الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 / 24-جمادى الأولى-1446

همسات إلى زوج الأم



(أن تفقد أباك معناه أن تحس بمعنى الوحدة فقد فقدت من يمد يده ليساعدك ،ولو مدت لك ألف يد فإنها لا تغني عن يد والدك المليئة بدفء وحنان الأبوة).

من أقسى المواقف والظروف أن تكون زوجاً لأم تتعامل مع طفل يهتف بتلك الكلمات ويشعر بتلك المشاعر… ومهما كان يشعر تجاهك بالراحة فلن تكون مطلقا كأبيه وسيبقى مشتتا يعيش في حيرة وحزن، ويخضع لانفعالات حادة متصارعة نتيجة لفقد أبيه.

ولست أحملك أيها الفاضل مسؤولية ما يشعر به ابن زوجتك فذلك قدر الله وقضاؤه، ولكنني أود أن أنبهك أنك بتقبلك الزواج بأرملة أو مطلقة ذات أبناء، وموافقتك على  انضمامهم إليك ورعايتك لهم… فقد تحملت مسؤولية خطيرة لا بد لمن يضطلع بها أن يحملها بأمانة وإخلاص، ولا بد أن يكون همه في تأدية تلك الأمانة تنشئة هؤلاء الأطفال بطريقة تنتهي بهم إلى شخصية سوية متكاملة تتجاوز الظروف والاضطراب النفسي ،وهذا في الحقيقة ما يقتضي مجهودا كبيرا وإرادة وعزما قويين، مع الاستعانة بالله والاحتساب وطلب المثوبة من الله سبحانه واستحضار قوله تعالى : (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً)، والإقتداء والتأسي بخير البشر ومعلم البشرية كل خير صلى الله عليه وسلم  والاستفادة من مواقفه وتعاملاته مع أبناء زوجاته، ونخص أبناء أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها لصغرهم وضعفهم ،فها هو يتأخر في الدخول على أمهم رفقا بالرضيعة منهم ،ثم يسأل عنها ويدللها ﻓﻴﻘﻮﻝ ﻛﻴﻒ ﺣﺎﻝ ﺯﻧﺎﺏ ؟ثم هو يصحبهم ويوجههم بكل حب ولطف ،عَن عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَال : كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (يَا غُلَامُ ، سَمِّ اللَّهَ ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ ).

إلى غير ذلك من المواقف التي جعلته فداه ابي وأمي ينجح في تنشئتهم على الطاعة حين كسب قلوبهم بالمعاملة الحسنة ، ولطف القول ، ومن ثم إذا حصل الوئام بين الطرفين ، وإذا قويت المحبة أمكن التأثيربما يقوِّم الأخلاق ويحسن السلوك .

وأكون مبالغة إن صورت لك أيها الفاضل علاقتك مع ذاك الصغير الذي يتحرق ألما لفقد أبيه أوغيابه عنه بأنها ستكون مثالية ،خاصة في الفترة الأولى من زواجك بأمه ..وهي فترة ولا شك حرجة لجميع أفراد الأسرة ،فهناك الكثيرمن العقبات التي ستعترض علاقتكما ..أهمها غيرته على أمه التي يشعر بحق ارتباطه وتملكه لها قبل وجودك في حياتها ،وسيعبرعن ذلك  ولا شك بسلوكيات سلبية لأنه يعتبرك المنافس له على أمه ..كأن يتعمد البكاء أو اختراع مطالب ليصرف أمه عنك ويشعر بوجودها معه ،وقد يتدخل في خلاف في وجهات النظر بينكما ،معتقدا أن من حقه التحيز لأمه وأحب الناس إليه…سيبكي كثيرا، وسيرفض  الطعام ،وستكون ردات فعله عنيفة ،وسيكون أكثر عدائية وانفعالا وغضبا ..وخاصة حين يكون غياب أبيه بسبب طلاق أمه فهذا يحدث شرخا عميقا في نفسيته لأنه لا يستطيع أن يفسر سبب فقد أبيه الذي يحبه ،أما إن كان يتيما فسيزيد على ما سبق شعور الصغير بالحزن والانكسار والنقص وميله للعزلة… إلى غير ذلك مما يحتاج منك الصبر، والعطف.وضبط النفس، والحرص على بناء علاقة إيجابية مع الصغير قبل أن يعرف أن أمه ستتزوج منك ،وأنك ستشرف على تربيته ، كل ذلك لترغيبه بقبولك وتقبل دورك الجديد في حياته، ثم يأتي دور آخرين ممن يثق بهم الصغير ويحبهم في توضيح المزايا التي سيجنيها عندما يصبح في أسرة ذات عائل ،هذا له الدور الهام في دفعه ومساعدته على تجاوز تلك المرحلة وتقبلها.

 

وقد تنشأ صعوبات أخرى بولادة طفل جديد في الأسرة ،فهو يشعر أن علاقة المولود بأبويه تختلف عن علاقته هو بهما، وأن هذا المنافس الجديد سيقاسمه حب أمه، لذلك ستتحول غيرته إلى سلوكيات ورسائل مفادها: التحقق من أن الطفل الجديد لن يحل محله ولن يأخذ منه أمه خاصة ،وكل هذا يحتاج منكم لفهم جيد لنفسيته وطمأنته بأن مكانته لن تتغير بل سيكون له دوره الفعال في رعاية الصغير.

أما الاختبار الأكبر لتوازن انفعالاتك وحكمتك و حسن تصرفك أيها الموفق فسيكون حين يبلغ الصغير سن المراهقة حيث تنمو لديه مشاعر العداء نحو مصادر السلطة ،وهذه المشاعر تزداد حدة بقدوم سلطة لا يتقبلها.. وهي بالنسبة له الآن أنت ،حينها نحتاج منك أن تترجم احتسابك أكثر ، ورغبتك في الأجر أن تتحول إلى سلوك وتصرفات ومشاعرإيجابية  خاصة عند ما تلاحظ تأخر هذا الطفل في العودة للمنزل ،أوعند ارتكابه لسلوكيات مثيرة أملا في دفعك لترك المنزل، وقد يحاول تنفيس ما يشعر به تجاهك في صورة عداء غير مبرر لإخوته لأمه منك ،حيث يواجههم بعنف وكأنه ينقل مشاعره السلبية وغيرته على أمه منك  إلى أبنائك الذين يمثلونك بالنسبة له ،وقد يندفع للتخريب وإفساد ما تكلفت المال والجهد لأجله انتقاما منك ورغبة في استثارتك .

مهلاً وصبراً أعلم أن جميع  تلك التصرفات والسلوكيات مقلقة ومثيرة للغضب ،وقد تدفع الانسان ليفقد صوابه وينتابه القلق والتوتر ،ولكن ثق  أخي المبارك أن تفهمك موقف الطفل بموضوعية  دون التأثر بانفعالات معينة ،وادراكك أن من حق هذا الطفل الذي قدر الله له أن يوجد في جو غير طبيعي أن تتاح له فرصة تقبل وضعه وتقبل سلوكه المتسم بشيء من الشذوذ لما أحاط به من ظروف وحرمان عاطفي ،عادة ما تنشأ عن شعور بالنقص مصحوب بعدم إمكان التغلب عليه ،مع التزام الصبر والحكمة والتعقل والحب والعطف والتوجيه السليم و الدفع بالتي هي أحسن(ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) كل ذلك يكفل تعديل سلوكه وتصحيح مساره، بقي أن أنبهك إلى مراعاة مشاعر زوجتك، وعدم تحميلها مسؤولية تصرفات طفلها وأخطائه فهي بين نارين …عاطفتها نحو ابنها الذي تستشعر فقده لأبيه وشعوره بالنقص ،وبين حرصها على حسن العلاقة بك وخوفها من تأثر تلك العلاقة بمشاكل ابنها..

وواجبك أخي الكريم أن تطمئنها بدلا من تعييرها بابنها، وعدم مقابلتها بالغضب وإثارة المشاكل وتنفيس المشاعر التي تنتابك تجاه سلوك الابن….أشعرها بالأمان بتقبلك لابنها وعطفك عليه وتوجيهك له برفق وحب كما تفعل مع ابنك تماما ،مع مراعاة أن يكون لكما الموقف التربوي نفسه حتى لا يشعر بالإزدواجية، وأعنها على العدل بين ابنها وبين أبنائك منها، ولا تنسى أن يكون لك الأثر الأكبر في حسن تعامل أولادك مع أخيهم باحترام وحب وود لتعتدل الصورة القائمة في أسرتكم ويتهيأ الجميع لحياة مستقرة يشع الحب والدفء والمودة والتعاطف والاحترام العميق في كل أركانها.

 

دعواتي لكم بالتوفيق وسعادة الدارين..

مؤمنة مصطفى الشلبي

 

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم