السبت 21 سبتمبر 2024 / 18-ربيع الأول-1446

ما بعد الطلاق



تكون مرحلة ما بعد الطلاق من المراحل الصعبة والتي قد تطول آثارها السلبية لفترة زمنية طويلة. إذ يستمر شعور كثير من المطلقين بالألم وندب الذات والحيرة والشك والقلق ومشاعر الذنب أو الندم. فانتهاء العلاقة الزوجية بالطلاق يولد الشعور بالفشل والمعاناة من الاكتئاب والتقلبات الوخيمة في المزاج والشعور بالوحدة والعزلة والاستبعاد والضياع والحيرة وعدم الأمان. وغالباً ما تقود الحالة الانفعالية إلى اضطرابات في التركيز والتعب المستمر والتوتر والإنهاك وتراجع القدرة على الإنجاز والاضطرابات النفسية الجسدية أو سوء استخدام العقاقير. وتلاحظ هذه الأعراض بشدة أكبر في بداية الطلاق، إلى جانب المعاناة الناجمة عن فقدان ، وهناك عدد من المطلقين يعاني من تزايد المشاعر السلبية والأعراض خلال فترة تمتد بين ستة أشهر حتى الأربع سنوات بعد الطلاق ثم تختفي كلية فيما بعد. إلا أن غالبية النساء يشعرن بعد مرور سنتين من الطلاق بالتعافي. والبعض منهن تستمر مشاعرها السلبية المشوبة بالضيق سنوات طويلة ويعانين من صعوبات في التحكم في حياتهن. أما النساء الأكبر سناً اللواتي يتطلقن بعد سنوات طويلة من الزواج فيعانين من الوحدة والتعاسة. يضاف إلى ذلك أن كثيرا من المطلقين لا يستطيعون إدارة حياتهم عُزَّابا. وهكذا فإن الدراسات تشير إلى أن المطلقين يشكلون نسبة بارزة في العيادات النفسية في البلدان الغربية. فهن غالباً ما يعانين من اضطرابات نفسية أو يسئن استخدام العقاقير وقد تصل الأمور إلى محاولات الانتحار في حالات معينة. غير أن المشكلات النفسية غالباً ما تظهر بشكل متكرر قبل الطلاق. وهو ما يدفع كثيرا من المطلقين فيما بعد إلى اعتبار أن الطلاق كان غلطة.

ولكن هناك جزء من المطلقين يعيشون مرحلة ما بعد الطلاق، وبعد فترة محددة من الزمن بشكل إيجابي. فبعضهم يركز على شخصه ويكتشف جوانب جديدة من شخصيته ويشهد تطوراً داخلياً كبيراً ، في حين يشعر آخرون بشعور قوي بالحرية وعدم الارتباط والحيوية والسعادة، ويقومون بتجريب أسلوب حياة جديد وبعيدون تعريف علاقاتهم بأولادهم ويسعون نحو أهداف حياتية أخرى ويبنون هوية جديدة. ويكونوا سعداء بحياتهم ويشعرون بالهدوء الداخلي. ولكن حتى في هذه الحالات قد تتفجر أحياناً مشاعر شبيهة بالمشاعر التي حصلت مباشرة بعد الطلاق وبشكل خاص عندما يتزوج الشريك الآخر مرة أخرى أو عندما يولد له طفل جديد أو عندما تحصل تغيرات كبيرة في الحياة الخاصة.

وبشكل عام فإن التطور الفردي للمطلقين يسير في حالة ما بعد الطلاق بشكل أفضل، إذا ما عاشوا هذا الانفصال أو مرحلة الطلاق بأقل قدر من المشكلات النفسية والشخصية وإذا كان الانفصال مرتبطاً بالقليل من الضغوط والتوتر إلى حد ما وإذا ما حظي المعنيون بكثير من الدعم والمساندة الاجتماعيين أو إذا ما تزوجوا ثانية.

كما أن سمات الشخصية من نحو القدرة على توكيد الذات والثقة بالنفس والقدرة على حل المشكلات والإبداعية والاكتفاء الذاتي تؤثر بشكل إيجابي على التطور اللاحق. ويضاف إلى ذلك لدى النساء عوامل أخرى تعد إيجابية أيضاً منها صغر السن وعدم وجود الأطفال واتخاذ القرار الذاتي بالطلاق. أما لدى الرجال فإن التكيف يسير بشكل أفضل إذا ما لم يكونوا متعلقين بزوجاتهم. كما يلعب التقويم الشخصي للوضع الذاتي دوراً.

ويعد تحقيق “الطلاق النفسي” من الزوج أو الزوجة بعد حدوث الطلاق من العوامل ذات الأهمية الكبيرة بالنسبة للتطور الشخصي بعد الطلاق. فعلى الأزواج هنا أن يواجهوا حقيقة فشل زواجهم وينجزون عمل الحزن وتمثل مشاعر الفشل والذنب والتعرف على الأجزاء التي أسهم فيها الإنسان في الطلاق وتقبلها، وإعادة بناء صورة مطابقة للواقع عن الشريك السابق والتحرر من تأثيره على الحياة النفسية. وعموماً يكون الطلاق النفسي أصعب في حال جاء الطلاق مفاجئاً وكانت الأسرة تبدو في السابق بلا مشكلات، وتم استثمار الكثير فيها ، وإذا ما زال الزوج (الزوجة) السابق محبوباً. فإذا ما نجح هذا فإنه يمكن هنا أن تترسخ علاقة خالية من الصراع إلى حد ما بالشريك السابق، الأمر الذي يعد على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة لهم ولأولادهم.

كما تؤثر ظروف الحياة العامة على الوضع النفسي للمطلقين. فإذا ما تمكن المطلقون بعد الطلاق من الانطلاق ثانية في تدبير وإدارة المنزل والعودة إلى تعلم المهارات التي افتقدوها، أو تخلوا عنها للزوج السابق، ومواجهة غالبية مشكلات إعادة التأقلم والتآلف مع نمط الحياة الجديد وإدراك التعديل في الدور الذي ارتبط مع الوضع الجديد كمطلق أو مطلقة فإنهم سيكونون أقدر على التأقلم. والنساء اللواتي كن يعملن في السابق يكون لديهن نوع من الاستقرار وأصدقاء من بين الزملاء، وهن يشعرن بالفخر بنجاحهن المهني واستقلاليتهن وعدم تعلقهن.

إلا أن وضعاً مختلفاً ينشأ إذا ما لم تكن المرأة عاملة أو لم تجد العمل المناسب أولا تستطيع العمل بسبب رعاية الأطفال الصغار ولا يوجد لها معيل أو داعم اجتماعي. إذ يؤثر الضيق المادي المعاش على الصحة النفسية وبشكل خاص عندما لا يكون هناك مصدر للدخل أو إذا لم يكن الزوج يدفع أولا يدفع كفاية ما يترتب عليه من نفقات أو ليوجد هناك دعم أسرى واجتماعي…الخ. وبشكل عام فإن النساء المطلقات يعانين من مشكلات مادية أكثر من النساء غير المتزوجات.

وتعد الحياة الاجتماعية ذات أهمية كبيرة بالنسبة لصحة المطلقين وشعورهم بالعافية. ففي مرحلة ما بعد الطلاق تنقسم الشبكة الاجتماعية الأسرية إلى شبكتين لا ترتبطان مع بعضيهما بشكل كبير. وفي الواقع فإن الأولاد هم العضو الرابط الوحيد، يضاف إلى ذلك الحموان، وبشكل خاص أهل الزوج وفي حال وجود أطفال، فهم يحاولون البقاء على اتصال بالطرف الآخر. فإذا ما نجح هذا الأمر فإن الأطفال يظلون على اتصال مع جديهما وكذلك مع الأقارب. أما النصف الآخر من الشبكة الاجتماعية فيمكنه الاستمرار في زيادة في حدة التوتر وذلك من خلال تحريضه للزوجين المطلقين على بعضهما، وذلك من خلال تحميل الطرف الآخر مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في الأسرة، فيصبح الطرف الآخر هو السيئ ويحاول تنفير الطرف غير الحاضن للأولاد من أولاده ، أو التدخل بينهم في حال الزيارة، يضاف إلى ذلك أنه في حال ارتباط الزوج بزواج جديد فإن تدخلات الزوجة الجديدة وغيرتها وتحريضها قد يؤثر بشكل سلبي على علاقة الرجل بأولاده وزوجته السابقة، خاصة إلى ما تحزب أهل الزوجة الجديدة بشكل سلبي مع ابنتهم. وفي حال ارتبطت الزوجة المطلقة بزواج جديد قد يحرمها زوجها الجديد من رؤية أولادها، مما يسبب لها مشكلات نفسية وضغوط شديدة.

وغالباً ما يجد الشريك المطلق في شبكته الاجتماعية الدعم الانفعالي والعملي وكذلك المادي. وفي العادة فإن النساء والأزواج الذين لديهم أولاد، يتلقون الدعم أكثر من الرجال أو الأشخاص الذين ليس لديهم أولاد. فهم يحصلون على المساعدة في رعاية الأولاد وفي تدبير البيت والتصليحات اللازمة والانتقال والبحث عن عمل أو في تأمين سكن جديد. وعند وجود دعم كبير من الشبكة الاجتماعية يشعر المطلقون في العادة بحال أفضل ويكون لديهم مفهوم إيجابي عن ذاتهم. وفي حين يقوم كثير من المطلقين بتوسيع شبكتهم الاجتماعية في مرحلة ما بعد الطلاق يشعر البعض الآخر بالوحدة والعزلة. وبعض النساء الوحيدات ينضممن إلى مجموعات مساعدة ذاتية أو جمعيات خيرية أو يقمن بأعمال تطوعية من أجل التعرف على نساء في الوضع نفسه.

ولعل فرص غالبية المطلقات أقل في إيجاد زوج جديد. ووفق دراسات فإن حوالي ثلثي المطلقين يرغبون بالزواج ثانية ويتمنون إنجاب أطفال جدد. إلا أن البحث عن شريك جديد يرتبط بضغوط كثيرة مختلفة منها على سبيل المثال: أن المرأة بشكل خاص ما زالت قليلة الثقة بالجنس الآخر ، ومازالت مشاعر الثقة بالنفس وتقدير الذات لديها منخفضة ، ومن ثم فإنها تنظر إلى نفسها بأنها غير مناسبة كشريك جيد. يضاف إلى ذلك أن مستوى مطالبها تكون منخفضة وتعاني من الخوف من الفشل في علاقة جديدة ، وتأخذ أطفالها بدرجة كبيرة بعين الاعتبار، وربما يكون حال بعض الأزواج الذكور كذلك أيضاً.

كما أن الأولاد غالباً ما يقحمون أنفسهم في العلاقة الجديدة ويحاولون تخريبها، لأنهم على سبيل المثال لا يريدون تقاسم اهتمام والدهم (والدتهم) مع شخص آخر ولا يريدون فقدان وضعهم المركزي لدى نصف الأسرة، ولأنهم مازالوا يأملوا بالمصالحة بين والديهم أو لأنهم يريدون التوفير على والدهم (والدتهم) خيبة أمل جديدة.

العلاقة بين الزوجين المطلقين

بعد الطلاق عادة ما تتناقص التوترات بين كلا الطرفين، إلا أن البعض لا يشهد أي تغير أوقد تزداد التوترات. وفي كثير من الحالات سرعان ما يتوقف الاتصال بالشريك السابق وفي حالات أخرى لا يظل الاتصال قائماً إلا عند مشاهدة الأطفال وفي وجودهم.

بعد ذلك غالباً ما يكون هناك “تفاعل تعاوني Co-parental Interaction” حيث يسهم كلا الوالدين بشكل فاعل في حياة الأطفال وينظمون لهم حياتهم ويتخذون القرارات المتعلقة بهم حول التربية والتعليم…الخ. وفي هذه الحالات تكون الأسرة الأساسية قد أعادت تنظيم نفسها إلى أسرة “ثنائية النواة binuclear”، أي بيتين يشكلان منظومة أسرية واحدة.

وبشكل عام يكون الاتصال بين المطلقين الذين لديهم أولاد مشتركين أكبر. وهم يتكلمون حول القرارات الخاصة بالأطفال ودفع النفقة والأحداث اليومية والمشكلات العملية والشخصية المتعلقة بالأولاد، بالمقابل يتم تجنب الحديث حول مواضيع من نحو الحديث عن الحياة الزوجية الماضية وأسباب الطلاق والعلاقات الجديدة أو تكيف الأولاد مع وضع الطلاق. أما المطلقون من دون أطفال فقد تنقطع العلاقة بينهما وبعضهم يستمر التواصل، فيتحدثون حول المسائل الشخصية ولا يتحسسون كثيراً من المواضيع الحساسة.

غير أنه في كثير من التفاعلات يمكن يتمركز الأمر حول التوترات والمواجهات. وبعض الخلافات تكون حول دفع النفقات وبشكل خاص إذا لم يتم دفع النفقة بانتظام أو إذا ما انخفضت النفقة أو تهرب الزوج منها . وغالباً ما تشتعل كثير من هذه الصراعات بين المطلقين حول حق رؤية الأولاد. فمن جهة يحاول كثير من المطلقين الذين يمتلكون حق الحضانة تعسير إدراك هذا الحق، لأنهم يريدون بهذه الطريقة الانتقام من شريكهم السابق، أو معاقبته على تقصيره في عدم انتظامه في دفع النفقة أو على قلة النفقة أو لأنهم يريدون أن يجعلوه أن يظهر بشكل ملحاح وبشكل خاص عندما يؤسسون أسرة جديدة ويريدون فصل هذه الأسرة تجاه شخص خارجي. وبعضهم لا يريد أن يتصل أولادهم مع الأب (أو الأم) الذي يمتلك حق رؤية الأولاد، لأنهم يرفضون أسلوبه التربوي أو زوجته الجديدة (أو زوجها الجديد). كما يمكن لتطور كلا الشريكين السابقين أن يقود إلى اكتساب رؤى مختلفة فيما يتعلق بموضوع تربية الأولاد.
ومن جهة أخرى فإن كثيرا من الآباء (الأمهات) الذين يمتلكون حق رؤية الطفل لا يكونوا دقيقين في مواعيدهم، ويؤجلون الموعد فجأة ولا يأتون في الموعد المتفق عليه أو يتصرفون عند الزيارة تجاه أطفالهم بصورة غير مقبولة كأن يهددوا الأولاد وتوعدوهم أو يستنطقونهم أو يحاولون التأثير عليهم بشكل سلبي ويحرضوهم ضد الطرف الآخر.

وبالنسبة للوالد الذي لا يملك حق الحضانة فإن الإشكالية غالباً ما تتمثل في أنه يشعر تجاه شريكه السابق بأنه خاسر أو طالب للالتماس (مترجي) وضعيف ويعامل بغير حق. فينسحب في الغالب. ولكن الوالد الذي يملك حق الحضانة أيضاً كثيراً ما يشعر بالظلم لأنه يحمل عبء التربية وقلما يتم التخفيف عنه من شريكه. وكثير من المواجهات تنجم عن أن المطلقين لا يستطيعون الفصل بين مستوى الشريك ومستوى الزوج. وهكذا يتم نقل الصراعات الزوجية القديمة للأطفال. وتزداد الإشكالية أكثر عندما لا يرى الزوج (الزوجة) السابق إلا الجوانب السلبية للآخر أو يسقط مظاهر غير مقبولة من ذاته على الآخر. كما يمكن للزواج مرة أخرى أن يجدد المواجهات حول حق الحضانة ورؤية الأولاد والنفقة …الخ.

وبشكل عام : يمكننا بهذا التفريق بين ستة أنواع من العلاقات بين المطلقين:

1- لا يوجد اتصال بين الزوجين السابقين. لا يهتم من لا يملك حق الحضانة بالأولاد كثيراً أولا يهتم على الإطلاق.

2- يظل المطلقان أعداء لبعضهما، ويظهر غضبهما وخيبتهما في عدد كبير من الصراعات وصراع السلطة والإقحام المتعدد للمحامين والقضاء، والسعي لجعل الأولاد يعقدون رابطة ائتلاف ومحاولة منع الزيارات ، وعلى الأولاد أن يختاروا بين أحد الوالدين.

3- يشعر المطلقون باستمرار المشاعر السلبية تجاه بعضهما ويحاولون جعل الاتصال في حده الأدنى. إلا أن الجزء من الوالدين الذي لا يملك حق الحضانة يستطيع الاستمرار في زيارة أولاده من دون عقبات. كما يوجد اتفاق في القرارات المهمة حول طريق الحياة اللاحق للأولاد ، وهؤلاء الأطفال غالباً ما يعيشون صراعات ولاء.

4- لم ينفصل الزوجان السابقان عن بعضهما نفسياً بعد ، ويشعران بمشاعر إيجابية تجاه بعضهما، ويستغلون أية فرصة تتاح لهما من أجل الحديث معاً واللقاء. وهنا يتم التطرق إلى جانب مسائل التربية إلى المشكلات الشخصية والبين شخصية والمواضيع العامة. ويتصل الأولاد بكلا الطرفين.

5- لا يشعر الزوجان السابقان بأية مشاعر إيجابية أو سلبية قوية تجاه بعضهما. إلا أنهما قد أدركا وتقبلا بأن كلا الوالدين مهمان بالنسبة لأولادهما وأنهما يمتلكان تأثيراً إيجابياً.

كلاهما يكون والداً فاعلاً ومسؤولاً ويتخذان مع بعضهما القرارات التربوية المهمة، عدا عن ذلك فهما لا يتصلان معاً بشكل كبير. ونادراً ما تكون هناك صراعات وخلافات.

6- يتحول الزوجان السابقان إلى أصدقاء. وعلى الرغم من أنه لا يوجد بالنسبة لمثل هذا النوع من التطور أية نماذج أدوار ولا يتم تشجيعها من المجتمع في العادة. إنهما يحترمان بعضهما كوالدين ويربيان أولادهما معاً ويقضون كثيرا من الأوقات مع الأولاد. كما يستمر التواصل مع أهل الزوج والزوجة. وعلى ما يبدو فإنه يمكن إيجاد مثل هذا النوع من العلاقة حتى لدى المطلقين الذين لا يمتلكون أولاد، خاصة إذا كان الزوجان من الأقارب وكان الطلاق بلا مشكلات.

علاقة الوالدين والأولاد :

غالباً ما يشهد الوالد الذي يحمل حق الحضانة مباشرة بعد الطلاق مشكلات كبيرة مع أولاده، لأن هؤلاء يريدون أن يحققوا المصالحة بين الوالدين. إلا أن الوالدين يوقعون بين بعضهم البعض ويصبحون ملفتين للنظر من الناحية السلوكية ومن ناحية الأعراض. كما أنهما غالباً ما لا يمتلكان الوقت للأولاد لأن الأولوية للمشكلات الأخرى كإيجاد العمل والبحث عن شريك جديد أو التمثل النفسي للطلاق. وفي مجرى مرحلة ما بعد الطلاق فإن كثيرا من الوالدين حاملي حق الحضانة أو الرعاية يعودون ليصبحوا مربيين متفهمين وأكثر وعياً بالمسؤولية. إلا أنه في حالات أخرى تستمر حالة الرعاية الوالدية المنخفضة ويتم إهمال الأطفال ويضطرون للاهتمام بأنفسهم. وغالباً ما يكون الوالد حاملا حق الحضانة مرهقاً، لأنه لا بد من التوفيق بين العمل وتدبير البيت والتربية والبحث عن شريك…الخ ، ولا يظل لديهم وقتا لترميم طاقاتهم. ولكن حتى في مرحلة ما قبل الطلاق يمكن أن تظهر أعراض مرضية وتستمر في مرحلة ما بعد الطلاق ؛ مثال ذلك : يتم الاستمرار بإساءة معاملة الأولاد بديلا من الشريك أو تحويلهم إلى رابطة ائتلافية وجواسيس وكبش الفداء. وفي بعض الحالات الأخرى يتم تحويل الأولاد الأكبر سنا إلى شركاء (معاملتهم كأنهم شركاء راشدين parentification) وعليهم رعاية البيت والإخوة الصغار. وفي بعض الأحيان تستمر الصراعات الوالدية بعد الطلاق ؛ حيث يمثل الطفل الطرف الغائب من الوالدين، فيتبنى صفاته وغالباً ما يتولى دور الجاني ويستمر بتنمية الصراعات والنزاعات الدائمة مع الجزء الحاضر من الوالدين.

وفي مرحلة ما بعد الطلاق غالباً ما تتلاشى العلاقة بين الوالد الذي لا يملك حق الحضانة وأولاده. ويرجع سبب تراجع الاتصالات إلى مساعي الابتعاد ومحاولات التخريب التي يلجأ إليها الوالد حامل حق الحضانة وتراجع الاهتمام برؤية الأولاد، وعدم القدرة على قضاء وقت مقبول معهم.

ونمط الحياة الجديد الذي لا يأخذ الأطفال في إطاره، أوليس للأطفال مكان فيه، والانتقال إلى مكان آخر بعيد أو الرغبة بالابتعاد عن الصراعات والخلافات مع الزوج السابق. وغالباً ما لا يريد الأطفال كذلك الكثير من الاتصالات أولا يردونها أصلاً، لأنهم على سبيل المثال يحملون الأب غير حامل حق الحضانة مسؤولية الطلاق، ويتحزبون ضد الطرف الآخر، ويشعرون بالانزعاج والضيق والملل من الزيارات، ولا يستطيعون التعامل مع حياتين أو أسلوبين مختلفين من التربية، أولا يتقبلون الزوج أو الزوجة الجديدة أو لأنهم يريدون بهذه الطريقة التهرب من الدور الذي تم إقحامهم فيه كوسيط أو جاسوس أو مواسي. والأطفال الكبار واليافعون يريدون أيضاً أن يقرروا بأنفسهم متى وأين وكيف يقضون فراغهم ويرفضون بشكل خاص المواعيد الثابتة في الزيارة.

وعلى الرغم من هذه الاتصالات الضئيلة فإن كثيرا من الوالدين الذين لا يمتلكون حق الحضانة يرون أنهم أقرب لأولادهم مما كانوا عليه قبل الطلاق، ويقرون بأنهم يمارسون تأثيرا تربويا كبيراً وأنهم يتحملون جزءاً كبيراً من المسؤولية التربوية، مع العلم أن النصف الآخر، أي : الوالد الذي له حق الحضانة له رأي آخر.

إلا أنه ممكن أن يستثمر موعد الزيارة في مناقشات مكثفة ونشاطات متنوعة وبالتالي تنشأ علاقة بالأولاد أوثق مما هو عليه الأمر قبل الطلاق. فإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الآباء الذكور بغض النظر عن عدد الأولاد وعما إذا كانت الزوجة تعمل أم لا، يبذلون في اليوم 20 دقيقة فقط في اليوم لرعاية الأولاد، فإن الأب الذي لا يحمل حق الحضانة يستثمر مرة أو مرتين في الشهر كامل نهاية الأسبوع لقضائه مع أولاده، وهو وقت كثير بالنسبة للطفل. إلا أنه أحياناً لا يتم استثمار هذا الوقت بشكل مفيد. كما أن بعض الآباء غير حاملي حق الحضانة يخجلون ويتهيبون من تأديب أولادهم عند الزيارة أومن وضع حدود لهم. فبعد أن يكونوا قد حاولوا تحقيق جميع الرغبات لهم ؛ فإنهم سرعان ما يتحررون عند الوداع بالفعل. كما لا بد من الإشارة بشكل تأكيدي إلى أن الأطفال الأكبر سناً واليافعين يحاولون تكثيف علاقتهم بالوالد الذي لا يحمل حق الحضانة، لأنهم على سبيل المثال يتوقعون المساعدة في الانفصال وتطوير الهوية، ويريدون تجنب التوتر مع الوالد حامل حق الحضانة أو يريدون الدفاع عن أنفسهم ضد الاستحواذ.

ويمثل حق الحضانة المشترك وضعاً خاصاً. فهنا يتنقل الأطفال من بيت لآخر فيقضون جزءاً من الأسبوع أو الشهر لدى أحدهما والجزء الآخر من الأسبوع أو الشهر لدى الثاني.

والآباء الذكور المطلقون غالباً ما يشيرون إلى أنهم مقيدون من خلال الأطفال وخصوصاً فيما يتعلق بالبحث عن زوجة وفيما يتعلق بالوقت الذي يريدونه لأنفسهم. وغالبا ما يعيشون صراعات فيما يتعلق بالتوفيق بين المهنة والأسرة.

ويحتاج الأولاد عند تبديل البيت إلى بيت الآخر إلى عدة ساعات في الغالب من أجل التأقلم. وتظهر مشكلات على سبيل المثال فيما يتعلق على سبيل المثال بمواعيد النوم أو القواعد الأخرى فيما يتعلق بالتعامل مع التلفزيون وكذلك فيما يتعلق بالتوتر والصراعات بين الوالدين. كما تظهر مشكلات أخرى من أنماط الحياة والتربية المختلفة.

أما ما يمكن أن يكون له أثر إيجابي فهو قضاء الأولاد الكثير من الوقت مع كلا الوالدين وأن يعيشوا هؤلاء على أنهم مربين وأشخاصا مرجعيين بالنسبة لهم. فهنا لا يعود عبء التربية يقع كاملاً على أحد الوالدين ويكون له المزيد من وقت الفراغ ولا يظل معتمداً على من يرعى له أولاده في غيابه.

نم والأطفال :

في بداية مرحلة ما بعد الطلاق يستمر كثير من الأطفال في عيش مشاعر كالألم والحزن أو الغضب ويشعرون بالصد والعجز وقلة الحيلة وأنهم لا يستحقون الحب. إلا أن هذه الأحاسيس تتراجع في العادة في مجرى الوقت باطراد. وجزء من الأطفال يعتبر في النهاية الطلاق على أنه تحول إيجابي في مصيرهم أما الجزء الآخر فيعده سلبياً. وبعد سنة من انفصال الوالدين فإن غالبية الأولاد يكونون قد حققوا مسافة عن مشكلات والديهم وابتعدوا عن أزمة الأسرة داخلياً ، ويعود إنجازهم المدرسي ؛ ليصبح قريباً مما كان عليه في مرحلة ما قبل الطلاق. وكثير منهم يستمر بالأمل في أن تحدث مصالحة بين الوالدين.

وفي العادة فإن نمو الأطفال يسير في مرحلة ما بعد الطلاق بشكل إيجابي، إذا ما عاشوا في علاقة وثيقة مع والد سليم نفسياً، وحصلوا على تربية جيدة وتم دعمهم في مواجهة موقف الطلاق. كما يؤثر بشكل إيجابي إذا ما حل الوالدين مشكلاتهما بسرعة وبعدد قليل من الصراعات مع بعضهم ، وتمكنا من التعاون فيما يتعلق بتربية أولادهما. إلى جانب ذلك فإن السمات الفردية للأولاد تلعب دوراً : فإذا كان الأولاد يمتلكون مهارات مواجهة Coping Skills كثيرة وكفاءات اجتماعية ومهارات حل المشكلات وتمكنوا من التعامل مع الضغوط والتوترات بشكل جيد ؛ فإنهم سيتطورون بشكل طبيعي. كما إن لعوامل المحيط أثراً مهماً : فإذا ظلت الظروف المادية مقبولة ولم يتم نزع الأولاد من محيطهم المألوف ووجدوا كثيرا من الدعم من محيطهم الاجتماعي فسيكون تطورهم عادياً.

إلا أنه تظهر لدى بعض أطفال المطلقين أعراض من التصرفات العدوانية والمضادة للمجتمع والعدوانية والتعلق والقلق والاكتئاب. وصعوبات في العلاقات الاجتماعية والسلوك المشكل في المدرسة. وغالباً ما تشير التقارير إلى وجود فروق في أنماط السلوك الصريحة الاندفاعية والمضادة للمجتمع أكثر من الاضطرابات المخفية كالقلق والاكتئاب والسلوك الانسحابي ، وفي كثير من الحالات لا بد من استشارة مركز إرشاد تربوي.

ويغلب وجود فروق بيم الصبيان والبنات فيما يتعلق يتمثل مرحلة الطلاق وتطورهم وأعراضهم. فالصبيان يظهرون اضطرابات سلوكية أكثر وتكون بشكل خاص ذات طبيعة عدوانية تستمر لفترة طويلة؛ ويكونون أقل طاعة وأكثر تمرداً. وبشكل عام يميل الصبيان بشكل أقرب إلى الاستجابات الصريحة والبنات إلى الاستجابات الداخلية. ولدى الصبيان الذين يعيشون لدى أمهم يستنتج وجود نمو في الدور الجنسي “غير نمطي”: فهم يظهرون على سبيل المثال سمات أنثوية أكثر ويلعبون أكثر مع البنات. ويندر هذا الحال إذا ما كان هناك اتصال بالأب أو بأشخاص مرجعيين ذكور أو إذا ما قامت الأمهات بتشجيع الأنماط الذكورية “المميزة للذكور”. ويزداد تكرار ظهور السمات الأنثوية إذا ما تصرفت الأم بصورة مفرطة الرعاية وتم حشره في دور الطفل أو إذا ما قللت الأمهات من قيمة الأب.

وعموماً تبدو الاضطرابات السلوكية والمشكلات النفسية أكثر تكراراً لدى الأطفال الوحيدين والأطفال الصغار ، وأولئك الذين يكونون في الطفولة المتوسطة وكذلك لدى الأطفال الذين يكون راعيهم من الجنس المعاكس لهم. كما يؤثر الوضع الاجتماعي-الاقتصادي والتوتر والصراعات بين الوالدين المطلقين ً. إذا تشير التقارير إلى أن الاضطرابات السلوكية والمشكلات النفسية تكثر إذا ما لم يكن هناك اتصال كبير بالوالد الآخر الذي لا يحمل حق الحضانة.

وتعزى المسؤولية في أن يصبح الأولاد لأسر مطلقة مضطربين ويستمرون في هذا إلى عدد كبير من العوامل، كالإهمال ونقص الاهتمام والانفعالية ونقص الضبط الوالدي أو عدم اتساقه والظروف الأسرية الفوضوية. وفي بعض هذه الحالات فإن الارتباط المفرط بين الوالدين والأطفال (التكافل Symbiotic ) أو الارتباط المتحول إلى رفض، وكذلك الائتلافات والميول الرافضة أور الإقحام في أدوار الراشدين كتحويل الطفل إلى شريك في التربية أو كبش الفداء. وغالباً ما تتشكل الأعراض إذا ما كان الوالدان ملفتين للنظر نفسياً أو يعانيان من القلق أو الاكتئاب. كما أن معايشة الأولاد للعنف بين الوالدين من العوامل المؤثرة بشكل سلبي: فالصبيان يتماهون في الغالب مع المعتدي ويصبحون هم أنفسهم عدوانيين. ويغلب أن تتبنى البنات دور الضحية.

والأطفال واليافعون في مرحلة ما بعد الطلاق أقرب لأن يعانوا من اضطرابات سلوكية أو مشكلات نفسية إذا ما اعتبروا أنفسهم مسؤولين عن طلاق والديهم، وإذا ما زالوا يأملون بالمصالحة، وعاشوا مخاوف انفصال شديدة أو إذا ما وقعوا في الصراع بين طموحات الانفصال والارتباطات القوية. كما يؤثر بشكل سلبي إذا ما اعتبروا أنفسهم عبئاً على الوالد حامل حق الحضانة، أو كانوا غيورين من الشريك الجديد لوالدهم أو لأمهم، أو إذا ما شعروا بمشاعر عدوانية تجاه الأب الذي لا يحمل حق الحضانة. وبعض الأولاد يفسرون الفقدان الوالدي أو توقف دفع النفقة على أنهم لا يستحقون الحياة وأنهم بلا قيمة. كما يتم إيقاظ هذه المشاعر إذا ما تخلى الطرف الآخر عن حق الاتصال بالأولاد أو تكرر اعتذاره عن الزيارات أو إذا لم يحضر للمواعيد المتفق عليها. و في حال قل اهتمام الآباء الذكور بالبنات الكبيرات يتولد لديهن الانطباع بأنهن أقل جاذبية وأنهن مرفوضات وغير مرغوبات كإناث أو كنساء، فبما أنه قد تم صد أمهاتهن ورفضهن كذلك ؛ فإن التماهي معهن يقوي الانطباع بأنهن لا يستحققن الحب.

ولكن في الغالب فإن التوليف بين مجموعة العوامل المذكورة هو الذي يقود أولاً إلى تشكيلة معينة تتشكل ضمنها وتتعمق الاضطرابات السلوكية والمشكلات النفسية.

وأخيراً : لا بد من التذكير أن جزء فقط من الأطفال المطلقين يظل في مرحلة ما بعد الطلاق مضطرباً سلوكياً أو يستمر في المعاناة من مشكلات نفسية ؛ حيث تظهر الأعراض في الغالب قبل انفصال الوالدين. كما ينبغي عدم عز وهذه الاضطرابات إلى حدث أو حدثين كبيرين كالانفصال والطلاق. فهي في الغالب تتطور في عملية طويلة يظهر فيها عدد كبير من التغيرات السلبية المختلفة، منها العلاقات الأسرية والاتصالات الاجتماعية والصحة النفسية للأعضاء الآخرين من الأسرة وظروف الحياة ونوعية رعاية الأولاد وتبديل السكن وعوامل أخرى كثيرة.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم