الصداقة، أو بالإنجليزية (Friendship): هي علاقة تقوم بين شخصين أو أكثر، ويكون أساسها الصِّدق، والمودَّة، والمحبَّة، والصداقة هي إحدى أهم العلاقات الاجتماعية التي تجري بين البشر.
والصداقة في اللغة هي مصدر الصَّدِيق، وتعود في أصلها إلى الجذر اللغوي: (صَدَقَ)، وقد بين أهل اللغة أن هذا الجذر يدل على الشيء الذي يكون فيه قوة وصلابة، فهذه هي الدلالة اللغوية التي يحملها هذا الجذر، وأغلب الكلمات التي أخذت من هذا الجذر تدورُ في فلك هذه الدلالة، فمثلًا: الصِدقُ الذي هو خلِافُ الكذبِ، لماذا سُمِّيَ صدقًا؟ الجواب: سُمِّيَ بذلك لأنه قويٌّ في نفسهِ، وصلبٌ، فهو الإخبار عن حقيقة الأمر وواقعهِ، وهذا الإخبار قويٌّ؛ لأنه إخبار حقيقي، أما الكذب، فهو باطل، ولا قوة فيه؛ لأنه إخبار عن الأمر بخلاف ما هو عليه.
والصداقة التي اشتقت من الجذر “صدق”، لماذا سميت بهذا الاسم؟ الجواب: سميت به لأن الأصل في هذه العلاقة هو الصدق في المودة والمحبة بين الأصدقاء.
وقد عَرَّفَ المعجم الوسيط الصداقة على النحو التالي: « الصَّدَاقَةُ: علاقة مودّة ومحبةٍ بينَ الأَصدقاءِ. »
ولكن هذا التعريف سيصبح أفضل لو أضيفت له كلمة “صادقة” بعد كلمة “ومحبة”؛ وذلك لأنّ الصدق هو عنصر أساسي في الصداقة، والصداقة لا تكون صداقة حقيقية من دونه، وعلى هذا، يصبح التعريف المختصر لهذه القيمة الإنسانية الكريمة – على النحو التالي: ” الصداقة هي علاقة مودّة ومحبّة صادقة بين الأصدقاء”.
الصداقة شيءٌ جميلٍ…
جميلٌ جداً وهي قيمة كريمة وعنصرٌ هام جداً في الحياة وسر من أسرار السعادة بالحياة فالجميع يتفق على أن الصداقة تضيف نكهة خاصة للحياة ، وأن مع الاصدقاء نقضي أجمل الأوقات وأمتعها خاصة إن كانت تلك الصداقة عمادها الحب والاحترام والثقة المتبادلة. وتعتبر الصداقة أجمل لحظات العمر ، وحين تقديم السؤال لشخص ما – عن أجمل لحظة في حياته فسوف يربط أجمل اللحظات في حياته مع أصدقائه بلا أدنى شك، كما أن الصداقة تعرف بأنها مشاعر عاطفية ايجابية متبادلة بين الاصدقاء ، أن يسعى ويتمنى الفرد السعادة والخير للشخص الآخر دون انتظار مقابل ، كما أن الصداقة لا تقتصر بين الأفراد بل انها ايضاً بين الشعوب والأمم وحتى بين الكائنات الحية بالإضافة إلى المنظمات والمؤسسات.
الصداقة عطفٌ متبادلٌ بين شخصين أو أكثر، حيث يود كل منهما الخير للآخر ويتمنى الواحد منهما الحب والسلام لصديقه مع علمه بأن الآخر يبادله المشاعر نفسها ، فصديقك هو من يعيش معك ويشابهك في كل الأمور، سواءً أكان ذلك في الاذواق أو الأفكار وغيرها ، وهو الذي تسره مسراتك ويحزن لآلامك وأحزانك، وبذلك تقوم الصداقة على المعاشرة والتشابه والمشاركة الوجدانية.
ولا يقتصر مفهوم الصداقة على الأفراد والأشخاص فحسب ، بل إن الصداقة تقوم أيضاً بين الأمم والشعوب والمنظمات والمدن والبلدان والدول وتعد الصداقة حاجة ضرورية من ضروريات الحياة والبقاء ، فالشخص لا يقدر على العيش بلا أصدقاء مهما توفر له من نعيم وخيرات فالأصدقاء هم ملاذنا – بعد الله سبحانه وتعالى – الذي نلجأ اليه في أوقات الضيق والشدة، والصداقة ضرورية للشباب – على وجه الخصوص – لأن الأصدقاء يمدون بعضهم البعض ويتأزرون بالنصائح التي تحميهم من الوقوع في الخطأ والزلل.
ويقول ارسطو قوله الرائع: ( متى ما أحب الناس بعضهم البعض لم تعد حاجة إلى العدل غير انهم مهما عدلوا فانهم لا غنى لهم عن الصداقة ).
ومن ناحية أخرى ، فإنه يقال : ” أنه من كثر اصدقائه فلا صديق له “، وذلك لأن الإنسان لا يستطيع أن يحافظ على صداقات كثيرة ممتدة لأن الصداقة تحتاج إلى اهتمام وعطاء كبير وهذا أمر يفوق طاقة الإنسان العادي.
وبالنظر في كُتب الأقدمين – نجد أن ارسطو قد بيّن أن للصداقة أُسساً – وهي :” الفضيلة والمنفعة ” وقد وضح أن صداقة ” المنفعة ” عرضية ومؤقتة تنتهي وتنقطع بانقطاع الفائدة أما صداقة ” الفضيلة ” فهي أفضل أنواع الصداقة ، فهي تقوم على تشابه الفضيلة وهي أكثر الصداقات دواماً.
وتكون الصداقة في أكمل أوجهها عندما تتوافر لها أسس المحبة: ” المنفعة والفضيلة ” ، والصداقة الحقة لا تتكون بسرعة أبداً بل هي تُصنع صناعة بالجد وبالمثابرة وقبل ذلك بالنية الطيبة وبالحب والاحترام وبالرحمة والعطف المتبادل.
كما أن الصداقة لا تكتمل وتنضج إلا على مدى الزمن. وبشكل عام يمكننا القول أن الصداقة تقوم في الأساس على القيم الفاضلة والمبادئ الكريمة المتفق عليها، ومتى ما انتفت تلك العناصر تلاشت تلك الصداقة حتى تنتهي وتموت.
الصداقة مشاعر سامية تتميز بالدفء والحنان وبالحب والتفاهم والانسجام التام بين طرفي العلاقة أو حتى أطراف العلاقة، ولكن للأسف أصبحت الصداقة في زماننا هذا – كأسطورة تحكى من قديم الزمان وكأنها لم تعد موجودة إلا في حكايات ألف ليلة وليلة…
فقد أصبحت كثيرٌ من الصداقات في هذا الزمان لا تقوم على بنيان صلب قوي حيث أنها تنهار أمام أول وأقل مشكلة يواجهها الصديقان. فقد قد يصيبك من صديقك كلمة جارحة أو تجاهلٌ يؤلمكَ، أو حتى خيانة تهز أعماقك فتحاول بشتى الطرق والوسائل حل المشكلة التي طرأت بينك وبينه ولكنك تدرك فيما بعد أن صديقك لا يبذل الجهد نفسه للحفاظ على صداقتك، بل أنها تزيد الأمور سوءاً والأزمات تتأجج؛ فتشعر بأن عليك أتخاذ القرار الحاسم بأنهاء علاقة الصداقة مع هذا الصديق.!! لماذا؟ لأنها لم تُبنى تلك الصداقة على أساسٍ قويم وبكلمة أخرى ” لم تُصنع صناعة جيدة تتحمل صدمات وأزمات الحياة الكثيرة والمتعددة “.
أخيراً وليس آخراً…
تعدّ الصّداقة الحقيقيّة من أجمل العلاقات التي تحدث للفرد في حياته، فقط متى ما أوجدها أو بالأحرى متى ما قام بصناعتها الصناعة اللازمة.. فالصداقة يا صديقي القارئ الكريم – لها معانٍ لا يفهمها إلّا من يملك هذه الصنعة… من يملك صديقاً حقيقيّاً صدوقاً، وقد زخر تاريخنا العربي والإسلامي بالكثير الكثير من الكلام والعبارات وأيضاً المواقف العظيمة والكريمة التي تُعبّر عن الصّداقة الحقيقيّة والمعاني التي تحملها..
ولعلي في هذا المقام الكريم أوفق لأن أعينك يا صديقي على أن تبدأ مشوار صناعة الصداقة الحقيقية في حياتك إن شاء الله تعالى.