نعم الله كثيرة لا تعد ولا تحصى، قال تعالى : ( وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) علق الحافظ ابن كثير رحمه الله على هذه الآية بقوله : ثم نبههم على كثرة نعمه عليهم وإحسانه إليهم، حيث قال : ( وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) أي: يتجاوز عنكم، ولو طالبكم بشكر جميع نعمه لعجزتم عن القيام بذلك، ولو أمركم به لضعفتم وتركتم، ولو عذبكم لعذبكم وهو غير ظالم لكم، ولكنه غفور رحيم، يغفر الكثير، ويجازي على اليسير.
وأمام هذه النعم تبدو نعمة هي من أهم من النعم، بل أشار إليها النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنها من جملة النعم التي بغبن عندها كثير من الناس فقال : ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ ( رواه البخاري.
والفراغ نعمة لمن استفاد منه وشغله بما يقربه من الله -تعالى- ويرضيه .
وفي مواسم الإجازات يحسن الحديث عن الحديث عن مفردات كثيرة، لكني في هذا المقال والذي اخترت له عنواناً بغراس الإجازة سأتحدث عن جملة من الأمور التي يمكن أن نغرسها في أبنائنا وبناتنا في هذه الإجازة وغيرها، لكن التركيز سيكون على وقت الإجازة؛ لما سيكون فيها من وقت فراغ كبير، ومن باب المسؤولية التي تحملناها والرعاية التي كلفنا بها فإننا نذكر بعضنا بتلك المعاني، ففي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) وفي هذا الحديث أيضاّ: ( والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها) ، فنقول وبالله التوفيق:
إن من أعظم ما يسعى المسلم في غرسه في أبنائه في الإجازة تقوى الله تعالى ومراقبته، فالتقوى أعظم زاد للمسلم في دنياه وفي أخراه، ولهذا قال ربنا –سبحانه ) وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ( [البقرة:197] ، وفي دعاء المقيم للمسافر الصحيح الذي في جامع الترمذي: زودك الله التقوى، وغفر ذنبك، ويسر لك الخير حيث ما كنت”، كما أن دعاء السفر يذكرنا بهذا المعنى الجليل: “اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى”.
فالأسرة في الإجازة والتي غالباً ما تتضمن جملة من الأسفار يجب عليهم أن يستشعروا معنى التقوى وهو بأن يجعلوا بينهم وبين عذاب الله وقاية بإتباع أوامره واجتناب، وأن يراقبوا الله في كل أوقاتهم وحركاتهم وسكناتهم .
تقوى الله التي نريد أن نغرسها في أبنائنا في الإجازة وغيرها أن تؤكد عليهم وأن تذكرهم بأن الله يراهم ومطلع عليهم وأن هذا الأمر يدعوهم إلى الإكثار من الخيرات والحسنات، وأن يحذروا من ذنوب الخلوات والتي قد تسهل مع كثرة الفراغ وتنوع الأجهزة والتقنيات.
غرس التقوى في نفوس الأبناء يلزمهم المحافظة على الفرائض وفي مقدمتها الصلاة.
غرس التقوى في نفوس الأبناء حصن -بإذن الله- لهم من فتن الشهوات والشبهات والنظر إلى الحرام.
غرس التقوى في نفوس الأبناء حصن لهم من الوقوع في الحرام ومن ارتكاب المنكر.
غرس التقوى في نفوس الأبناء حصن لهم من أصدقاء السوء.
إن الأبناء إذا نظروا إلى أبائهم وأمهاتهم ووجدوهم قدوة حسنة لهم في أقوالهم وأفعالهم كان لذلك أكبر الأثر الإيجابي في تربيتهم التربية الصالحة.
معاشر الآباء: من أمانتنا في القيام بشؤون بيوتنا أن نجتهد في تلبية متطلباتهم، وشغل فراغهم، وتنويع الأنشطة لهم في الإجازة؛ حتى نجمع لهم بين الفائدة والترفيه المباح الذي قيده أهل العلم بثلاثة ضوابط:
الأول: أن لا يكون فيه تضييع لفريضة مثل أن يشغل عن الصلاة ونحوها.
الثاني: أن لا يكون فيه ولوج إلى منكر.
الثالث: أن لا يوقع صاحبه في الحرام.
ومن غراس الإجازة -أيضاً- وخاصة حين السفر: التذكير بعظمة الله وبديع خلقه والتفكر في مخلوقاته.. ما أجمل أن يغرس الوالد في أبنائه تلك المعاني الإيمانية التي دائماً ما يذكرها القرآن 🙁 أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ) [ الغاشية:17-19]
إن ما خلق من الجبال والأنهار والأشجار والبحار وسائر المخلوقات دالة على عظمة الله جل جلاله )الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ( تعالى ذكره وتباركت أسماؤه.
ومن أجمل ما يغرسه الوالدان في أبنائهما في الإجازة: الصلة والبر من زيارة الأجداد والأقارب وصلة الرحم والتي قد لا يتحقق اكتمالها إلا بالسفر، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني بعمل يدخلني الجنة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “تعبد الله، ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم” رواه البخاري ومسلم.
ومما يجدر التأكيد على غرسه في الإجازة غرس القيم فقرب الوالدين من أبنائهم في الإجازة يسهم في غرس قيم عملية ناتجة عن هذا القرب كالتعاون والصدق والمحبة والكرم والإيثار وحب القراءة.
ويضاف إليها قيم أخرى يغرسها الوالد في ولده كأخلاق الرجولة وصحبة الكبار ونحوها، وتغرسها الوالدة في بنتها كتعلم الطبخ وأعمال المنزل ونحوها.
نسأل الله أن يجعلها إجازة سعيدة مفيدة، وأن ييسر لمن عزم السفر فيها أمره وأن يزوده بالتقوى وأن ييسر له الخير حيث كان.