الجسم البشري يحتاج إلى ساعات نوم يومية تتراوح ما بين 6 – 8 ساعات، وفترة النوم هذه ضرورية وهامة لتجديد وبناء الخلايا، وإعطاء الجسم الفرصة لتنظيم عملية إفراز الهرمونات، والتمثيل الغذائي والبناء, فضلا عن أن النوم يعمل على إبطاء عمل «الجهاز العصبي السمبثاوى» وهذا يؤدى بدورة إلي مزيد من الراحة والاسترخاء لجميع أجهزة الجسم، وخصوصا القلب والجهاز التنفسي. الآثار الدينية والاجتماعية يقول الله سبحانه: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا}[يونس:67] ويقول جل ذكره: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [القصص:73]. فمن رحمة الله تعالى بعباده، وتنظيمًا لنشاطهم، وإتقانًا لأعمالهم، أن جعل الظلماتِ بالليل والنورَ بالنهار؛ ليكون النهار بما فيه من نور مساعدًا على كسب العيش وأداء الواجب لعمارة الكون، وليكون الليل بما فيه من ظلمة مساعدًا على الراحة من عناء العمل بالنهار، ولذلك جعل الله تعالى أكثر العبادات التي يتقرب بها إليه في فترة النهار. من أجل هذا أرشد الإسلام إلى المُبادرة بالنوم بعد صلاة العشاء، وكرِه تضييع فترة الليل فيما لا يفيد خيرًا، وما دامت لا تُوجد ضرورة ولا حاجة تدعو إلى السهر، كالذين تُوكَلُ إليهم الحِراسة بالليل من أجل المصلحة العامة أو يذاكرون العلم أو تُحَتم عليهم ظروف العيش أن يكون عملهم بالليل، وفي ذلك جاء الحديث الشريف: «عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله» [الترمذي 1254] ومن أجل التنسيق بين العمل والراحة، أرشد الله إلى أن قيام الليل يكون بحيث لا يُؤثر على الواجبات التي تَلْزَمُهَا الراحة وَتُبَاشَر بالنهار، قال تعالى في شأن قيام الليل: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَءوا مَا تَيَسَّر مِنْه} [المزمل:20]
وقال صلى الله عليه وسلم لمن يُرهقون أنفسهم بقيام الليل كُلِّه أو بالصيام اليوم كله: «إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِبَدنك عليك حقًّا، فأعط كلَّ ذي حقٍّ حَقَّه» [البخاري 1874] ومما جاء في كراهية السهر لغير ضرورة أو حاجة، ما رواه البخاري ومسلم عن أبي برزة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُؤَخِّر العِشَاء إلى ثُلُثِ الليل، ويكره النوم قبلها والحديث بعدها. أما كراهية الحديث بعدها لأن السهر مَظَنَّة غلبة النوم في آخر الليل فيفوت قيام الليل، ويعرض صلاة الصبح للفوات، وقد رُوي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: جدب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم السمر بعد العشاء. [يعني زجرنا]. وعن عمر – رضي الله عنه – أنه كان يضرب الناس على الحديث بعد العِشَاء، ويقول: “أسُمَّرًا أول الليل ونومًا آخره، أريحوا كُتَّابكم”. والسُمّر: هم القوم الذين يسمرون بالليل، ويقال لهم: السامِر والسُّمَّار، وقد جاء في ذمهم قوله تعالى عن المشركين: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ} [المؤمنون:67] أي سمَّارًا، تكبَّروا فلم يؤمنوا، وسهروا في الطعن في الدِّين وتدبير المؤامرات للرسول أو فيما لا يفيد. ومن مبررات كراهية السهر فيما لا يفيد إراحة الكُتَّاب وهم الملائكة الذين يُحصون أعمال الناس، كما يشير إليه قول عمر السابق، ومنها مُخالفة نظام الله في جعل النهار للعمل والليل للنوم والسَّكن، ومنها عدم إزعاج النائمين بما يُثار في السهر من أعمال تقلق الراحة. وإذا كان السهر بالليل غير مرغوب فيه إلا لضرورة أو حاجة، فإن الأمر الذي يدور عليه السهر إن كان حرامًا كان النَّهي مؤكدًا، كالذين يمضون وقتًا كبيرًا من الليل في السهرات المعروفة بمنكراتها، من أجل المتعة والترويح عن النفس بزعمهم، ومعلوم أن المتعة والترويح عن النفس أمر مُبَاح ولكن في حدود الحلال في المادة وفي النتيجة المترتبة عليه، وليس من مصلحة العامل الحر أو المرتبط أن يُرْهِق نفسه بطول السهر ويتأخر عن صلاة الصبح والذهاب إلى العمل. ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا ربه أن يبارك لأمته في البكور، فقال: «اللهم بارك لأمتي في بكورها» [ابن حبان]، وقال أيضا مقررا: «بورك لأمتي في بكورها» [صحيح الجامع 2841] ومرَّ على ابنته فاطمة -رضي الله عنها- وهي مُضطجعة وقت الصباح فقال لها: «يا بنية قُومي اشْهَدي رِزْقَ رَبِّك، ولا تكوني من الغافلين، فإن الله يقسم أرزاق الناس ما بين طلوع الفجر وإلى طلوع الشمس» [البيهقي 5/125]. وقد جاء في نيل الأوطار للشوكاني حديث رواه أحمد والترمذي عن ابن مسعود: «لا سَمَر بعد العِشَاء [أي العشاء الآخرة] إلا لأحد رجلين: مُصل أو مُسافر» ورواه ضياء الدين المقدسي عن عائشة بلفظ: «لا سَمَرَ إلا لثلاثة: مُصلٍّ أو مُسافر أو عَرُوس». وجاء فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يَسْمُر عند أبي بكر الليلة في الأمر من أمر المسلمين وأنا معه، كما رواه أحمد والترمذي عن عمر رضي الله عنه وهو حديث حسن. كما جاء عند مسلم أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رقدت في بيت ميمونة ليلة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها لأنظر كيف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، قال: فتحدث النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رَقَدَ. وجمع الشوكاني بين الأحاديث المجيزة للسهر والمانعة منه، بأن الجواز إذا كان لحاجة وفي خير، والمنع إذا كان في غير ذلك. وقال مثل ذلك القرطبي في تفسيره. السهر تدمير للصحة • السهر يمكن أن يهدد العمر، ويقلل من فاعلية جهاز المناعة الذي هو خط الدفاع الأول ضد الأمراض. هذا فضلا عن ضعف الحيوية والنشاط، وحدوث تغيرات في المزاج وفي الحالة النفسية ينعكس على أداء الفرد الشخصي أثناء النهار، حيث يصاب المرء بالهذيان، والتشتت الذهني، وتعزى أسباب ذلك إلى تأثر الموصلات العصبية الكيميائية بالمخ، مثل مادة «السيروتونين» وحامض «البوتريك». • بينت الدراسات في جامعة «س – بافيا» في إيطاليا أن قلة النوم تسبب ارتفاع في ضغط الدم صباح اليوم التالي، وأن تكرار ذلك يؤدي إلى أضرار صحية خطيرة، ويعتقد الباحثون أن عدم أخذ القسط الكافي من النوم يكون مسئولا عن حدوث الأزمات القلبية في ساعات الصباح المبكر في معظم الحالات. • جاء في دراستين منفصلتين أن زيادة السهر تزيد من مستوى هرمون الجوع، وتقلل من مستوى هرمون الشبع في الجسم. وبالتالي زيادة مفرطة في الوزن، فلقد أظهرت الدراسة الأولى والتي شملت 12 رجلاً في بداية العشرينيات من العمر، أن مستوى هرمون الشبع «ليبتين» قد انخفض بمقدار 18% لدى الذين ناموا 4 ساعات فقط من الليل لمدة ليلتين، بينما ارتفع هرمون الجوع «جريلين» بمقدار 28%. كما أظهرت الدراسة أن المشتركين فيها قد مالوا إلى تناول الأطعمة السكرية على حساب الفواكه والخضار أو منتجات الألبان. وقد يفسر ذلك حاجة الدماغ إلى طاقة سريعة «سكر الجلوكوز» والتي فقدها خلال السهر. أما الدراسة الثانية فقد وجدت أن أكثر الناس سهراً هم أكثر زيادة في الوزن. وقد فحص «د. مانويل» في جامعة «ستانفورد» بكاليفورنيا 1000 شخص، وسجل ساعات النوم لكل منهم، كما سجل مستوى هرموني «ليبتين، جريلين»، ووجد أن الذين ينامون خمس ساعات أو أقل ليلاً بشكل ثابت، قد ارتفع لديهم هرمون الجوع «جريلين» بمعدل 14.9%، بينما انخفض لديهم هرمون الشبع «ليبتين» بمعدل 15.5%، مقارنة بأولئك الذين ناموا 8 ساعات ليلاً.
• توصلت دراسة حديثة إلى وجود علاقة بين احتمالات الإصابة بالسرطان ونوبات العمل الليلي، مشيرة إلى أن التدخين يظل المسبب الأبرز لهذا المرض. وطبقا لدراسة «الهيئة الدولية لأبحاث السرطان»، فإن منظمة الصحة العالمية ستعلن تصنيف العمل الليلي باعتباره مسببا للمرض الذي يتهدد عدة ملايين يمثلون نحو 20% من قوى العمل في مختلف أنحاء العالم. ووصف «ريتشارد ستيفنز» الخبير الدولي بهذا المجال نتائج الدراسة بأنها تحول مفاجئ، مشيرا إلى أنه أجرى دراسة عام 1987 انتهت إلى الربط بين التعرض للضوء بشكل مستمر أثناء الليل والإصابة بسرطان الثدي. كما توصلت دراسات أخرى إلى أن الرجال الذين يعملون ليلا معرضون للإصابة بأنواع أخرى من السرطان منها سرطان البروستاتا.
• أكدت دراسة طبية – بحسب ما ورد في جريدة الأخبار القاهرية – أن الحصول علي قسط كاف من النوم وانتظام عادات النوم السليمة يساعدان في الحيلولة دون الإصابة بمرض السكري، حيث تعمل الهرمونات التي تفرز أثناء النوم على تنظيم نسبة السكر بالدم. • السهر وقلة النوم يؤدي إلى أضرار كثيرة بالبشرة، من أبرزها: ظهور حب الشباب، وتدهور نضارة البشرة، وإصابة العين باحمرار ونقص بحدة الإبصار، وذلك بسبب نقص إفراز مادة «أرودوبسين» التي تفرز بكثرة أثناء النوم ليلاً.
• الأبحاث الطبية أظهرت أن الطلبة الذين لا يحصلون على نوم كاف أثناء الليل يكون أداؤهم الأكاديمي أقل من الطلبة الذين ينامون لساعات كافية، كما أن قلة النوم تؤثر سلبا على قدرة الطالب على التركيز، وتضعف الذاكرة قصيرة المدى، مما يؤثر على قدرة الطالب على التحصيل العلمي، وقد أظهرت الدراسات أن الأطفال المتفوقين ينامون 15-30 دقيقة ليلا أكثر من غيرهم. وذكر العلماء – أيضا – أن من أهم مخاطر السهر أنه يحرم الشخص من تجديد نشاط الخلايا المسئولة عن الذاكرة بالمخ والموجودة بالجزء المسمى بالمادة السوداء، حيث بات معروفا أن هذه الخلايا تتجدد حيويتها في الظلام الدامس، وعندما ينام الإنسان طوال النهار ويظل ساهراً طوال الليل فإنه يحرم نفسه من تجديد تلك الخلايا المهمة.