ان هذا العصر الذي اقترن بالتطور والتكنولوجيا كتب عليه للآسف ان يكون أيضا عصر الادمان والمدمنين . وقد أصبحت المخدرات من أخطر الأوبئة التي تهدد المجتمعات البشرية في العصر الحاضر حيث دلت الإحصائيات الرسمية الصادرة عن الهيئات المتخصصة على ان هذا الوباء سجل بالفعل تهديدا لكيان المجتمعات وساهم في عرقلة مسيرة البناء والتطوير والتقدم في كل المجالات.. وقد احتلت مشكلة الادمان الصدارة بين المشكلات الاجتماعية والصحية على الصعيد العالمي في تاريخ قريب (منذ منتصف الستينات الميلادية) وتبلور الاهتمام بها في عدد من المجتمعات العربية بدءا من منتصف السبعينات وعن مفهوم العلمي للإدمان فهو ظاهرة تجمع بين كونها مظهرا من مظاهر اضطراب الشخصية وبين ارتباطها بتأثير كيميائي سام على المخ وباقي أعضاء الجسم- ويعرف الادمان على أنه التعود النفسي والجسدي على عقار معين بحيث يؤدي سحبه الفجائي الى أضرار نفسية وجسمانية خطيرة- وقد تكون لهذه المادة القدرة على التدخل في التركيب الكيميائي لخلايا الجسم بحيث لا يستطيع الجسم الاستغناء عنها . وقد قامت لجنة من خبراء الادمان التابعة لمنظمة الصحة العالمية باستبدال كلمة إدمان أو تعود بمصطلح اشمل وأعلم هو( الاعتماد على العقار) .. وقد أمكن تصنيف العقاقير التي يساء تعاطيها وفق طرق عديدة فبعض هذه التصنيفات جيدة لأغراض البحث وبعضها اكثر فائدة من الناحية السريرية وفيما يلي اكثر هذه التصنيفات قبولا.
المجموعة الأولى :
مثبطات الجهاز العصبي المركزي وهي المواد التي تسبب خمودا في نشاط المخ ويندرج تحت هذه المجموعة (الكحوليات- الافيونات – المنومات – والمهدئات – المواد الطيارة أو المذيبات العضوية)
المجموعة الثانية :
منبهات الجهاز العصبي المركزي وهي المواد التي تنشط خلايا المخ وتؤدي الى الهياج والارتباك ويندرج تحتها (الكوكايين – الامفيتامينات – القات – النيكوتين – الكافيين)
المجموعة الثالثة :
المهلوسات وهي مواد تيسر الاتصال بين خلايا المخ مما يؤدي الى اضطراب في الإدراك الحسي وحالات شبيهة بالجنون ويندرج تحتها(الحشيش وعقاقير الهلوسة).
وتختلف طرق الاستعمال من مادة الى مادة فبعضها يستعمل بالمضغ أو التدخين وبعضها بالاستنشاق أو الحقن مما ينتج عنه تغيب العقل ويؤدي الى الادمان. وعلى الرغم من قوله تعالى ” ولا تقتلوا أنفسكم ان الله كان بكم رحيما” .. وقوله تعالى ” ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة ” الا أن زحف المخدرات والإدمان اخذ في الانتشار السريع من بلد الى بلد. ولعل أهم الأسباب التي ساعدت على ذلك :-
أولا : وجود المخدرات بوفرة في كل مكان وسهولة الحصول عليها..
ثانيا: اختلاط السويين من الناس بالمدمنين ومصادقتهم خصوصا صغار السن والمراهقين وطلاب الجامعات خاصة وأن هؤلاء لم تنضج شخصيتهم بعد وكثيرا منهم يتعرض للشعور باليأس والضياع في هذه المرحلة من العمر (مرحلة الهوية والبحث عن الذات) وقد يعانون من التوتر والقلق النفسي في هذه السن مما يدفعهم لتجريب المخدرات بقصد الهرب من واقعهم والانتقال الى عالم سحري ينسى فيه المرء بؤسه وتعاسته وللأسف فهذا التأثير المؤقت قد يكون كابوسا مزعجا وقد يكون مصحوبا بشتى الآلام والمعاناة .. ثم بعد زوال تأثير المخدر يعود ليرى نفسه في ضياع وشقاء أكبر لان هذا التأثير جعله يسبح في بحر من التخيلات بعد أن جرده من أخلاقياته التي شب عليها مثل الكوابح الاجتماعية والأخلاقية فتتغلب عليه جميع الغرائز المكبوتة والرغبات العدوانية والجنسية فينكب على الأفعال التي يعاني من كبتها بافتعال التصورات المحرمة عليه أو المحروم منها أو الصعبة المنال.
