الأحد 22 ديسمبر 2024 / 21-جمادى الآخرة-1446

لا تكن أُلهيةً لأحمق



نتيجة بحث الصور عن خالد الحليبي

يبدو أن «الخُواء» أصبح يُمَكِّنُ «الفارغَ» من فرصة عمل، هكذا فهم مجموعة من البهلوانات والمهرجين، الذين أصبحواـ في الفترة الأخيرةـ مؤثرين في بعض افراد المجتمع بطرق خفية، بحيث تمرر الفكرة الهادمة لمعنى جليل، وقيمة مثلى، وعرف نبيل، تمرر من خلال نكتة، أو مشهد خلع عن منكبيه رداء المروءة، وتنكَّب حتى لدينه الذي يرفع قيمة الحياء فيجعلها عبادة.

حين أضحك مما لا يُضحك، فأنا أخادع نفسي، وأهبط بها عن المستوى اللائق بها، وحين أُهرق ماء حيائي في دروب الفارغين، وأبخل عن زوجتي وولدي أن أستمع إليهم، وأسد احتياجاتهم، وأكون كريما حدَّ الإسراف بالاستماع والمشاهدة والمراسلة والمتابعة اليومية، بل اللحظية لمن يستعرض لي- كل يوم- تفاهاته، وإسرافه، وتبذيره، ومغالطاته الشرعية والاجتماعية، فقد اقتصصت جزءا من حياتي ورميته لتأكله الهوام، وأنا أنظر وأشاهد، وبيدي لا بيد عمرو، «يخربون بيوتهم بأيديهم».

كيف تحول بعضنا إلى «رقم» يتباهى به «تافه» لا قيمة له، ولا يقدم لا لنفسه ولا لأسرته ولا لمجتمعه أي نفع، بل هو مجرد منديل يمسح الناس فيه عرق العمل، وألم الإجهاد والإرهاق.

كيف رضينا أن نصبح جسورا لثراء سطحي لا تستفيد منه البلاد ولا العباد، بل هو نتيجة تسويق لسلع بائرة، وبابا لمجد لاهث، على شفا جرف هار، سوف ينهار به في لحظة ما.. طال الزمان أو قصر!!

هل الشاب أو الفتاة اللذان يطلان على متابعيهما كل يوم بيوميات مكرورة، أو بعنتريات زائفة، أو باستعراض نعم الله عليهما ليكسرا قلوب المحرومين، يستحقان منا أن نشجعهما ولو بالمتابعة؟!

الوقت الذي يزجونه في التهريج، والذي نزجيه نحن في المتابعة هو جزء مهم من الوقت الجمعي الذي يمثل «العصر» الذي نعيشه، والذي ينبغي أن تتمحض عنه منتجات تتقدم بها البشرية، فإذا أهدر، فقد أهدرت فرص للتقدم بقدر الوقت المسفوح من الجانبين، ونحن في «مفترق طريق» نخطُّ بأناملنا على جبين القمر: رؤية «2030»، فالوقت وقت تركيز شديد، وليس وقت تشتيت وترفيه هابط.

سذاجة في الطرح، وابتذال في المضمون، وتحويل للحياة إلى «أفلام كارتون» تبتعد عن الواقع في التقييم والتعامل، وتُشهر شخصيات بلهاء ليست بعيدة عن بعض الشخصيات الكارتونية، لأن بعضها الآخر يحمل رسالة قوية خفية، تُسربها الشركة المنتجة إلى عقول الأطفال بموقف وعبارة ومصطلح ولباس ومشروب وشعار.

والمصيبة الكبرى حين يتحول هؤلاء المتلاعبون بجواهر أوقاتنا إلى قدوات لصغارنا وشبابنا، بحيث يتمنى أحدهم أن يصل إلى المستوى الذي وصل إليه فلان وفلانة، من عدد المتابعين والمتابعات، ومن ثمَّ تنفتح له خزائن الشركات والمؤسسات التي لا تُعنى بقيم، ولا يهمُّها جيل يتقدم أو يتأخر، كل ما تنتظره أن يزيد الشراء وحسب، وهي من أبرز أسباب شيوع هذه الظاهرة البائسة، التي بات العالم كله يحاربها: «Stop making stupid people famous».

إنه تحول فظيع في البشرية، من تنصيب العظماء والعلماء والمخترعين والمبدعين على منصات التبجيل والتقدير، إلى تنصيب التافهين والتافهات على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، ليبثوا رؤيتهم الخطرة للحياة، حتى يتوهم الجيل أن الهدف الإستراتيجي للحياة يتمثل في الشهرة والثراء السريع حتى ولو كان خاويا.

إن أمام هؤلاء فرصة عظيمة لو أنهم اتخذوا رؤية ناضجة، تتماهى مع حقائق الشريعة وجمالها، ورؤية بلادهم وطموحها، ليصبحوا جزءا من مسيرة التقدم التي تنهض بها، لا جزءا من العربة القديمة البليدة التي تعيق انطلاقة الحصان الأصيل، نعم لديهم فرصة أكثر من غيرهم ليكونوا نجوما بما يقدمون من مضمون يتسم بالرقي والسمو في أثواب رقيقة، ولا بأس أن تكون- أحياناـ ساخرة، ولكن مع حفظ الدين والمروءة والقيم، وكرامة الآخرين، بعيدا عن الأساليب الرخيصة، التي تُسهم في تشويه الوعي، وتردي الثقافة.

حين يتدافع الناس على شخصية رائدة في مجال علمي أو إبداعي، ليستمعوا إليها ويصافحوها، فذلك دليل وعي عميق في المجتمع، وحين تزدحم الأسواق أو القاعات حين تُدعى شخصية مشهورة لا يعرفها أحد كما عبر أحدهم، فتلك الكارثة التي يجب أن نسارع لإنقاذ مستقبلنا منها.

http://www.alyaum.com/article/4165593

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم