نعم ليس ذلك ادعاء فقد كشفت نتائج تحاليل للعاب مجموعة من الطلبة لا سيما الذين شاركوا في خدمة الفقراء المرضى، عن وجود زيادة واضحة في بروتين المناعة من النوع “أ” وهو مضاد حيوي يلعب دوراً مهماً في تغلب الجسم على الميكروبات التي تصيب الجهاز التنفسي.
وأردفت هذه الشهادة بشهادات من مجموعة من الأبحاث الحديثة في علوم المناعة، أكدت أن الاندماج في المجتمع وعمل الخير والعطاء والإيثار أكثر نفعاً لصاحبها من المستفيد نفسه، وصدق الله تعالى: {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ} [سورة البقرة 2/272]. بل أكدت هذه الأبحاث أن أداء الأعمال الخيرية أحد عناصر العلاج التي يصفها الأطباء للمرضى في المستقبل.
وليس أمام أحدنا إلا أن يخوض هذه التجربة بشكل مبسّط في البداية، ليركبْ سيارته، وليشترِ بعض الفواكه والعصائر والحلويات والألعاب، بقدر استطاعته، ليس مهماً الكمية هنا نهائياً، ويذهبْ بها إلى حي من أحياء الفقراء، ويوزعها وهو يتملى ابتسامات الفقراء، ويهنأ بدعوات المحتاجين، ويستمتع بضحكات الأطفال،
سيعود ـ بإذن الله ـ أكثر سعادة، وأوسع صدراً، وأكثر انشراحاً، بل أطول عمراً، بإذن الله تعالى، فقد روى ابن عباس «رضي الله عنهمـا» بسند صحيح، عن النبي صلى الله عليـه وسلم قال:«مكتوب في التوراة من سرّه أن تطول حياته ويُزاد في رزقه فليصل رحمه»، فعمل الخير يزيد في العمر بركة وأثراً بعد الممات، وقد يزيد في أيامه بما يمحو الله ويثبت «جل جلاله»، مع الاختلاف الكبير في هذا الأمر بين علماء الشريعة.
وقد تبيّن ـ بالعلم التجريبي ـ أن حث مريض الضغط النفسي على البذل والعطاء يساعده بالفعل في التغلب على مشكلته، ويمكن أن ينشأ هذا الشعور بالدفء العاطفي من إفراز مادة “الأندروفين” التي يفرزها المخ عند الإحساس بالراحة النفسية.
وأكد العلماء أيضاً أن أعمال الخير والأفعال الطيبة يمكن أن تعود على الجهاز المناعي للجسم بعظيم الفائدة، حيث يرتبط الجهاز المناعي للجسم مع حالة استقرار النفس برباط وثيق، إذ تربط الموصلات العصبية بين المخ ونخاع العظام.
كما يقوم الطحال أيضاً – عقب الارتياح النفسي بعمل الخير – بإنتاج خلايا مطلوبة لحماية الجسم ضد الغزو الميكروبي مثل مادة “تفتسين”، ولذا فقد صار الاتجاه الحديث هو محاولة قيام المرضى بمساعدة الآخرين والعمل من أجلهم تحسيناً لأحوالهم النفسية، ومن ثم العضوية، وبالتالي تقوية قدرة الجهاز المناعي لديهم.
وكلما كانت هذه الأعمال الخيرية لا تنتظر الشكر ولا التقدير من الناس كانت أكثر أثراً طيباً في صاحبها، هذا ما أكده الدكتور “أورنيسن” أن أداء الأعمال الخيرة للغير بدون مصلحة منتظرة يعجّل بشفاء المريض، ويساعده على التئام جراحه النفسية والجسمية؛ لأن الإيثار هو أمر له آثاره الإيجابية، تماماً مثل مراقبة النظام الغذائي للمحافظة على الصحة، قال الرسول «صلى الله عليه وسلم» في الحـديث الحسن: “داووا مرضاكم بالصدقة”.