ثالثا: حب الاستطلاع وهو يعتبر من أخطر العوامل التي تدفع الشخص الى الادمان نتيجة الجهل بالعواقب وما يزينه الآخرون من أقوال حول متعة تجربة المخدر فينساق ضعاف الشخصية الى استعماله وقد يقترن استعمال المخدرات بخطأ شائع عن فوائدها الوهمية في حقل الطفولة والرجولة ولكن التجارب دلت على عكس ذلك تماما فالمخدرات تدمر وتضعف القدرة الجنسية عند الرجال وتؤدي بهم الى تأنيث الجسم ومن أهم المظاهر والعلاقات التي تدل على إدمان الشخص. الميل الى الخروج كثيرا من المنزل وعادة يكون له أصحاب جدد غير معروفين من قبل- يبدو شارد الذهن ولا يجيد الإصغاء للأحاديث التي توجه له وتكون نظراته غريبة وحادة مع احمرار العينين- وتبدو عليه مظاهر الملل والانطواء واللامبالاة والتبلد – ويصبح لا يثق بأحد – أناني ولا يستطيع القيام بآي مسئولية – مماطل وكذوب ضعيف الشخصية مرتبك ولا يتهم بمظهره.. وقانا الله وإياكم شر هذه المواد الخبيثة التي تفتح كل أبواب الرذيلة على مصراعيها وتصنع من الانسان خيالا يفقد القدرة على التمييز بين الخير والشر وبين الحق والباطل فيتحول الى شخص شاذ السلوك منعدم الضمير قذر المظهر ويفقد التفكير في مستقبله وفيما حوله وفيمن يعيلهم وبالإضافة الى هذا التدهور العقلي والنفسي يصيب المدمن الكثير من الأمراض العضوية التي تأتي على قلبه وكبده وجميع أجهزة الجسم الأخرى – وزيادة على ذلك ما يحدث من التدهور الاجتماعي والاقتصاديوالسري.. ومن هذا المنطلق حرم الله عز وجل في كتابه الكريم المخدرات مصداقا لقوله تعالى ط وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما احسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض ان الله لا يحب المفسدين ” (القصص 77) .. ولنتأكد جميعا من أن فرصة العلاج ما زالت متاحة امام المدمن كل ما هو مطلوب منه الرغبة الصادقة في الشفاء وإنقاذ نفسه من الهلاك – ويتم علاج المدمن في جميع مراكز علاج الادمان في المستشفيات النفسية والعامة ويتلخص العلاج في 5 خطوات – العلاج الطبي الكيميائي – العلاج النفسي – العلاج الديني – العلاج بالعمل والتأهيل الاجتماعي – المتابعة والاهم من هذا كله هو الالتزام بالقول القديم والحديث..
الوقاية خير من العلاج :-
فعلى الوالدين الاهتمام بعطاء الأبوة والأمومة الرشيدة التي تفي بحاجات الأبناء النفسية حتى يشعروا بالطمأنينة ويجدوا من يساعدهم ويشد أزرهم تجاه المواقف التي لا يتحملونها حتى لا يقعوا ضحايا لليأس وإدمان المخدرات – كما يجب الرقابة على الأبناء ومعرفة ماذا يقرءون ومن يصادقون وأين يقضون أوقات فراغهم وعلى الأسرة أيضا أن تعمل جاهدة على تنمية قدرات وهوايات الشباب مثل ممارسة الرياضة – ودراسة اللغات – الرسم -القراءة – تعليم الكمبيوتر – أو الأعمال الفنية المفيدة.
ويجب أيضا تشجيع الحملات الإعلامية من اجل التوعية الصحية وتثقيف المواطنين بخطورة المخدرات ومكافحة الادمان .