الأحد 24 نوفمبر 2024 / 22-جمادى الأولى-1446

المستأثرون بالإخلاص…!



قعَدوا على شط الديانةِ ما لهم/ إلا التتبعُ بالقنا والنارِ..! أوَ مخلصونَ تراهمُ وكفاحهم/ ما بين إعلانٍ وبعض ثمارِ؟! ومصنِّفون ومخلصون ودأبُهم/وكلاء للإخلاص والإيثارِ

الإخلاص لب الأعمال ومنطلقها ومعيار قبولها وفسادها . وقد عرفه سهل بن عبدالله التُستَري رحمه الله:( أن يكون سكون العبد وحركاته لله تعالى خاصة ). وقيل هو ( تفريغ القلب لله تعالى ).

وهو عمل قلبي لا يعلمه إلا الله، ولكنه قد ينعكس على الجوارح تعبدا ونورا وهضما للنفس، وليس يعني وعيه. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بيان أهمية أعمال القلوب في مجموع الفتاوى : ( وهي من أصول الإيمان وقواعد الدين، مثل محبته لله ورسوله، والتوكل على الله، وإخلاص الدين لله، والشكر له والصبر على حكمه، والخوف منه، والرجاء له، وما يتبع ذلك ).

وكان السلف أكثر اجتهادا في تحصيله والحرص على مقوماته، والبعد عما يضاده كالشهرة والإخبار والذيوع القاتل ..!

قال بشر بن الحارث رحمه الله:( ما أعرفُ رجلاً أحبَّ أن يُعرَفَ إلا ذهب دينه، وافتُضِحَ أمرُه)، وقال أيضاً: (لا يجدُ حلاوةَ الآخرةِ رجلٌ يحبُّ أن يعرفَه الناسُ ).

لكن أن ينبري بعضنا في تقييم الناس ونقدهم، والتشقيق عما في قلوبهم،،، فهذا المحظور وما يُخشى على المتدين العاقل منه . قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ( ‏والله إن العبد ليصعبُ عليه معرفة نـيته فـي عمـله، فكيف يتسلط على نيَّات الخلق )!

مهما كان علمك وعملك فلا تكن وكيلا على بني آدم في الإخلاص وتصويب الأعمال ،

كقول بعضهم: جهد بلا إخلاص، مبتغ للشهرة، طلاب مناصب، حريص على المدح، الشو الإعلامي، ماذا معه إلا الجعجعة ، صاحب دنيا، وأشباهها مما يطلق جزما وقطعا…!

ولذا قال الجُنيد رحمه الله: ( الإخلاص سر بين الله وبين العبد ، لا يعلمه ملَك فيكتبه ، ولا شيطان فيفسده ، ولا هوى فيميله ).

وهل قُبلنا وجُزنا القنطرة حتى نصبح حكاما على الآخرين، ؟! وهل نجونا من غائلة الذنوب حتى نتكلم بألسنة الصفاء والنزاهة..؟!

ومع وسائل التواصل الاجتماعي تعاظمت التهم، واتسع الانتقاد، واستشنعت الطعون، بسبب التصوير وإخبار الدعاة وبعض المؤثرين عن مناشطهم .

هنا طائفة تسمى من الآن (المستأثرين بالإخلاص)، فهم حكامه وأربابه وحجابه يقسمونه في الخلائق ويشهدون فيه شهادة العارفين الحاذقين..!! عجبتُ والله ممن قَص أو حكما// يقسّم الناس أطيافاً وقد رسما ..!

وحينما يشهد إخوة يوسف عليه السلام بالظاهر، ويعتذرون عما وراء ذلك( وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنّا للغيب حافظين ). سورة يوسف. فصاروا هم عالمين بالنفوس، مدركين للغيب…!

وهل يصح ذلك من داعية واعٍ، أو متدين صادق،،! لأن العلم والصدق ينفيان حصول ذلك إلا للأنبياء… ولا وحي بعد رسول الله .

ومن المؤسف أن جانبا غير قليل من النقد الدعوي ينال من النيات والمقاصد الخفية، والتي لا يعلم حقيقتها إلا الله تعالى . يا أيها الناقدُ البحاث وا أسفى/ على التدين لم ترجع ولم تلِنِ

فتوثيق الداعية لحسابه أو إعلان موقعه، أو صور محاضرته ووضع دعوات عليها باتت تهمة عند بعض الطاعنين والجراحين…! وجزم بها بعضهم في غياب الإخلاص..!

والعجيب تلذذ بعضهم بذلك واستغلالها فرصة للنيل والتحذير والتثبيط العلمي والدعوي .

والمنهج السني إحسان الظن بالناس، وعدم تتبعهم، أو فحص مقاصدهم ، قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنِّي لم أُومر أنْ أنقُبَ عن قُلُوبِ الناسِ ، وَلا أَشقَّ بطونَهم ) . أخرجاه . قال النووي رحمه الله ( ومعناه أنك إنما كُلفت بالعمل بالظاهر وما ينطق به اللسان , وأما القلب فليس لك طريق إلى معرفة ما فيه..)

وأضحى التعيير بالإخلاص، تهمة سهلة يستعملها الكسالى والقَعدة والناقمون والمحتقنون، ليسوغوا كسلهم أو هزالهم، أو انعزالهم، أو تخلفهم ، حتى يشتفوا من أناس – لا نقول- صالحين- ولكن نقول: الله أعلم بحالهم..

ونص ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) كافٍ في زجر أولئك، وأن النيات والسرائر شأنها وعلمها إلى الباري جل وعز..!

والنبز القطعي بعدم الإخلاص حكم بالنفاق وتشقيق داخلي، لا تدري كيف وصل إليه هؤلاء ، وفيه ما يشبه الحكم بالفساد وسوء خاتمة ذلك المنتقد، وهي مقدمة سيئة في الافتئات على الله في مصائر الناس .!!

وهي لا تقل خطرا عن ذلك الصالح المجتهد الذي قال في أخيه المذنب المقصر ( والله لا يغفر الله لك ) فقال الله: (اذهبوا به إلى النار، وقال للمقصر: (أدخل الجنة برحمتي) ، فقال الراوي أبو هُريرة ( قال كلمة أوبقت عملَه) كما في المسند وهو حديث صحيح .

ونشر الداعية صورا أو تجاوزات روحانية- برأيك- لاتسوغ الاتهام، والأحكم المناصحة بلطف وحكمة، وليس التشهير التويتري..! وإبقاء مساحة للود والتآلف، لأن ربما له رأي آخر، واجتهاد خاص به .

وبعضهم يعدها كالرموز والمشاهير، نوعا من التحدث بنعمة الله أو حض الآخرين، أو توثيقا إعلاميا ليس إلا، ويلتزم الاعتدال في ذلك..!

والمعتمد هنا: عدم التدخل في القلوب وتنقيب النيات، وترك الخلق للخالق في مقاصدهم وطواياهم ، فإن لنا الظاهر والله يتولى السرائر .

وغالبا ما يكشف هؤلاء الاستعجال أو التحامل أو الحسد والهوى النفسي، أو الشعور بالنقص، وتفوق الآخرين . فتعرف أن وراء الأكمة ما وراءها …!

وتتزعمه غالبا ثلاث طوائف: متدينة آلمها بروز أولئك، ومنحرفة تهوى إسقاط الرموز، وغاصة بالدعوة، ورَعاع لا في العير ولا في النفير..!

وعليه لا يُقبل كلام كل ناقد إذا بان تحامله، ولو كان رمزا لا سيما بين الأقران . قال مالك بن دينار رحمه الله : ( يؤخذ بقول العلماء والقراء في كل شيء، إلا قول بعضهم في بعض ، فإنهم أشد تحاسداً من التيوس، تنصب لهم الشاة الضارب ، فينب هذا من ههنا وهذا من ههنا) !! هدانا الله وإياكم لأحسن الأقوال والأفعال،،، إنه جواد كريم.

 

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم