الحمد لله ذِي الفضل والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له الملِك العلاّم، وأشهد أنّ نبيّنا محمّدًا عبده ورسوله سيّد الأنام، اللهمَّ صلِّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ما تعاقبتِ الدهور والأعوام.
وبعــد:
لقد كتب الله على نفسه الرحمة، ونشر رحمته بين العباد، وجعلها واسعة بفضله حتى وسعت كل شيء، يقول سبحانه: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156]، ومن رحمته جل وعلا بنا أن جعل لنا مواسم ونفحات تُضاعف فيها الحسنات، وتزداد فيها الدرجات، ويستدرك العبد بها ما فات، فالسعيد من تنبه لها، واستفاد منها. والشقي من غفل عنها، وضيّع نفسه.
ومن هذه المواسم المباركة أيام عشر ذي الحجة أفضل أيام الدنيا، فأيامها أفضل من أيام رمضان وليالي رمضان أفضل من ليالي ذي الحجة على الصحيح من أقوال أهل العلم.
إنها أيامٌ: أقسم الله بها ولا يقسم ربنا إلا بعظيم من المخلوقات أو الأوقات، قال تعالى: ﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ [الفجر: 2]، وهي عشر ذي الحجة كما قال أهل التفسير.
إنها أيامٌ: فيها الأيام المعلومات التي أمرنا الله أن نذكره فيها، قال عز وجل: ) وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ( ]الحج: من الآية 28[. قال ابن عباس رضي الله عنه: “أيام العشر”.
إنها أيامٌ: تجتمع فيها العبادات ولا تجتمع في غيرها، فهي أيام الكمال، ففيها الصلوات كما في غيرها، وفيها الصدقة لمن حال عليه الحول فيها، وفيها الصوم لمن أراد التطوع، أو لم يجد الهدي، وفيها الحج إلى البيت الحرام ولا يكون في غيرها، وفيها الذكر والتلبية والدعاء الذي تدل على التوحيد، واجتماع العبادات فيها شرف لها لا يضاهيها فيه غيرها ولا يساويها سواها.
إنها أيامٌ: فيها يوم عرفة، وهو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة. وهو يوم مغفرة الذنوب، والتجاوز عنها، والعتق من النار، والمباهاة بأهل الموقف، ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة».
إنها أيامٌ: فيها يوم النحر، وهو اليوم العاشر من ذي الحجة، وهو أفضل الأيام كما في الحديث: «أفضل الأيام يوم النحر» [رواه أحمد وأبو داود بسند صحيح]. ، وفي يوم النحر معظم أعمال النسك للحجاج من رمي الجمرة، وحلق الرأس، وذبح الهدي، والطواف والسعي، وصلاة العيد، وذبح الأضحية.
إنها أيامٌ: يهتف فيها الناس من كل أجزاء الأرض “لبيك اللهم لبيك“، إنها أيام تلبية لله، أيام يقول كل العباد بسان حالهم : “أتينا يارب، مقبلين يارب، تائبين يارب، معظّمين لك يارب.
إنها أيامٌ: العمل الصالح فيها أحب الى الله، فقد صح فيها حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْء». [أخرجه البخاري ومسلم].
إنها أيامٌ: للعامل فيها ثواب المجاهدين يقول صلى الله عليه وسلم : «ما من عمل أزكي عند الله ولا أعظم أجرًا من خيرٍ يعمله في عشر الأضحى، قيل يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْء» [صحيح الترغيب والترهيب «1148»].
إنها أيامٌ: لمن يشعر أن الله غاضب عليه، فلو أن واحدًا منا كان مدير العمل عنده غضبان منه سيقول لنفسه: ما هو أكثر يوم مناسب لكي أُصالحه فيه؟!،وما هي أحبّ هدية هو يريدها؟
هذه هي عشر ذي الحجة. . . . أحب الأيام الي الله، فبادر إلى مصالحة ربك بأحب الأعمال إليه.
في هذه الأيام فرصة عظيمة من أجل أن يبادر كل واحد منا لكي يصالح ربه ويسترضيه .
يامن فاته اغتنام رمضان: الباب لم يُقفل !! فلا تيأس فإن أبواب رحمة الله لن تُغلق، الكنوز والحسنات لن تُغلق، أبواب خزائن الله لن تُغلق، أبواب السماء أمام دعائي ودعائك لن تُغلق، أتى موسم عظيم للعبادة مرة أخرى.
