لا شك أن الأسرة عليها عامل كبير – إن لم يكن العامل الأكبر – في عملية التنشئة العلمية الصحيحة لدى الأفراد، ولا يمكن إنكار أن الأسرة يقع عليها العبء الأكبر في تنمية قدرات الطفل، من خلال دورها المهم أيضًا في رفع مستوى التعليم، ومن هذا الصدد نطرح بعض الأسئلة التي ننتظر الإجابة عنها: ما هو دور الأسرة في صناعة العلماء؟ وذلك من خلال الاهتمام بتعليم الطفل منذ الصغر، وهل يؤثِّر عمل المرأة على المستوى الدراسي للأبناء؟ وما هي أهم الواجبات التي تقع على الأسرة ككل تجاه الاهتمام بواجبات الطفل، وعملية التنشئة العلمية له في مراحله الأولى؟
الأسرة منبت لصناعة العلماء:
من جانبه، يؤكد الدكتور أحمد الأمير – أستاذ بكلية التربية بجامعة القاهرة -: على دور الأسرة المهم في صناعة العلماء منذ طفولتهم؛ لأن الأسرة هي أول ما يقابل الفرد منذ نشأته، وبالتالي تقع عليها مسؤولية كبيرة منذ اللحظة الأولى تجاه أبنائها، فمن الممكن الاهتمام بهؤلاء الأطفال، ومساندتهم حتى يصبحوا علماء؛ لكي يستفيد منهم المجتمع.
وعلى هذا تقع مسؤولية الأسرة مع المدرسة في عملية التنشئة العلمية للطفل؛ حيث تقوم الأسرة مع المجتمع بوضعه على الطريق الصحيح؛ لكي يتخذ القرارات الصائبة التي تتعلق بحياته، ومن الممكن أن ينجح من خلالها، أو أن يُخسف به الأرض، وبالتالي فدور الأسرة في تنشئة الطفل علميًّا يتوازى مع دور المدرسة في ذلك الوقت، بل يكون دور الأسرة أهم وأعظم في ذلك الوقت.
ويوضح “الأمير“: بعض العوامل التي يجب أن تتخذها الأسرة لتنمية قدرات الطفل العلمية منذ صغره، فبالتأكيد الوضع الاقتصادي للأسرة يؤثِّر جدًّا على حياة الفرد ونظام تعليمه؛ لأن الطفل الذي يُولد في وضع اقتصادي مريح يكون أكثر علمًا وذكاء من غيره، وذلك من خلال أن وضع الأسرة المرتفع يجعل الطفل محاطًا بأمور تساعده في عملية التنشئة العلمية كأن تتوفر له الأشياء وفي أي وقت؛ مما يعود عليه بالنفع، وعلى عكس ذلك الأسرة ذات الإمكانيات المحدودة، فهي تُحجم عن المستوى التعليمي للطفل، وتجعله كأي شخص عادي، وتَحُد من تفوقه العلمي، كما أن ارتفاع مستوى معيشة الأسرة يساعد على عملية التوصل إلى المفاهيم الصحيحة للغة العلمية الخالصة، وبالتأكيد هذه العملية تساعد على انتقاء المعلومات الصحيحة، وتساعد في عملية التنشئة العلمية الدقيقة، بالإضافة إلى وضع بعض المضامين الأسرية؛ لكي تساعد أولياء الأمور في تحقيق التنشئة السليمة.
ويتابع الدكتور أحمد الأمير – الأستاذ بكلية التربية بجامعة القاهرة -: كما تساهم أيضًا التكنولوجيا الحديثة في تنشئة جيدة للأطفال منذ صغرهم؛ حيث تعمل التكنولوجيا على توسيع مدارك الطفل، وتجعله يسرح بخياله بعيدًا، بالإضافة إلى أن أهمية التنشئة العلمية الصحيحة أنها تعمل على تنمية قدرات الفرد على استخدام العلوم، وإنتاج ما يسمى بصناعة العلماء الذين يبنون المستقبل، ويسعون في تطور وتقدم الحضارة.
المرأة العاملة وتأثيرها على المستوى الدراسي للطفل:
كما تؤكد الدكتورة “عزة كُريم” – أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية -: أن المرأة العاملة تكون فاشلة على مستوى الأسرة؛ لأنه كما يُطلق على الشخص عندما يعمل أكثر من عمل “صاحب بَالَيْنِ كذاب“، وخاصة أنها لن تستطيع أن تعمل في الجانبين بنفس الكفاءة، وبالتالي سوف تقصر في الجانبين معًا، بالإضافة إلى أنه ليس بالضرورة أن تعمل المرأة لكي نطلق على الأسرة أنها متكاملة، فكثير من الأسر نجدها ناجحة ومتكاملة أسريًّا، كما أنها تخرج جيلاً مبدعًا في تنشئته العلمية والاجتماعية الصحيحة، وليس شرطًا أن تكون الأم متعلمة أيضًا.
وتُضيف الدكتورة عزة كريم: لا يستطيع أحد أن ينكر أن الدور الأساسي والرئيسي في تربية الأبناء، والاهتمام بهم في المنزل، والاهتمام بتنشئتهم العلمية – يقع على المرأة أولاً؛ لأنها تعتبر العمود الفقري للأسرة في المنزل، وإن قصَّرت فيه فسوف يعود بالسلب على التحصيل المدرسي لأبنائها في المنزل، وتدني مستوى تعليمهم، وبالتالي لا بد أن تهتم بوظيفتها الأساسية التي لا يمكن أن تتنصل من مسؤوليتها في هذا الصدد، وأن تفكر في عملها هذا كأنه نوع من أنواع الأعمال المختلفة، ألا وهي ربة المنزل التي ترعى أبناءها، وتتابعهم في دراستهم، بالإضافة إلى أنها لا بد أن تعلم أن المنزل وأبناءها مسؤولان منها على المستوى العام، كما أن رب البيت أو الزوج مسؤول عن أعمال وأشغال معينة، يقوم بتوفيرها للزوجة وأطفاله، ومع ذلك لا نُنكر أن الأب مسؤول كمسؤولية الأم في عملية التنشئة العلمية للأطفال، ولكن الأم يقع عليها العبء الأكبر هنا، وبالتالي يجب على المرأة أن تختار بين عملها وبيتها، ويجب عليها في النهاية ضرب عُرض الحائط بأهوائها وعملها، وأن تكرس حياتها لتربية أبنائها، والاهتمام بتنشئتهم العلمية الصحيحة.
وأشارت أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية إلى أن الأسرة مقسمة بين أب وأم، فالأب لدية واجبات وحقوق، يتكفل بها، ويعمل على أن يوفر الحياة الكريمة لأسرته، وفي المقابل الأم عليها متابعة أبنائها في البيت، والتخلص من عملها، وخاصة أنها تعتبر الأقدر على التعامل معهم، ولديها القدرات الهائلة على إتمام هذا الأمر بصورة ميسرة وبسيطة، وذلك من خلال الصبر وطول البال، اللذين يوجدان بها أكثر من الأب؛ لأن الأب يتحمل ضغوط الحياة ومشكلاتها، بينما الأم لا يوجد عليها عبء آخر.
الأسرة والواجبات المنزلية للطفل:
لا شك أن تربية الأبناء، والاهتمام بهم، وبتنشئتهم العلمية – هو ما تسعى إليه أي أسرة في الوقت الحالي ليُطلق عليها الأسرة المثالية، ولكن في الآونة الأخيرة اختلفت الآراء حول: من المسؤول عن تربية الأبناء، والاهتمام بهم وبحياتهم العلمية والمدرسية؟ ومن جانبها تؤكد الدكتورة سميحة المهدي – أستاذة كلية التربية بجامعة عين شمس -: أن الأم تعتبر هي العمود الأساسي في المنزل، وعليها العامل الأكبر في نجاح الابن في المدرسة أو رسوبه؛ وذلك من خلال متابعته الحية، ومتابعة واجباته المدرسية باستمرار؛ نظرًا لأن رب المنزل أصبحت مسؤوليته توفير تكاليف المعيشة، والعمل خارج المنزل، ومن ثم فجميع المسؤوليات الأخرى تقع على عاتق الزوجات.
وأضافت المهدي: ولكن إذا نظرنا إليها من منظور آخر، سوف نجد أن المشاركة في متابعة الواجبات المنزلية والدراسية للأطفال لا بد أن تكون بالتشارك بين الأب والأم، وخاصة أن الأسرة المتكاملة لا بد أن يتشارك فيها جميع أفراد الأسرة في جميع الواجبات، وخاصة أن عدم متابعة الأب لابنه في المراحل الأولى من عمره يُنتِج عند الابن نوعًا من اللامبالاة، والرسوب المستمر، بالإضافة إلى عدم قدرة الأم أحيانًا على أن تجمع بين واجباتها المنزلية، وواجبات الابن في المدرسة.
وتابعت أستاذة كلية التربية بجامعة عين شمس: إن ما لفت نظري هذه الأيام هو أن الأب يرى أن مفهوم الاهتمام بالنواحي التعليمية للطفل هو دور المرأة فقط، وليس للأب شأن فيها، ولكن هذا مفهوم خاطئ جدًّا؛ فالأب يشارك ولو بجزء ما في عملية التنشئة الاجتماعية للطفل، وخاصة أن هناك بعض الأمور التي يصعب على المرأة متابعتها؛ كعملية التواصل الدائم مع المدرسين في المدرسة؛ لمعرفة المستوى الدراسي لابنه، وقيامه بالتدخل إذا حدثت مشكلات مع ابنه في المدرسة.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/culture/0/64408/#ixzz5LXijSCxs