرِ المجتمع وعيشنا الحياة بشروطنا الخاصة والمناسبة لنا مع عدم التزامنا بشروط الغير، فإلى أين سيذهب بنا إرضاءُ المجتمع في نهايةِ المطافِ على أيَّةِ حال؟
تتفاوتُ قدرات البشر في التواصل مع الحياة، فلقد شعرتُ في كثير من الأحيان بلحظات يتخلَّلُها تواصل عميق بالحياة عند التأمل في الكونُ فنحن نعيش في كونٍ فسيحٍ وبديعٍ ومع ذلك نجِدُ معظمنا فاقد الشعور به غير مُدرِكٍ لمدى عظمته، ففي تأمُّلي فيه أخرجُ من عقلي وأسمحُ للحياة بالتدفق بداخلي.
أثْرِ حياتك بمصادر إلهامٍ متعددة حتى يتشرب عقلك الباطن منها، واجعل من أولوياتك أن تعيش حياةً غنيةً بالتجارب ولحظات هادفة، فمقياسُ العيش لا يُقاسُ في اقتنائِك لممتلكاتك المادية بل بتجاربك، فالحياة عالَمٌ واسع ونحن من نعيشها ونُعمّرها ونطوف بها.
لتعزيز اتصالك بالحياة ومع من حولك عليك إظهار حُبّك للآخرين وعدم ترددك في خوض تجارب جديدة، وامنح الآخرين بعضًا من وقتك فغالبًا ما يكون مَنْحُ الوقت أكثر قِيمةً للمتلقي وأكثر شعورًا بالرضا للمُعطي.
نحن بحاجَةٍ فقط إلى اختيار العقلية المناسبة وتوظيف جميع حواسنا للاستمتاع باللحظة الراهنة، فالعقلُ لا يحتمل سوى فكرةٍ واحدةٍ إما هَمٌّ أو فرح ولا يمكنك الجمع بينهما.
كما يذكرنا المعلم: «بدلًا من تكهُّنِ الحياة يجب عليك احتوائها. فاللحظات الهادفة هي نسيجٌ من الحياة اليومية متنكرة على شكل أحداثٍ مُعتادَة.»