الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 / 24-جمادى الأولى-1446

قصة وعبرة… الزوجة ووزن أدوارها



بقلم د. علي أحمد الشيخي

قال أحدهم: تشاجرتُ مع زوجتي ذات ليلة – كما هي حالة أغلب البيوت – وكان ذلك لسببٍ تافهٍ جدًّا، ثم تطوَّر الخلاف بيننا إلى أن قلت لها: إن وجودَك في حياتي غير مؤثِّر، فلا نكهة للعيش معكِ أبدًا، فوجودُك وعدمه سِيَّان، فكل ما تفعلينَه من أدوار في البيت تستطيع أي خادمة أن تفعله، بل وقد تكون أفضل منكِ!

فما كان منها إلا أن نظرت إليَّ باستغراب وعينٍ دامعة، وأشارت إليَّ بيدها أَنْ كفَى، ثمَّ ولَّت إلى إحدى غرفِ المنزل، وأغلقت الباب على نفسِها، ولشدة غضبي لم أكترِثْ لبكائها، ولا حتى لحالتها النفسية، فانصرفتُ أنا الآخر إلى غرفتي دون أي اهتمام لأثر كلامي على نفسيتها، واستلقيتُ على سرير نومي، وحاولتُ استجلاب النوم الذي لم يكن استدعاؤه عصيًّا، ولكون حَنقي عليها قد وصل مداه، فقد كنتُ أحدِّث نفسي في خروجها من حياتي، حتى ولو كان بالموت، وما هي إلا لحظات وأسلِّم نفسي لنوم تداعت عليَّ فيه أحلامٌ مزعجة، فرأيتُ فيما يرى النائم أن زوجتي قد تُوفِّيت وشيَّعتها إلى قبرها، فجاء الناس يُعزُّونني في وفاتها، ورغم احتفاظ ذاكرتي بسخطي عليها، إلا أنني شعرتُ بقليل من الحزن، لكنني أرجعته ربما للعِشرة، وسلَّيت نفسي أنني – لا شك – سأنساها مع الأيام، وبعد انتهاء أيام العزاء، رأيت أنني ولجتُ إلى داخل بيتي أتفقَّد حال أولادي الصغار، فوجدت البيت غير مرتَّبٍ، والأكل غير معدٍّ، والأولاد ثيابهم متَّسِخة، وهم يتضاغون من الجوع، بل وصياحهم يتعالى بحثًا عن أمهم، فبدأت حينها أشعر بفراغٍ كبير يتسلَّل إلى حياتي، وأخذتُ أسلِّي أبنائي الصغار ببعض الوعود المسكتة، ثم دخلت إلى غرفة نومي، والغصة تحشرج في حلقي، وبدا لي وكأنَّ أشباحًا تتوارى لي من زوايا المنزل، فقرأت الفاتحة والمعوِّذات، واستلقيتُ على فراشي متحاشيًا النظر إلى موقع نومها، فنمتُ على غرةٍ، وكأن هذه النومةَ قد أنستني قصةَ موت زوجتي، فاستيقظت في الصباح متأخرًا عن موعد دوامي، فالتفتُّ إلى زوجتي كي ألومها على عدم إيقاظي للعمل في الموعد المحدَّد، لكنني تذكرتُ غيابها بالموت لَمَّا رأيت مكانها خاويًا، وقلت في نفسي: لا بد لي أن أعتمد على نفسي بعد اليوم، فقمتُ على عَجَلٍ، وأعددتُ إفطارًا لأطفالي وتركتُه على طاولة الطعام دون أن أوقظَهم من نومهم، وخرجت في عجل إلى مقرِّ عملي، فقابلني رئيسي وزملائي بلطف كونهم يقدِّرون ظرفي، وفي أثناء ساعات العمل أخذ شريط الذكريات يمرُّ أمام ناظريَّ، فتذكرت مكالمات زوجتي اليومية أثناء ساعات وجودي بالعمل، وملاطفتها لي، ثم سؤالها: هل أفطرتَ؟! وأخيرًا تُتبِعُ ذلك ببعض طلبات المطبخ الناقصة، ثم تقول لي: حتى لا تنساها سوف أرسلها لك بالواتساب، وما أكثر ما يشتدُّ نقاشنا أحيانًا عندما أتأخَّر خارج المنزل، لكنها في نهاية محادثتنا تقول لي: (بس لا تتأخر علينا يا حبيبي)، وكنت غالبًا لا ألقي لهذه العبارة وزنًا، بعكس حالي الآن الذي أجدني ما أحوجني إلى مشاكستها التي طالما تُتبعها بابتسامة حانية.

وكل هذا الشريط مرَّ أثناء نومي الذي تلا شجارَنا ليلة البارحة، فصحوتُ فَزِعًا بعد جهد وتعبٍ بالغ، فتنبَّهت أنَّ هذا بحمد الله أضغاث أحلام، ثم تذكرت حزن زوجتي وقفلها على نفسها الباب في الغرفة المجاورة، فذهبت إلى غرفتها وفتحت الباب عليها بهدوء، فوجدتها منكبة على وجهها، فشكرت الله كثيرًا؛ إذ لم يكن ذلك حقيقة، فدنوت منها وأهويت بيدي على خدِّها، فوجدت الدموع قد اتخذت فيه طريقًا، بينما المخدَّة قد بُلَّت بالدموع، فأيقظتُها وقلت لها: لِمَ كل هذه الدموع يا حبيبتي، هل ما زلت غضبى؟ فقالت: لا عليك، فما أكثر ما نغضب من بعضنا البعض، لكننا سرعان ما نرضى، إلا أن دموعي هي شفقة على حالك، فقد كنت أتردد على غرفتك، فأجدك تتنفس بصعوبة نتيجة حلم مزعج، كان صدرك معه يرتجف، فخفتُ عليك أن تختنق، وحاولت أن أوقظك إلا أنني خشيت أن تنهرَني؛ كونك ما زلت غضبان مني.
وهنا انتهى خلاف ليلة البارحة، نتيجة مخزون الحب والودِّ الذي تكوَّن بينهما على مرِّ سنوات زواجهما، لكنه مؤخرًا قد بهَتَ قليلًا عندما علاه غبار عدم الاهتمام بالآخر، إلا أنه نتيجة لهذا الموقف عادت المياه إلى مجاريها، وكأن شيئًا لم يكن.

وهنا أودُّ أن أشير إلى أن هذا الحوار في هذه القصة ينسحب أيضًا حتى على الزوجة، فاللوم لا ينبغي أن يُلقى على الزوج في كل الأحوال، فالحياة الزوجية شركةٌ، أو هي سفينةُ نجاةٍ، فهما معًا يقودانِها إلى برِّ الأمان، أو قد يُسهِمان في غرقها لا قدر الله، وتحتاج الحياة الزوجية هي الأخرى إلى التجديد والابتكار، وما أعقلَ تلك المرأةَ التي أهدَتْ لزوجها بطاقةً بمناسبة زواجهما، ووضعتها بجوار وسادة نومه، كتبت فيها: “ذهبت اليوم إلى السوق لأشتري لك ساعة بمناسبة زواجنا، فلم أجد أجمل من الساعة التي قابلتُك فيها”.
وقد يُقدِم بعض الأزواج على التعدُّد مع عدم مقدرته؛ ظنًّا منه أن منسوب السعادة لديه سيكون مع الثانية أعمق وأرق مما هو مع الزوجة الأولى؛ وذلك نتيجة الرتابة التي قتلتِ الحبَّ الأول، وما علم أن الحبَّ كالماء يتجمد بفعل عوامل طقس العَلاقات، ويتطلب لتجديده إذابة جليد الحب ليصبح نهرًا جاريًا من المشاعر العذبة التي لا يمكن أن تنضب، ويمكن لعشَّاق التعدد أن يمارسوه بالمعاني المرادفة له، والتي منها: النزهة بمفردك مع الزوجة، الهدية، فهي بريد الحب، وفي الحديث: ((تهادوا تحابُّوا))، ترديد كلمات الحب بين الحين والآخر، الثناء، استعادة شريط الذكريات سواء بالصور أو الفيديوهات المسجلة، أو حتى تذكُّرها، وروايتها على شريكك، وحذارِ من الشيخوخة المبكرة في العَلاقة الزوجية أو الطلاق العاطفي.

فاصلة: الصمت هو الحلُّ الأمثل أمام المشكلات الزوجية التافهة؛ يقول تعالى: ﴿ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [التحريم: 3].

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم