الأحد 24 نوفمبر 2024 / 22-جمادى الأولى-1446

مناهج البحث العلمي … مابين الإبداع والتطفل



العلم ليس حكراً على احد ولا يتوقف عند حد أو عمر أو جنس أو سلالة بل هو عملية مستمرة طوال الحياة.  كما أن كل الديانات السماوية شجعت وحثت على العلم ، وركزت الحضارات على أهمية العلماء والباحثين في مختلف العصور. ومن خلال هذا نجد أن للبحث العلمي أهمية خاصة فهو ليس مادة يقرأها الدارس فقط ليحفظ ما جاء فيها بل هي مادة إبداع وعلم وفن وتفكير. ولن نتكلم هنا اليوم عن أهمية هذه المادة وأهمية مناهج البحث العلمي في تطور البحث العلمي والمجتمعات بصورة عامة بل سنتطرق إلى ثقافة هذه المادة وكيفية تناولها في الدراسة في بعض مؤسساتنا التعليمية العربية ، ولاسيما أنني سبق وأن تحدثت عن ثقافة البحث العلمي ولكن اليوم نتحدث عن البحث العلمي كمادة علمية تدريسية نظرية وتطبيقية ودور المتطفلين على هذه المادة المهمة.

هناك العديد ممن كتب وألف وسيؤلف في هذه المادة وهناك الكثير والكثير من الفيديوهات المسجلة حول هذه المادة والسبب في هذا الأنتشار والسعة لأهمية هذه المادة للطلاب في الدراسات العليا والباحثين بشكل خاص. ولكن والسؤال هنا هل كل من قرأ عن هذه المادة يصلح لتدريسها؟ 

 

هناك الكثير ممن يدعي العلم بهذه المادة ويدرس الطلاب فيها وهو شخصياً لم يقرأها أو يدرسها في حياته الجامعية وحتى في الدراسات العليا بل أستند إلى (سرقة) بعض المعلومات المهمة من هنا وهناك وتجميعها ليضعها في مؤلف أو ليقرأها على طلبته وبدون أستيعاب أو تفنن في هذا الفرع من العلم أو حتى معرفة دقيقة بالتفاصيل لذا عندما يسأل عن التفنن العلمي فيها أو سؤال دقيق علمي من طلبته فعلينا تصور النتيجة.

 

يقول أستاذ مادة مناهج البحث العلمي (فرنانديز) أن هذه المادة لا تتعلمها بالقراءة الحرفية وتطبيقها الحرفي بقدر ما يكون بالقراءة الفكرية والتفسير الإبداعي لما فيها . ولعل واحدة من الأمثلة المهمة على تطبيق ماقاله هذا العالم حول منهج البحث التجريبي وانواعه ، فهناك المنهج التجريبي الحقيقي وهناك المنهج الشبه التجريبي والفرق بينهما للمتخصص في هذه المادة واضح ومعلوم وكذلك أنواع التصاميم التجريبية التي يمكن للباحث الأستناد على أحدها للتطبيق بما يتناسب وطبيعة متغيراته وعينته . هذا كلام ممكن أن تجده ويردده الكثير ولكن فنيات وتسميات التقسيم لا يفهمها (المتطفلون) على هذه المادة فمثلا من انواع البحث الشبه التجريبي ما يطلق عليه البحث التجريبي البعدي وهو يتناول دراسة العلاقة السببية بين متغيرين والبحث عن المتغير (المستقل) وتأثيره في المتغير (التابع) ولكن بعد حدوث التأثير، ولاسباب غالبيتها أخلاقية في البحث العلمي لا نتمكن من دراسة تلك الظواهر بشكل بحث تجريبي حقيقي ولا شبه تجريبي حسب معنى وتعريف الشبه التجريبي بمعنى اننا لا يمكن ان نأتي بعينة ونقسمها إلى مجموعتين ضابطة وتجريبية ونعرض المجموعة التجريبية لتأثير المتغير المستقل لنقيس بعدها أحتمال تأثيره على المتغير التابع. وكمثال بسيط لو أردنا دراسة تأثير الضغوط النفسية على الأصابة بالجلطة القلبية فلا يمكن أن نأتي بأناس ونعرضهم لضغوط لنعرف هل وكم سيصابون بالجلطة القلبية، مالعمل أذن؟

 

 هنا نذهب إلى أناس بفئة عمرية يحددها الباحث وفق نوع جنس معين من الذين أصيبوا بالجلطة القلبية والمشخصين طبيا بذلك ولغرض التطبيق لابد من عينة سليمة مكافأة،  نأتي بأشخاص سليمين كعينة مكافأة للعينة المصابة ونكافأ بينهم فيما يسمى بعوامل الخطر (وهي المتغيرات التي يمكن أن تؤدي الى الاصابة بالجلطة) مثل السمنة وارتفاع ضغط الدم والوراثة والتدخين وغيرها ، ثم نقيس مدى تعرض العينتين للضغوط النفسية في الفترة السابقة فأن كانت هناك فروق وبينت النتائج أن العينة المصابة أكثر معاناة للضغوط النفسية في الفترة الماضية نقول هنا أن الفرق محتمل أن يكون بسبب تعرضها للضغوط النفسية ولاسيما أننا كافئنا بين غالبية المتغيرات الأخرى. أن هذا النوع من البحوث التجريبية يسمى البحث التجريبي البعدي أي أن الظاهرة حدثت ونحن بعد حدوثها نقوم بالتعرف على الأسباب. 

 

أن المتطفلين على هذه المادة العلمية الصعبة لا يمكن لهم فهم ذلك ولا يمكن لهم تفسير ذلك ولا الإبداع في التفسير كما يقول الأستاذ الدكتور مصطفى عيسى (من جامعة آل البيت وهو أستاذ للمناهج وطالب الدكتور فرنانديز). والسبب حسب رأي الأستاذ الدكتور عيسى أن هؤلاء غير متخصصين ولم يدرسوا المناهج بل قرأوها كمادة لتدريسها وفق المقرر وليس على كون أنها مادة علمية تطبيقية فيها إبداع وتفسير علمي. وهكذا نجد أن هناك الكثير ممن يدعي العلم بهذه المادة يجهل أبسط مقوماتها وأبسط حيثياتها ولو عملت لهم إمتحان بها لفشلوا فيها. وهكذا حال بعض (المؤلفات) التي تنتشر بدون رقيب علمي عليها أو على محتوياتها ويدفع ثمنها كثير من الطلبة. 

 

أن التخصص العلمي جميل وهو دليل أحترام المتعلم لنفسه أولا وللعلم وطلبته وهو أمانة نحاسب عليها مستقبلا أمام الله وليس مجرد مصدر للرزق أو الأستعراض ولكن ومع كثير من الأسف نجد أن الكثيرين الآن لا يفقهون ذلك ويدرسون هذه المادة المهمة ولا تعلم ماهو تخصصهم ولا ماذا يدرسون أوكيف يؤلفون ويبيعون ، ولما لا يقومون بذلك وقد غاب عنهم الضمير الأخلاقي والرقيب الحكومي لمعرفة تخصصهم ومصدر شهاداتهم ولا حول ولا قوة الا بالله.

 

 

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم