نحتاج جميعا إلى شيء من الأنانية لنكون سعداء، قد تدهشنا هذه العبارة كوننا ننظر للأنانية على أنها صفة مذمومة لا تترك خلفها سوى مشاعر قاسية أساسها الحقد والغيرة والكراهية لذلك فمن الصعب أن نجعلها سببا من أسباب السعادة، لكننا إذا فكرنا قليلا سنجد أننا لا نستطيع أن نكون معطائين دائما ليس لأننا نسأم ذلك بل لأن حياتنا ستكون متعبة ينقصها جانب مهم وهو الرضا الذاتي الذي يمنحنا الفرصة للاهتمام ولو قليلا بأنفسنا.
تفكيرنا المستمر بالآخرين والذي لا يتوقف لاعتقادنا الخاطئ بأننا مسؤولون عن إسعادهم يدفعنا إلى إهمال ذواتنا والتغاضي عن كل ما نحتاجه لدرجة أننا قد نتخلى عن أهدافنا من أجل إرضاء الآخر دون أن نضع في الحسبان أنه من الممكن أن يخذلنا متجاهلا عمق الجرح الذي سيسببه، والذي سيبقى ينزف ليذكرنا كم كنا مخطئين عندما قررنا أن نضحي بكل ما من شأنه أن يسعدنا ويريحنا فقط لنلمح في أعينهم ذلك البريق الذي يمتلك قدرة خفية على تبديد الحزن في دواخلهم وتحويله إلى فرح لا ينتهي.
نخطئ كثيرا عندما نتجاهل أنانيتهم المفرطة والتي تدفعهم إلى الاستئثار بكل شيء دون أن يفكروا في تقديم المقابل، معتقدين أن ذلك حق مشروع لهم لا يستطيع أحد أن ينتزعه منهم فهم ببساطة لا يهتمون سوى بمصلحتهم حتى لو كانت ستؤذي الآخر وتضايقه، هذا النوع من الأنانية يفقدنا القدرة على العطاء، فنحن قد نعجز أحيانا عن تقديم التنازلات باستمرار لمن لا يستحقون تضحيتنا لذلك نضطر لوضع حد للتخفيف من تلك الأنانية التي تسلبنا إحساسنا بالراحة والهدوء، محاولين تعويض أنفسنا عن كل ما فاتها من فرص أضعناها بسبب عطائنا اللا محدود فهناك الكثير من الأشياء التي لا ننتبه لها ليست لأنها لا تعني لنا شيئا بل لأننا كنا مشغولين في إسعاد من نحب، كل ما يهمنا هو أن ننجح في رسم الابتسامة على ملامحهم حتى لو كان ذلك على حساب مشاعرنا وأحلامنا واهتماماتنا.
وحتى لا نستمر في اضطهاد ذواتنا ونسيانها كليا فعلينا أن نهتم أولا بأدق تفاصيل حياتنا لنعِ جيدا ما نريد ونبدأ في تحقيقه، لأن ذلك سيمنحنا الشعور بالرضا الداخلي الذي يخلصنا من القلق وسنلمس كمية السعادة التي ستتسلل إلى أعماقنا لنتمكن من منحها للآخرين، هي عملية موازنة بين ما نريده نحن وما يريده الآخرون منا تترجم بصدق رغبتنا في تطبيق العدل واتخاذه منهج حياة نسير عليه، لكي لا نظلم أنفسنا ونظلم من نحب نظرتنا المنصفة لاحتياجاتنا واحتياجات الآخرين تساعدنا على إنجاز كل ما نطمح إليه مع التفكير بمصلحة الآخر، والسعي إلى إنجاحه وإعانته على تحقيق أحلامه.
لا أحد منا يريد أن يعترف بأنه أناني لما لهذه السمة من سلبيات مدمرة قادرة على هدم علاقتنا بأقرب الناس إلينا، لكن رغم ذلك نحن نعلم جيدا أن في داخل كل شخص منا خليطا من المشاعر المتضاربة التي تتفاوت في نسبها، ربما لأننا لا نستطيع أن نكون سعداء بالمطلق أو أنانيين بالمطلق لهذا السبب قد تجتمع فينا كل تلك المشاعر دون أن نشعر.
تفهمنا الجيد لشخصيتنا والانسجام مع حقيقة مشاعرنا يجعلنا أقدر على التعاطي مع ذواتنا بصدق ووضوح، متجاوزين كل الظروف التي من شأنها أن تفسد علاقتنا بالآخر وتحولها إلى مشاحنات لا تنتهي أحيانا قد تغيب عن أذهاننا نقطة جوهرية وهي أن سعادة الآخرين تنبع من سعادتنا، والسبب هو أننا لا نستطيع أن نفرح قلوب من نحب ما لم تكن نفوسنا راضية مطمئنة بأن أحلامها سترتقي لتصبح حقيقة.
لذلك قد تسيطر علينا في بعض الأحيان مشاعر الندم القاسية التي تستنكر تلك الرغبة الشديدة في تقديم المزيد من التنازلات فقط من أجل إرضاء أشخاص قد نسيء اختيارهم، كونهم يفضلون التفرد بكل شيء دون مراعاة لحقوق الآخر قدرتنا على التعامل بواقعية مع متطلباتنا ومتطلبات الآخر، تساعدنا كثيرا في تخطي دور الضحية والخروج من ذلك الإطار الذي نحاول أن نحصر أنفسنا داخله، معتقدين أنه بهذه الطريقة ستقدر جهودنا وسنستحق الاحترام.
كل ما يلزمنا للتخلص من ذلك الدور شيء من الأنانية لاستعادة أنفسنا والاهتمام باحتياجاتها لكن دون أن نتجاهل احتياجات الآخر ورغباته.