إنها أيامٌ: كان سلفنا الصالح يعظمونها ويقدرونها حق قدرها، قال أبو عثمان النهدي كما في لطائف المعارف: «كان السلف ـ يعظّمون ثلاثَ عشرات: العشر الأخير من رمضان، والعشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأول من المحرم». وقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: «كان يقال في أيام العشر: بكل يوم ألف يوم، ويوم عرفة بعشرة آلاف يوم»، يعني في الفضل، وروي عن الأوزاعي أنه قال: «بلغني أن العمل في يوم من أيام العشر كقدر غزوة في سبيل الله، يصام نهارها ويحرس ليلها، إلا أن يختص امرؤ بالشهادة».
يا له من موسم يُفتح للمتنافسين و يا له من غبنٍ يحق بالقاعدين والمعرضين، فاستبقوا الخيرات وسارعوا إلى مغفرة من الله وجنةٍ عرضها السماوات والأرض، وإياكم والتواني، وحذار من الدعة والكسل.
إنها أفضل أيام الدنيا: أفضل أيام الدنيا، يعني أفضل صلاة فجر سوف تصليها طوال السنة، يعني أفضل جلسات ضُحى ستقعدها طوال السنة، يعني أفضل تلاوة قرآن وذكر لله ستذكره طوال السنة، أفضل أيام الدنيا يعني أفضل صيام نافلة ستصومه طوال السنة.
هذه أحب الأيام إلى الله في العبادة يعني لن يأذن الله لأحد يعبده فيها إلا أحب العباد إليه سبحانه؛ بمعني لو أردت أن تعرف. . . هل ربنا يحبك أم لا؟
انظر. . . . هل سيفتح الله عليك في العبادة فيها أم لا؟
تريد أن تعرف كم يحبك الله؟ ؟
انظر لربك كم سيُفتح عليك في العبادة في هذه الأيام؟!
أخي الحبيب أختي الحبيبة: لكي تفوزوا بهذه الأيام عليكم بعشر:
من أجلِّ الأعمال الصالحة التي تشرع في هذه العشر أداء مناسك الحج الذي أوجبه الله تعالى على كل مسلم قادر تحققت فيه شروط وجوبه، قال صلى الله عليه وسلم : «من حجَّ هذا البيتَ فلم يرفث ولم يفسُق رجع من ذنوبه كيوم ولدَته أمُّه» [متفق عليه]، ويقول صلى الله عليه وسلم: «تابِعوا بين الحجِّ والعمرة؛ فإنّهما ينفيان الفقر والذنوبَ كما ينفي الكير خَبثَ الحديدِ والذّهب والفضَّة، وليس للحجّة المبرورةِ ثوابٌ إلاّ الجنّة» [رواه الترمذيّ والنسائي وسنده صحيح ].
أخي الحبيب: يا من حُرمت الحج هذا العام وكلنا شوق. . . . وشوقاه إلى البيت العتيق، وشوقاه إلى الطواف، وشوقاه إلى عرفات، وشوقاه إلى زمزم.
إلى من يرغب في الحج ولم يقدر ليكون من وفد الحجاج هذا العام بين يديك ثلاث فُرص للحج:
الفرصة الأولى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
« من صلى الغداة في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة »[أخرجه الترمذي وهو في صحيح الترغيب والترهيب (461)].
الفرصة الثانية: قال صلى الله عليه وسلم: « من مشى إلى صلاة مكتوبة في الجماعة فهي كحجة »[حسنه الألباني في صحيح الجامع، حديث رقم(6556)].
الفرصة الثالثة: قال صلى الله عليه وسلم: « من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرا أو يعلّمه كان له كأجر حاج تاما حجته»[ رواه البخاري رقم ( 662 ) ، ومسلم رقم ( 669 )]
2-الصيـــــام:
يستحب الإكثار من الصيام في أيام العشر، ولو صام التسعة الأيام لكان ذلك مشروعًا، لأن الصيام من العمل الصالح، قال: «ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا» [أخرجه البخاري ومسلم]. ويزداد أجر الصيام إذا وقع في هذه الأيام المباركة، قال النوويّ رحمه الله: «فليس في صومِ هذه التسعة ـ يعني تسع ذي الحجّة ـ كراهةٌ شديدة، بل هي مستحبّة استحبابًا شديدًا»[ شرح صحيح مسلم (8/71)]. ويكفيك من ثواب الصيام أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :«من خُتِم له بصيام يوم يريد به وجه الله عز وجل أدخله الله الجنة» [رواه الأصبهاني، وصححه الالباني في صحيح الجامع ،حديث رقم(6224)].
وفي هذه الأيام يوم عرفة، الذي صيامه يكفر ذنوب عامين ، لحديث أبي قتادةَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ عن صيامه: « إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده والسنة التي قبله»[ أخرجه مسلم في الصيام (1162)].
يا الله ما اكرم الله صيام (12) ساعة يساوي مغفرة (24) شهر يعني الساعة بشهرين والدقيقة في عرفة بيوم مما سواه فأين المشمرون.
3-القــرآن:
القرآن التجارة التي لن تبور، حاول أن تختمه في هذه العشر، قال صلى الله عليه وسلم: «لأن يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم آية أو يقرأ آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين وثلاث خير له من ثلاث وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل»[ صحيح مسلم (1336) ].
القرآن رسالة ربانية بعثها الله لك فأحسن استقبالها والـتأمل فيها، وصُحبتها.
القرآن دواءٌ لما في قلبك من أمراض؛ فانهل من هذا الدواء لتنال الشفاء والهدى والنور.
القران كلام الله لن تتقرب إلى الله بمثله تلاوةً وتدبرًا وتحكيمًا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: » عليك بذكر الله وتلاوة القرآن؛ فإنه روحك في السماء، وذكرك في الأرض »[السلسلة الصحيحة ،حديث رقم(555)].
يامن بخل عن المصحف بدقائق يبذل أضعافها في مشاهدة مباراة، أو تصفح وسائل التواصل.
أخي الحبيب: احرص ان استطعت على ختم القران في هذه العشر، يعني كل يوم ثلاثة أجزاء، يعني نصف مليون حسنة، ولا تنس بناء قصر في الجنة كل يوم بقراءة سورة الإخلاص عشر مرات كما جاء في الحديث الحسن قوله صلى الله عليه وسلم « من قرأ (قل هو الله أحد ) حتى يختمها عشر مرات بنى الله قصراً في الجنة »[السلسلة الصحيحة ،رقم الحديث(589)].
4-الصــلاة:
قال صلى الله عليه وسلم : «الصلاة خير موضوع فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر» [صحيح الجامع (3870)]، وصح عنه صلى الله عليه وسلم قوله: «ما عمل ابن آدم شيئاً أفضل من الصلاة وصلاح ذات البين وخلق حسن». [ صحيح الجامع (3518)].
ولا تنس أخي بناء بيت في الجنة بصلاة اثنتي عشرة ركعةً تطوع من غير الفريضة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى لله اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتًا في الجنة » [صحيح مسلم (1164)]. وصلاة الضحى ركعتان أو أكثر، و قيام الليل ففي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم ذكر منهم الذي له امرأة حسنة وفراش لين حسن يقوم من الليل فيقول الله: يذر شهوته ويذكرني ولو شاء رقد» [الطبراني بإسناد حسن].
المحافظة على النوافل سبب من أسباب محبة الله، ومن نال محبة الله حفظه وأجاب دعاءه، وأعاذه ورفع مقامه، لأنها تكمل النقص وتجبر الكسر وتسد الخلل؛ فحافظ أخي على تكبيرة الإحرام والصف الأول فإن الله وملائكته يصلون على الصف الأول.
5- الذكـر:
الذكر هو أحب الكلام إلى الله تعالى، وهو سبب النجاة في الدنيا والآخرة، وهو سبب الفلاح، به يُذكر العبد عند الله، ويصلي الله وملائكته على الذاكر، قال يحيي بن معاذ: “يا غفول يا جهول لو سمعت صرير الأقلام وهي تكتب أسمك عند ذكرك لمولاك، لمت شوقًا إلا مولاك“، وقال أبو بكر رضي الله عنه: “ذهب الذاكرون لله بالخير كله “، وقال ابن القيم: ” الذكر باب المحبة وشارعها الأعظم وصراطها الأقوم“.
وهو أقوى سلاح، وهو خير الأعمال وأزكاها وأرفعها في الدرجات، وخير من النفقة، به يُضاعف الله الأجر، ويُغفر الوزر، ويُثقل الميزان، يقول تعالى:
﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ ﴾ [الحج: 28]، روى الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد»، وكان أبو هريرة وابن عمر رضي الله عنهما إذا دخلت عشر ذي الحجة يخرجان إلى السوق يكبران فيكبِّر الناسُ بتكبيرهما. [ رواه البخاري].
والتكبيرُ عند أهلِ العلم مطلقٌ ومقيّد، فالمطلق يكونُ في جميع الأوقات في الليل والنهار من مدّة العشر، والمقيّد هو الذي يكون في أدبارِ الصّلواتِ فرضِها ونفلِها على الصّحيح، مِن صُبح يومِ عرفة إلى العصرِ من آخر أيّام التشريق (الثالث عشر )وأمّا للحاجّ فيبدأ التكبيرُ المقيّد عقِب صلاةِ الظهر من يوم النحر. وصحّ عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما صيغة: «الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
ومن الذكر الاستغفار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من أحب أن تسره صحيفته، فليكثر من الاستغفار»[ أخرجه البيهقي بإسناد حسن عن الزبير، وهو في السلسلة الصحيحة برقم (2299)] ، وقال رسول الله: صلى الله عليه وسلم»: من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة «[حسنه الالباني في صحيح الجامع].
6-الصدقـة:
الصدقة، وإغاثة الملهوف، وإطعام الجائع، وتفريج المؤمن وإدخال السرور على نفسه وطرد الهم عنه مما يحبه الله تعالى، فبالصدقة ينال الإنسان البر ويضاعف له الأجر ويظله الله في ظله يوم القيامة، ويُفتح بها أبواب الخير ويغلق بها أبواب الشر، ويفتح فيها باب من أبواب الجنة، ويحبه الله ويحبه الخلق، ويكون بها رحيمًا رفيقًا، ويزكي ماله ونفسه، ويغفر ذنبه، ويتحرر من عبودية الدرهم والدينار، ويحفظه الله في نفسه وماله وولده ودنياه وآخرته.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أحب إلى الله أي الأعمال أحب إلى الله فقال : «أحب الناس إلى الله أنفعهم وأحب العمل إلى الله سرور تدخله على مسلم أو تكشف عن كربه أو تقضى عنه دينًا أو أتطرد عنه جوعًا» [رواه الطبراني وصححه الألباني].
تصدّق ثم أبشر بالمضاعفة اللامحدودة لثوابك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« ما تصدّق أحد بصدقة من طيب – ولا يقبل الله إلا الطيب – إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل »[ رواه البخاري ومسلم].
أيها الحبيب: القصص متواترة عن اقوام ابتلاهم بأمراض فطافوا المستشفيات فما استطاع الأطباء علاجهم فتصدقوا فشفاهم الشافي، القائل: ﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾[الشعراء: 80-78]
7-الأضحيـة:
شُرعت الأضاحِيَّ تقرُّبًا إلَى اللهِ بدمائِهَا، وتصدقًًا علَى الفقراءِ بلحمِهَا، والأضحيةُ مِنْ شعائرِ الإسلامِ، وهِيَ رمزٌ للتضحيةِ والفداءِ، وسنةُ أبِي الأنبياءِ إبراهيمَ عليه السلام ، وهِيَ أحبُّ الأعمالِ إلَى اللهِ فِي يومِ العيدِ، فعَنِ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا عَمِلَ آدَمِىٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ إلى أَحَبَّ اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهَا لَتَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلاَفِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا» [رواه ابن ماجه والترمذي وحسنه ]، و الأضحية سنة مؤكدة يُكره للقادر تركها.
وتجنب في اختيار الأضحية العوراء والعرجاء والمريضة والهزيلة والعضباء والهتماء، وأفضلها أكرمها وأسمنها وأغلاها ثمناً وقم بذبحها بنفسك، وإذا وكلت أحداً غيرك فلا بأس بذلك، وأرفق بالأضحية عند ذبحها، فلا تحد السكين أمامها، ومكنها من الأكل والشرب قبل ذلك، وحدّ شفرتك قبل ذبحها، ولا تذبح واحدة بحضرة الأخرى.
أخي الكريم :انوي بالأضحية البر والصلة، وتحقيق التكافل، واطعام الطعام، وادخال السرور على الفقراء، ومواساة الجائع.
8-الدعـاء:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير» [أخرجه الترمذي في الدعوات]
قال ابن عبد البر: “وفيه من الفقه أن دعاء يوم عرفة أفضل من غيره، وفي الحديث أيضًا دليل على أن دعاء يوم عرفة مجاب كله في الأغلب” [التمهيد (6/41)].
أيها المسلم: إذا جُمع مع الدعاء:
حضور القلب وصادف وقتًا من أوقات الإجابة الستة وهي: الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبات، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تُقضى الصلاة، وآخر ساعة بعد العصر من ذلك اليوم. وصادف: خشوعًا في القلب وانكسارًا بين يدي الرب واستقبل الداعي القبلة، وكان على طهارة، وبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم ثنّى بالصلاة على محمد عبده ورسوله، ثم قدّم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار،وألحّ على الله في المسألة، وتوسّل إليه بأسمائه وصفاته وقدّم بين يدي دعائه صدقة، فإن هذا الدعاء لا يكاد يرد أبدًا.
أخي المسلم : يوم عرفة يوم العتق من النار ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدًا من النار»[ أخرجه مسلم]. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “ليس في الأرض يوم إلا لله فيه عتقاء من النار، وليس يوم أكثر فيه عتقاً للرقاب من يوم عرفة، فأكثر فيه أن تقول: اللهم أعتق رقبتي من النار”.
خير الدعاء يوم عرفة فاجمع امورك أخي الحبيب، واكتب ما تريد ه من الله، وادع لدينك، ولنفسك، ولأهلك ولبلدك ولأمتك.
9- التوبة والبعد عن المعاصي:
ومما يجب في هذه العشر وفي كل زمان التوبة النصوح والرجوع إلى الله والإقلاع عن المعاصي والذنوب، فالقرب من الله ليس بالطاعات فقط بل بترك المعاصي والمحرمات ففي الحديث الشريف يقول صلى الله عليه وسلم : «اتق المحارم تكن أعبد الناس»[ أخرجه أحمد (2/310)، والترمذي في الزهد (2305)، وأبو يعلى (6240)، والطبراني في الأوسط (7054)] ، وإياك أن تنتهك محارم الله حين يُغلق عليك الباب؛ فتطلق بصرك ولسانك في ما لا يحل، فالمعاصي في الأيام المفضلة والأمكنة المفضلة تُغلَّظ، وعقابها بقدر فضيلة الزمان والمكان كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية، ومن أهم المحارم والنواهي التي تُجتنب: النظر الى ما حرم الله، وآفات اللسان من كذب وغيبة ونميمة وشهادة زور وسباب ولعن، وآفات السمع وهي الاصغاء والاستماع إلى ما حرم الله، وآفات القلب من خيانة وعجب وكبر وغرور، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا﴾ [التحريم: 8]، فسارع إلى التوبة الصادقة بالكف عن المحرمات والتحلل من المظالم ورد الحقوق والبعد عن الفواحش.
أخي الحبيب: سابق في هذه العشر بكل عمل صالح، وأكثر من الدعاء والاستغفار، وتقرب إلى الله بكل قُربة، عسى أن تفوز فوزًا عظيمًا. جعلنا الله وإياك من المسارعين في الخيرات والذين هم لها سابقون.
10- يوم النحر( يوم العيد):
إنه يوم الثج والعج، يوم يؤدي الحجاج معظم المناسك يطوفون يرجمون يحلقون ينحرون .يوم الفرح بطاعة الله تعالى، يوم صلة الارحام، يوم الإخاء والمحبة، يوم ننسى فيه الشحناء .
احرص أخي على شهود صلاة العيد مع المسلمين، والتكبير من فجر يوم التاسع إلى آخر أيام التشريق، ولتأتي من طريق وترجع من آخر وتتجمل بأفضل ما عندك وليس بأحسن ما في السوق .
ولا تأكل شيئاً قبل الصلاة حتى ترجع بعد الصلاة والخطبة، فتذبح الأضحية وتأكل منها كما هي السنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، والسنة في تقسيمها ثلاثاً، ثلث يؤكل، وآخر يهدى، وآخر يتصدق به على الفقراء، ووقت الذبح بعد صلاة العيد إلى آخر يوم الثالث عشر من ذي الحجة.
أخي الكريم :لا تجعل العيد موسم معاصي، وتذكر أن الحكمة من العيد أنه يوم شكر وذكر وعمل بر ، واحذر الوقوع في المحرمات مما قد يكون سبباً لحبوط الأعمال الصالحة التي عملتها في أيام العشر..
احرص على صلة الرحم ولو قطعوه، ووسع على أهلك ,ارحامك، وأدخل عليهم السرور، واحرص على سنن العيد.
أسأل الله بمنه وكرمه أن يوفقنا وإياك الى فعل كل خير واجتناب كل شر، وأن يكتب لنا وإياك في هذه الأيام المبارك خير ما كتبه لعباده الصالحين .
وصلّ الله اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.