السبت 21 سبتمبر 2024 / 18-ربيع الأول-1446

التسامح والعفو في الزواج .. سر إقامة حياة زوجية سعيدة



 

لا شكَّ أن الزواج من أهم وأقوى العلاقات الإنسانيَّة بين الرجال والنساء، والتي تستمرُّ لمدة طويلة بين الزوجين، فليس عقدًا لفترة معيَّنة وينتهي، ولكنه عقد ممتدٌّ لآخر العمر ما لم ينشأ أيُّ عارِض من عوارض الزواج: كالطلاق، أو الانفصال، أو موت أحد الزوجين.

وتُعتَبر العلاقة بين الزوجين من أوطد العلاقات الحياتيَّة، والتسامحُ والعفو بين الزوجين من أهم الأعمدة الأساسية التي يقوم عليها زواج صحيح وممتدٌّ لآخر العمر، بلا خلافات أو مشكلات تُهدِّد الحياة الزوجية.

كما نجد النبيَّ – عليه الصلاة والسلام – يُعطي أمَّته المعنى الحقيقي للتسامح والعفو في الزواج، وضرب لنا الحبيب محمد – صلى الله علية وسلم – أروعَ الأمثال في العفو والتسامح في المنزل بين زوجاته، وأهل بيته.

من جانبها ترى الدكتورة سهير عبدالعزيز – عميدة كلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر سابقًا – أن الأسرة المسلمة الحكيمة تقوم على أسسٍ ودعائم قويَّة بين الزوج والزوجة، والتي حثَّ عليها الإسلام، ومن أهمها: روح التسامح والمحبة والعفو المتبادَل بين الأزواج، في حدود ما نَصَّ عليه القرآن الكريم، وفسَّرته السُّنة النبوية المطهرة.

وأضافت الدكتورة سهير عبدالعزيز، أن سرَّ الحياة الزوجيَّة السعيدة هو الحياة القائمة على العفو والتسامح، وخاصة أن علاقة الزوج بالزوج تكمُن في توافُقهما وتفاعُلهما معًا في الحياة العامة، والتي تقوم على الرحمة والمسامحة والمحبة والمودة والرأفة.

وأكَّدت عميدة كليَّة الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر سابقًا، أن كلا الزوجين يُقابِلهما في الحياة العامة الكثير من المشكلات، التي من شأنها أن تُهدِّد الحياةَ الزوجيَّة وتقضي عليها، مُشيرة إلى أن الزوجين الناضجين اللذين تجمعُهما علاقة وطيدة لا يتأثَّران بمِثل هذه المشكلات، ويقومان بتخطِّي العقباتِ الزوجيَّة معًا كشخص واحد.

وأوضحت الدكتورة سهير عبدالعزيز أن الزواجَ لن يستمرَّ إلا إذا تَعاوَن الزوجان في الحياة الزوجيَّة، وذلك من خلال أن يكونا ناضجين، وأن يكونوا مرتبطين بعلاقات قوية كما أشارت، فالزوجان اللذان ارتبطا بعلاقات هزيلة يَفشلان في مواجهة المشكلات الزوجية، وبالتالي تنهار العلاقة الزوجية سريعًا.

وأشارت عميدة كلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر سابقًا إلى أن الزوجين لا بد أن يتَّفِقا منذ بداية الزواج على التسامح والعفو بينهم، وأن يتقبَّل كلٌّ منهما الآخرَ؛ تطبيقًا لقول الله -تعالى- حين قال: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].

كما تقوم الدكتورة انشراح الشال – أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة – بإعطاء بعض النصائح الأسرية للزوجين؛ حتى تستمرَّ العلاقة الزوجية، فتقول للرجل: “أنت قائد وربان المنزل، الذي يقع عليه الحمل الأكبر في لَمِّ شَمْل الأسرة من خلال الأفق الواسع، وتقبُّل رأي الزوجة وفِكرها؛ لأنه من المتعارف عليه أن الزوج أنضج وأعقل من الزوجة، ولا بد أن يتذكَّر دائمًا الهدفَ الأسمى من الزواج، والأعمدة الأساسية التي يقوم عليها الزواج، وهي التسامح والعفو عن الزوجة إذا أخطأت.

وبالنسبة للزوجة يجب أن تتحلَّى بعدة صفات، من أهمها: الحكمة والعفو، وأن يكون لديها رُوح المسامحة مع زوجها، بالإضافة إلى احترامها لزوجها وتطبيق حُسْن الطاعة، ويجب عليها ألا تنسى أن ذلك من حقِّ الزوج عليها؛ أن تُطيعه، وأن تُحسِن التبعُّل للزوج، وتربية أولادهم بطريقة صحيحة؛ كما نصَّ عليها القرآن الكريم والسُّنة النبوية، وكما أخبرنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن حُسْن تبعُّل المرأة لزوجها يَعدِل درجات الصيام والقيام والجهاد في سبيل الله.

