الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 / 24-جمادى الأولى-1446

هل نقضي على الطلاق؟!!



عندما تشاهد برنامجاً اجتماعياً يتحدث عن الطلاق والإحصائات المتعلقة به، يظهر للمشاهد أن الطلاق (بذاته) مشكلة على كل حال! ويجب القضاء عليها؟!

 


ولي تحفظ على هذا اﻷسلوب من الطرح؛ فالطلاق -كما عرّفه الفقهاء: حل عقد النكاح.


وقد شرعه الله تعالى في كتابه وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فقال الله تعالى:﴿الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمساكٌ بِمَعروفٍ أَو تَسريحٌ بِإِحسانٍ اﻵيةَ﴾، [البقرة: ٢٢٩].


وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم طلّق حفصة رضي الله عنها، وجاءه جبريل عليه السلام فأمره بمراجعتها وأنها زوجته في الجنة. رواه الحاكم وغيره.


وأجمع العلماء على مشروعية الطلاق في الجملة.

 


فالله سبحانه وتعالى حكيم عليم لا يشرع لعباده إلا ما فيه مصلحة لهم في معاشهم ومعادهم، في دنياهم وأخراهم.


وكما لا يخفى أن الشريعة جاءت لتحقيق المصالح أو تكميلها ودرء المفاسد أو تقليلها.


ومن مقاصد الشريعة الخاصة في الطلاق ما أشار إليه العلامة الطاهر بن عاشور ـ رحمه الله ـ بقوله: “قد جعلت الشريعة لكل آصرة وسيلة إلى انحلالها إذا تبين فساد تلك اﻵصرة أو تبين عدم استقامة بقائها…، فانحلال آصرة النكاح يكون بالطلاق من تلقاء الزوج وبطلاق الحاكم وبالفسخ، والمقصد الشرعي منه: ارتكاب أخف الضرر عند تعذر استقامة المعاشرة، وخوف ارتباك حالة الزوجين، وتسرب ذلك الارتباك إلى حالة العائلة، فكان شرع الطلاق لحل آصرة النكاح، وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى : (إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله) أ.ه.


والعقل الصحيح والمنطق المحايد يرى أن الطلاق حل متى ما أُحسن استخدامه! بعد استنفاذ جميع الطرق والوسائل اﻷخرى، وكما قيل: آخر العلاج الكي.

 


وأظن أن القارئ الكريم يوافقني أن المشكلة تكمن في:


1- التعجل في اتخاذ قرار الفراق من خلال الطلاق قبل استنفاذ الوسائل والطرق العلاجية اﻷخرى، فكثير من المشكلات يمكن حلها من خلال ما يتمتع به الزوجان من حنكة وحكمة، أو من خلال الاستفادة من الخبرات الاجتماعية واﻷسرية، لا سيما مع وجود مراكز تعنى بالشؤون اﻷسرية يقوم عليها نخبة من المختصين المؤهلين.


2- حينما يتخذ قرار الطلاق في حالٍ يكون فيه بقاء العلاقة الزوجية أخف ضررا من اتخاذ القرار بانحلالها.


وهذا يحتاج إلى نظرة حكيمة ومتزنة من صاحب القرار، وتأمل المفاسد المترتبة على انحلال العلاقة الزوجية ومقارنتها بما يترتب على الاستمرار فيها.


فالمبادرة بالطلاق والحالة هذه مجانب للصواب، وستثبت اﻷيام خطأ هذا القرار وندم متخذه!

 


أما إذا تعذر استمرار الحياة الزوجية؛ لعدم التوافق بين الزوجين، أو كانت المفاسد المترتبة على استمرار العلاقة الزوجية أكبر من المفاسد المترتبة على إنهائها، وقد استنفذت جميع الوسائل والطرق، فحينئذ يكون الطلاق حلا وإنهاء للمشكلة، لا سيما إذا كان موافقا للسنة في: وقته، وعدده.

 


لا أشك أن هناك ثلة من المجتمع أساؤوا استخدام هذا الحق الشرعي-وهذا مكمن الخطأ- وهذا يتطلب مزيدا من التوعية الاستباقية لهم من خلال دورات التأهيل للمقبلين على الزواج والتي أتمنى أن يتم اﻹلزام بها تدريجيًا.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم