الحب ذلك الشعور الداخلي الذي يوجد في كل مكان وزمان, يبحث عن الفرصة ليتسلل إلى قلب الإنسان وفكره، فهو يداعب الإحساس, ويجعل العين لا ترى إلا ما في داخل القلب, فبإمكان الحب أن يترك بصمة فرح أو بصمة حزن… وقد شُبِّه الحبُّ بالبحر لأنه يغوص في قلب حبيبه، ويغرق فيه من دون أن يعلم أو يرى نفسه إلا في وسط البحر.
ذكرنا سابقاً أن الحب له معانٍ وتعاريف عديدة تختلف من شخص إلى آخر ومن عاشق إلى آخر, فكل حبيب له تفسير خاصّ للحب وفقَاً لما يعيشه من حياة الحب.
وقيل في الحب: جنون… أشواق… لهفة… وفتون بأهازيج وضحكات… دموع وشجون… المحب مجنون! عاشق متيم… هائم مفتون!
الحب غيث لصحراء قاحلة… بدر لسماء ملائكتها الغيوم… نور لعين أغشتها الهموم! الحب إحساس سما على الكلمات وصفاً… هو روحان جمعتهما أشواق ومودة… احترام وحنين… قلبان أصبح كلاهما للآخر حصناً أميناً…
الحب هو أن تعيش حياة محبوبك بفكرك وقلبك وشعورك كما يعيشها هو.
الحب أن يرى المحبان الحياة كلاهما بعين محبوبه.
الحب انصهار قلبين، واتحاد روحين، ليُصبِحا قلباً واحداً وروحاً واحدة في جسدين.
القلب – يا صديقي – من دون حبٍ صادقٍ يبدو مثل جزيرة خربة ليس فيها أيّ معنى، والحب لغة العالم أجمع, وهو اللغة المشتركة بين الناس, فمن غيرها لا توجد علاقات بين الناس، وللحب درجات، فأي علاقة بين شخصين تتدرّج صعوداً إلى أن تصل إلى مرحلة الهيام، وسنتعرّف إلى درجات الحب الثماني، أو ما يُعرف بمراحل الحب، وقد يقف المرء عند إحداها أو قد يمر الإنسان بهذه المراحل جميعها تبعاً لصدق قلبه, ومن أهمّ الأمور التي يُبنى عليها الحُبّ الاحترام والاهتمام، فإن غاب أحدهما فهو حب أعرج غير صحيح، وغير مقنع، وسيزول مع مرور الأيّام. والحقيقة التي لا مراء فيه؛ إن للحب درجات! بل إن كل درجة من درجات الحب تفرقُ عن الدرجة التي قبلها، وكأنها – أي الدرجات – تقود صاحبها من حُبٍ جميل إلى حُبٍ أجمل، ومن لذة إلى أخرى أشد لذة من سابقتها!! ولله در الحب!.
درجات الحُبّ:
الحب له درجات تظهر تُشكِّل سلسلة من التعامل بين شخصين، وسنتكلّم عن الحب بين طرفين هما الذكر والأنثى، لأنّ الحب خرج من هذا المعنى منذ خُلقت البشريّة وخُلق آدم وحواء، فالعلاقة أساس البدايات وهي أوّل المراحل بين شخصين.
ومن بعد هذه العلاقة تختلط الأيّام بينهما، وتنمو العشرة بينهما ليتعرّف فيها كلُ طرف إلى عيوب وميزات من يعرفهُ إلى أن تصل إلى المحبّة فيما بينهما في التعامل والتلاطف، ومن بعد المحبّة والتلاطف فيما بينهما يصلانِ إلى المرحلة الثالثة وهي الحب، وبذا يحتل الحب الدرجة الثالثة من درجات الحب.
ومن بعد الحُبّ الكبير بين الشخصين والأيّام التي تعمل بدورها على تخمير الحب بينهما إلى أن يصلا إلى المودّة، وهي من الأمور التي ذكرها الله تعالى في كتابه العزيز حين جعل المودّة والرحمة بين الزوجين، فإن تزوّجا فقد وصلا إلى مرحلة المودّة التي تبدأ رحلتها بالزواج فحسب، وإن لم ينتهِ الحب بالزواج فهي علاقة غابرة دخل فيها الخلل والخداع والغش.
ومن بعد المودّة بين الشخصين والزواج الحاصل بينهما ومرور الأيّام التي تلعب دوراً كبيراً في الحب بينهما حتى يصلا إلى الهوى، وهو مأخوذ من هوى النفس التي لا تهوى سوى شخص واحد خبرته وعرفته. ومن بعد أن يهوى المحب محبوبَهُ ويزداد حجم الحب بينهما إلى أن يصل القلب إلى الصبابة وهي مرحلة العشرة بين الشخصين والتجانس فيما بينهما، وتكون أحياناً أو غالباً في مرحلة الكِبر التي يكونانِ فيها كباراً في السن، ولكن يتعاملان فيما بينهما كأطفال صغار يَستغربُ من يراهما، وما أجملها من مرحلة!
ومن بعدها يأتي العشق، وهي مرحلة عميقة جداً، إذ يقع فيها الكثير من الأشخاص الذين لم يحالفهم الحظ بالحب، وهو الحب الطفولي الذي ليس فيه أي هدف أو مبتغى سوى أنّهُ يحب حبيبهُ أكثر من نفسهِ، فهي نقطة قُتلَ الملايينُ على أرضها، فما أجمل العشق في الزواج! وكأنه في رحيق الطفولة، حب عميق لا يتخلّلهُ الغش أو الخداع. ومن بعد العشق يأتي الوله، و(الولهان) صفة تُطلق على من لا تحلو لهُ الحياة إلاً مع من يحب، ولا يجد الفرحة إلا بقربهِ.
ومن بعدها الهيام وهنا يكون المحبانِ قد وصلا إلى عمق البحر، فللحب تسع ظلمات، فمن لا يستطيع الإبحار فيها، فليحذر من أن يقع فيها ولا يحاول أن يجرّبها، ولكن الحب الحقيقي هو الحب العفوي الذي يأتي من دون أن تَصنُّع فيه. ومن ويصل إلى تلك الدرجةِ من الحب؛ فقد وصل أولُ بدايات الحب الحقيقية!! لأن تلك الدرجة من الحب هي بوابة للحب الأكبر! ولله درُ الحب.
إعداد أ.فؤاد بن عبدالله الحمد
مستشار تربوي