وتوضِّح أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة، أن هناك ركائز أساسية لبثِّ التسامح بين الزوج والزوجة، ومنها: صيانة اللسان عند الغضب، وخاصة أثناء المناقشات الساخنة، كما يمكن عقْد اتفاق في بداية الزواج يَنصُّ على وضْع أسس للتعامل في المشكلات الزوجيَّة إذا حدثت أي مشكلة، وأن يتعاون الزوجان للعمل على حَلِّها، من خلال العفو عن الآخر، ونشْر روح التسامح بينهما.

كما تَنصح الدكتورة انشراح الشال الأزواجَ ببث روح التسامح لدى أولادهم في المرحلة العمريَّة الأولى، ولا بأس إن قاما بإعطائهم دروسًا يوميًّا في أهمية التسامح بين الأزواج، وأهمية العفو في الحياة الأسرية، مع تذكيرهم بثواب العفو والتسامح في القرآن الكريم والسُّنة النبوية، وتذكيرهم بأن الله سمَّى الزواجَ بالميثاق الغليظ، ويجب عليهما المحافظة عليه، والمحافظة على أهم أعمدتِه الرئيسيَّة، وهي العفو والتسامح في الزواج.

وعن تَسامُح الزوجة للزوج تؤكِّد الدكتورة أسماء السيد محمد – خبيرة في مجال التنمية البشرية – أنه يجب على الزوجة أن تقوم باحتواء الزوجِ إذا حدث أي خلاف أثناء الزواج؛ لأنها المستفيدة من الزواج، وإذا حدث شيء فستكون الخاسرة الأولى، فيجب عليها عدم السماحِ لمشكلات “تافهة ” أن تُعكِّر صفوَ الحياة الزوجية، وأن تَهدِم العلاقة الأسرية.

ومن ناحية الزوج تُشير الدكتورة أسماء السيد محمد إلى أن على الزوج أن يستخدمَ عقله في قيادة الأسرة؛ لأنه هو قبطان البيت، فيجب عليه أن يَبذُل قصارى جهده؛ ليُحافِظ على تماسُك الأسرة؛ تطبيقًا لحديث النبي – صلى الله علية وسلم -: ((خيرُكم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)).

وطرحت الخبيرة في مجال التنمية البشرية بعض الوسائل التي يَستخدِمها كلا الزوجين للتدريب على كيفيَّة التسامح والعفو في الزواج، ومنها: أخْذ رأي الخبراء في المجال، والذي سبق لهما الوقوع في هذه المشكلات، وكيفيَّة حلِّها عن طريق التسامح والعفو والمشورة، بالإضافة إلى تأجيل النقاش في الموضوعات الخلافيَّة حتى يهدأ الطرفان، بحيث يمكن احتواء الأمر فيما بعد.

وأضافت الدكتورة أسماء السيد محمد في حين وجود مشكلة بين الزوجين إلى أنه يجب أن يَعقِد وليُّ الأمر جلسةَ مصالحة سريعة، تقوم على روح التسامح بينهما، بحيث يقوم كلُّ طرف بالتحدث للطرف الثاني عما يُضايقه من الآخَر، وماذا يريد منه، مُشدِّدة على أن العلاقة الزوجية الخاصة قد تكون أحد أهم أسباب المشكلات بين الزوجين، وبالتالي يجب الإسراع في حلِّها؛ حتى تهدأ المشكلات، وذلك من خلال العفو والتسامح بينهما.

وأكَّدت الدكتورة أسماء السيد محمد – الخبيرة في مجال التنمية البشرية – على أن الحياة الأسرية تحتاج عاملاً مهمًّا ورئيسيًّا لكي تستمر الحياة الكريمة بينهما، وهو بث روح التسامح؛ لقوله -تعالى-: ﴿ إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ﴾ [النساء: 149].

وفي السياق نفسه أكَّد الدكتور أحمد إمام – أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة القاهرة – على أهمية تدريب الأزواج على التسامح قبل الزواج حتى يكونوا متأهبين للحياة الأسرية الكريمة؛ لكي نضمن نجاحَ العلاقة الأسرية، مُضيفًا أنه ليس عيبًا أن يأخذ الزوجُ أو الزوجة دوراتٍ تدريبية ليتعلَّما فنَّ التسامح والعفو في الحياة الزوجية عن طريق أخذ (كورسات) في المراكز التدريبية المتخصِّصة، أو عن طريق القراءة على شبكات (الإنترنت)، أو عن طريق أخذ الخِبرة من الذين مرُّوا بها من قبْل.

ويُضيف الدكتور أحمد إمام أن المنزل الناجح لا يقوم إلا إذا انتشر فيه العفوُ بين الزوجين وبث روح التسامح؛ تطبيقًا لقول الله -تعالى-: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34]، وكما نصَّت السنة النبوية وأكَّدت على ذلك؛ فعن النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: ((وأن تعفوَ عمن ظلمك)) [ضعيف؛ الترغيب والترهيب].

ويرى أستاذ عِلم النفس الاجتماعي بجامعة القاهرة، أنه يجب على المراكز التعليميَّة العامة والخاصة والجامعات أن يقوموا بتدريس مواد خاصَّة بالتسامح، وكيفيَّة الخروج من الأزمات التي من شأنها أن تُنهي الزواج سريعًا.

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/social/0/63160/#ixzz5GLohvjah

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم