إنَّ الخبيرَ بطبائع النفس البشريَّة لا شك أنه يُعاني في قيادتِها إلى المعالي والمكارم، وهي تجاذبه إلى التسفُّل والمآثم.
ولهذا العناد مِن جانب النفس البشريَّة ردَّةُ فِعلٍ تختلف باختلاف البشر وثقافاتهم؛ فالبعض أَخَذَتْه الأَنَفة والحميَّة مِن تمرُّد نفسِه عليه واستعصائها على أمره وهي بين جنبَيْه، فقرَّر أن يقودها إلى المعالي موثقةً بالحبال، وأن يسومها سوء الوبال، ولا يترك للرِّفق بها مجالًا، والبعض رأى أنَّ قسوتَه على نفسه ثقيلةٌ فتحلَّل مِن كلِّ قيد، واحتال للتفسُّخ كلَّ حيلة، غير أنَّ العقلاء من البشر كانتْ لهم النظرةُ الحكيمة والرياضة الرحيمة، فحدوا نفوسهم رويدًا رويدًا إلى عزِّها بلا معارك أليمة، ولا خسائر جسيمة، فتربَّعت نفوسُهم على قمم الجبال وهي ترفل في مجاهدةٍ يغلِّفها الدلال؛ فكانت نفوسهم كحصان جامح هائج في الفلاة لا تزيده المطاردة إلا شُرودًا، فتناولوا حزمةً من حشائش الأرض وقرَّبوها إليه وهم يغنون ويتدلَّلون، حتى أتى إلى الشكيمة بقدميه، وأدخل رأسه إلى اللجام وهو فرح يهُزُّ أذنيه، فتوصَّلوا إلى غايتهم بالدَّلال، ونالوا بغيتهم بالاحتيال.
وقد كان سيد البشر صلى الله عليه وسلم في الذروة العالية من هذه الحكمة؛ أليس هو القائل: ((إنَّ المُنبتَّ لا أرضًا قَطَعَ ولا ظهرًا أبقى))، وهو القائل: ((فسدِّدوا وقاربوا وأبشروا))، والذي أرمي إليه من تلك المقدِّمة هو: التطبيق العمليُّ لصورٍ من تدليل النفس والرفق بها حال الرغبة في الرُّقيِّ بها وتربيتها، وقد كنت دائمًا ما أدلُّ طلابي على البدايات السَّهلة؛ ففي مجال الخطوط العربية كنتُ أجعلهم يبدؤون بثلاثةِ أحرفٍ متشابهةٍ، ثم جملة ذات كلمات قليلة، إلى أن يتوصَّلوا إلى الإتقان والإحسان.
وفي مجال الرياضة كنتُ أُشجِّع الكسالى القابعين خلْفَ شاشات الحواسيب أن يغمضوا أعينهم ويَفتحوها (40) مرَّةً، ثم يبسطوا أكفَّهم ويقبضوها أربعين مرَّةً مع العدِّ، ثم يبسطوا ذراعهم ويثنوه أربعين مرةً مع العدِّ، وحينها يتدفَّق الدم بسرعةٍ في عروقهم، وتسخن أجسادهم، فأصل بهم إلى برنامجٍ من التمارين الرياضيَّة المتنوِّعة المثمرة بفضل بداياتٍ سهلة، ولو كانتْ طرفة عين مكررة.
وفي مجال الاستيقاظ من النوم – مع لذَّته في الشتاء البارد – كنتُ أرضى من أولادي أن يزيلوا الغطاء فقط، ثم أطلب منهم أن يبدِّلوا جنبهم الذي ينامون عليه، فإذا أفاقوا قليلًا طَلَبْت منهم الجلوس، ثم القيام للوضوء. ومن عادتي حين تستعصي عليَّ نفسي وتثقل عن تلبية نداء الصلاة أن أزيل مِن أمامها العقبة، والعقبة الكبرى المانعة من الصلاة هي تكاليف الوضوء؛ فكنتُ أحتال لذلك، وأضع طبقًا أو طستًا، وأقوم بالوضوء وأنا جالس مِن أقرب قارورة ماء للشرب تطولها يدي، فكنت أضرب الكسل في مقتلٍ، وأحارب التواني بالحيلة، فإذا توضأت النفس نشطَتْ وقامت إلى الصلاة.
وفي مجال الشِّعر كنتُ أقنع الموهوبين من الشباب بأنَّ الشاعر هو مَن يكتب قصيدةً من بيتٍ واحدٍ بشرط أن تكتمل فيه مقومات الصَّنْعَة، ويبتعد عن التكلُّف، فكانوا يعرضون عليَّ قصائدَ من بيتٍ واحد متقَن ومجوَّد، فأقول لهم هكذا كان الشافعي يكتب قصيدةً من بيتين أو بضعة أبيات، ثم لا يلبث الشباب أن تتوالد أبياتُهم، ويبُثّ الله في هممهم أبياتًا كثيرةً.
وفَّقني الله وإياكم إلى استخراج رخصةٍ لقيادةِ نفوسِنا بلا حوادث ولا صدمات إلى جنَّات النَّعيم مع الصدِّيقين والشهداء والصالحين.
إنَّ الخبيرَ بطبائع النفس البشريَّة لا شك أنه يُعاني في قيادتِها إلى المعالي والمكارم، وهي تجاذبه إلى التسفُّل والمآثم.
ولهذا العناد مِن جانب النفس البشريَّة ردَّةُ فِعلٍ تختلف باختلاف البشر وثقافاتهم؛ فالبعض أَخَذَتْه الأَنَفة والحميَّة مِن تمرُّد نفسِه عليه واستعصائها على أمره وهي بين جنبَيْه، فقرَّر أن يقودها إلى المعالي موثقةً بالحبال، وأن يسومها سوء الوبال، ولا يترك للرِّفق بها مجالًا، والبعض رأى أنَّ قسوتَه على نفسه ثقيلةٌ فتحلَّل مِن كلِّ قيد، واحتال للتفسُّخ كلَّ حيلة، غير أنَّ العقلاء من البشر كانتْ لهم النظرةُ الحكيمة والرياضة الرحيمة، فحدوا نفوسهم رويدًا رويدًا إلى عزِّها بلا معارك أليمة، ولا خسائر جسيمة، فتربَّعت نفوسُهم على قمم الجبال وهي ترفل في مجاهدةٍ يغلِّفها الدلال؛ فكانت نفوسهم كحصان جامح هائج في الفلاة لا تزيده المطاردة إلا شُرودًا، فتناولوا حزمةً من حشائش الأرض وقرَّبوها إليه وهم يغنون ويتدلَّلون، حتى أتى إلى الشكيمة بقدميه، وأدخل رأسه إلى اللجام وهو فرح يهُزُّ أذنيه، فتوصَّلوا إلى غايتهم بالدَّلال، ونالوا بغيتهم بالاحتيال.
وقد كان سيد البشر صلى الله عليه وسلم في الذروة العالية من هذه الحكمة؛ أليس هو القائل: ((إنَّ المُنبتَّ لا أرضًا قَطَعَ ولا ظهرًا أبقى))، وهو القائل: ((فسدِّدوا وقاربوا وأبشروا))، والذي أرمي إليه من تلك المقدِّمة هو: التطبيق العمليُّ لصورٍ من تدليل النفس والرفق بها حال الرغبة في الرُّقيِّ بها وتربيتها، وقد كنت دائمًا ما أدلُّ طلابي على البدايات السَّهلة؛ ففي مجال الخطوط العربية كنتُ أجعلهم يبدؤون بثلاثةِ أحرفٍ متشابهةٍ، ثم جملة ذات كلمات قليلة، إلى أن يتوصَّلوا إلى الإتقان والإحسان.
وفي مجال الرياضة كنتُ أُشجِّع الكسالى القابعين خلْفَ شاشات الحواسيب أن يغمضوا أعينهم ويَفتحوها (40) مرَّةً، ثم يبسطوا أكفَّهم ويقبضوها أربعين مرَّةً مع العدِّ، ثم يبسطوا ذراعهم ويثنوه أربعين مرةً مع العدِّ، وحينها يتدفَّق الدم بسرعةٍ في عروقهم، وتسخن أجسادهم، فأصل بهم إلى برنامجٍ من التمارين الرياضيَّة المتنوِّعة المثمرة بفضل بداياتٍ سهلة، ولو كانتْ طرفة عين مكررة.
وفي مجال الاستيقاظ من النوم – مع لذَّته في الشتاء البارد – كنتُ أرضى من أولادي أن يزيلوا الغطاء فقط، ثم أطلب منهم أن يبدِّلوا جنبهم الذي ينامون عليه، فإذا أفاقوا قليلًا طَلَبْت منهم الجلوس، ثم القيام للوضوء. ومن عادتي حين تستعصي عليَّ نفسي وتثقل عن تلبية نداء الصلاة أن أزيل مِن أمامها العقبة، والعقبة الكبرى المانعة من الصلاة هي تكاليف الوضوء؛ فكنتُ أحتال لذلك، وأضع طبقًا أو طستًا، وأقوم بالوضوء وأنا جالس مِن أقرب قارورة ماء للشرب تطولها يدي، فكنت أضرب الكسل في مقتلٍ، وأحارب التواني بالحيلة، فإذا توضأت النفس نشطَتْ وقامت إلى الصلاة.
وفي مجال الشِّعر كنتُ أقنع الموهوبين من الشباب بأنَّ الشاعر هو مَن يكتب قصيدةً من بيتٍ واحدٍ بشرط أن تكتمل فيه مقومات الصَّنْعَة، ويبتعد عن التكلُّف، فكانوا يعرضون عليَّ قصائدَ من بيتٍ واحد متقَن ومجوَّد، فأقول لهم هكذا كان الشافعي يكتب قصيدةً من بيتين أو بضعة أبيات، ثم لا يلبث الشباب أن تتوالد أبياتُهم، ويبُثّ الله في هممهم أبياتًا كثيرةً.
وفَّقني الله وإياكم إلى استخراج رخصةٍ لقيادةِ نفوسِنا بلا حوادث ولا صدمات إلى جنَّات النَّعيم مع الصدِّيقين والشهداء والصالحين.