لقد كانت العرب في الجاهلية يتشاءمون من الزواج في شهر شوال، لاعتقادهم:
أن المرأة تمتنع من زوجها كامتناع الناقة التي شولت بذنبها بعد اللقاح من البعير، فأبطل النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك، وتزوَّج بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في شوال.
( عن عروةَ، عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: « تزوَّجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال، وبنى بي في شوال، فأيُّ نساءِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كان أحظى عندهُ منِّي؟»، قال: « وكانت عائشةُ رضي الله عنها تستحبُّ أن تُدخلَ نساءَها في شوالٍ) رواه مسلم ح4123.
قال ابن كثير:
(وأنَّ دُخولَهُ صلى الله عليه وسلم بها كان بالسُّنحِ نهاراً، وهذا خلافُ ما يَعتادُه الناسُ اليومَ) البداية والنهاية 4/ 570، والسُّنح: مكان بعوالي المدينة.
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم 9/ 209: (فيه استحبابُ التزويجِ والتزوُّجِ والدُّخولِ في شوالٍ، وقد نصَّ أصحابُنا على استحبابهِ، واستدلُّوا بهذا الحديثِ.
وقصدَت عائشةُ بهذا الكلامِ:
رَدَّ ما كانتِ الجاهليةُ عليهِ، وما يَتخيَّلُه بعضُ العَوَامِّ اليومَ من كراهةِ التزوُّجِ والتزويجِ والدُّخولِ في شوالٍ، وهذا باطلٌ لا أصلَ له، وهو من آثارِ الجاهليةِ، كانوا يتطيَّرون بذلك لِما في اسم شوالٍ من الإشالةِ والرفع ).
وقال الذهبي:
(وكانتِ العَرَبُ تَستحبُّ لنسائها أن يُدخَلْنَ على أزواجهنَّ في شوالٍ) السير 2/ 164.
وقالت اللجنة الدائمة للإفتاء:
(ما يتخيله بعض العوام والجهلة من كراهية عقد الزواج والدخول في شوال فهو باطلٌ لا أصلَ له، بل هو من عادات الجاهلية، حيث كانوا يتطيرون بذلك؛ لما في اسم شوال من الإشالة والرفع) مجموع فتاويها 19/ 161 مجموعة1.
والذي يظهر والله أعلم:
أن القول بأن الزواج في شوال مستحب (حُكمٌ شرعيٌّ يَحتاجُ إلى دليلٍ، وقد تزوَّجَ صلى الله عليه وسلم بنسائهِ في أوقاتٍ مُختلفةٍ على حَسَبِ الاتفاقِ، ولم يَتحرَّ وقتاً مخصوصاً، ولو كان مُجرَّدُ الوقوعِ يُفيدُ الاستحبابَ لكان كُلُّ وقتٍ من الأوقاتِ التي تزوَّجَ فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُستحبُّ البناءُ فيه، وهو غيرُ مُسلَّمٍ) نيل الأوطار للشوكاني 6/ 225، ولَقيل أيضاً: يُستحبُّ الدخول نهاراً؟.
إلا: إذا ظهرت بدعة التشاؤم بالزواج في شهر شوال في بلدٍ ما، فيُستحبُّ حينئذ قصد الزواج في شوال مخالفة لأهل البدع، وكذا: إذا اعتُقد كراهة الدخول على الزوجة نهاراً، فيُستحبُّ حينئذ مخالفتهم إظهاراً للجواز.
والله تعالى أعلم.
اللهم جنِّبنا ووالدينا وذرياتنا وأهلينا والمسلمين البدع، و(اغفر ذنوبنا، وحصِّن فروجنا، وطهِّر قلوبنا) – يُنظر: مسند الإمام أحمد ح22211 -، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.