الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 / 24-جمادى الأولى-1446

عقد الخطابة الزوجية وشروطه



الخطابون والخطابات (الحلقة السابعة: صيغة عقد الخطابة الزوجية وشروطه)

 

صيغة عقد الخطابة الزوجية:

 

للصيغة التي تتم بها الخطابة الزوجية صور عديدة (1), يعتبر فيها علمُ كل واحد من الطرفين مراد الآخر, وهي على نوعين:

صيغة لفظية: كأن يقول الموسط: وسطتك فيقبل الوسيط, أو صيغة غير لفظية: كالكتابة, فيكتب له الموسط: وسطتك أو وكلتك فيقبل الوسيط, أو بالإشارة المفهومة, فإذا عقد من لا يقدر على النطق عقداً بالإشارة كالأخرس ومن اعتقل لسانه: صح اتفاقاً (2)بشرط أن تكون إشارته مفهومة؛ لأنها تقوم مقام العبارة في تعامله وبيان مقصوده, ولو لم تعتبر لكان ضرراً في حقه.

أو بالإرسال: وذلك بأن يرسل أحد الخاطبين شخصاً يبلغ إيجابه أو قبوله للخطاب.

 

فتصح الخطابة بكل ما يدل عليها من دلالة لغوية أو عرفية استعملها الناس وأبانت عن مقصدهم, سواء كان ذلك بلفظٍ أم إشارة أم كتابة أم إرسال أم غير ذلك؛ لأن كل ذلك يحقق ما يدل على مقصود الطرفين وتراضيهما, فإذا لم تكن الصيغة مُفْهمةً لم يتحقق بها مقصود المتعاقدين ورضاهما فلا تصح.

مثال ذلك: أن تختلف اللغة بين الطرفين ولا يفهم أحدهما الآخر, ومثل: ألَّا يسمع أحدهما الآخر, أو أن تكون الكتابة غير واضحة, أو تشتمل على خطأ يخل بالمقصود, أو تكون إشارة الأخرس غير مفهومة (3).

 

……………………..

 

 

شروط عقد الخطابة الزوجية:

 

يشترط في عاقدي الخطابة الزوجية ما يأتي:

1-التراضي, وهو أن يأتيا بالعقد عن اختيار منهما.

وهذا الشرط محل اتفاق بين الفقهاء (4) في عقود المعاوضات, لقوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكزن تجارة عن تراض منكم } [سورة النساء:29], والتجارة اسم لجنس المعاوضات, والخطابة نوع منها.

2-أهلية التعاقد بأن يكون الطرفان عاقلين مميزين, فلا يصح عقد المجنون, ولا الصبي غير المميز بالاتفاق (5) .

 

ويشترط في محل الخطابة ما يأتي:

1-أن يكون مباحاً (6), فلا تصح الخطابة في محرم كالتوسط في نكاح متعة أو شغار أو تحليل ونحو ذلك؛ لأن هذه العقود إذا حرمت بذاتها, فتحريم الخطابة فيها أولى؛ لما في ذلك من التعاون على المعصية, قال تعالى: { ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } [سورة المائدة:2] .

2-أن يكون محل الخطابة معلوماً ولو من بعض الوجوه؛ لئلا يعظم الغرر وتشتد الجهالة, كأن يوسطه في البحث له في بلد معين, وجنس معين, ولا يشترط استقصاء أوصاف ذلك كله كما في السلم , ولا القرب منه؛ لأن الخطابة إن كانت جائزة, فإن هذا النوع من الجهالة لا يؤثر في عقدها للحاجة لذلك؛ لكونها غير لازمة للطرفين, وإن كانت الخطابة لازمة؛ فإن بيان المنفعة فيها بتحديد المدة كافٍ عن استقصاء أوصاف محل الخطابة, إذ الجهالة قد انتفت بضبط المدة (7) .

 

ويشترط في عمل الخطاب أو الخطَّابة:

أن يكون هذا العمل معلوماً في الخطَابة اللازمة, ويحصل العلم به بتقدير مدة عمل الخطاب, كيوم أو أسبوع أو شهر؛ وذلك لأن الخطابة اللازمة إجارة, والإجارة يشترط فيها العلم بالعمل, ويحصل ذلك بتحديد الزمن أو بتحديد العمل ببيان أوصافه بياناً كافياً(8).

وفي حال كون الخطابة جائزة, فإنه لا يشترط العلم بمقدار عمل الخطاب, وتجوز الجهالة فيه؛ لأنها محمولة على الجعالة, والجعالة تجوز فيها جهالة العمل (9).

 

 

ويشترط في أجرة الخطابة الزوجية ما يأتي (10) :

1-أن تكون الأجرة مما يباح وينتفع به لغير ضرورة كالثمن.

2-أن تكون الأجرة مملوكة للموسط أو مأذوناً له فيها كالثمن في البيع.

3-أن تكون الأجرة مقدوراً على تسليمها؛ لأن ما لا يقدر على تسليمه شبيه بالمعدوم, والمعدوم لا يصح جعله عوضاً, فكذا ما أشبهه.

4-أن تكون الأجرة معلومة كالثمن في البيع.

وكذا يشترط العلم بالجعل لو كان عقد الخطابة كالجعالة؛ لأن جهالة العوض تفوِّت المقصود من عقد الجعالة, إذ لا يكاد أحد يرغب في العمل مع جهالة الجعل, ولا حاجة إلى جهالته بخلاف العمل والعامل, حيث تغتفر جهالتهما للحاجة إلى ذلك (11)

 

……………………..

 

 

خطابة المسلم للكافر والعكس:

يصح للخطاب المسلم أن يكون وسيطاً للكافر الذمي والمستأمن؛ لأن عقد الخطابة الزوجية من عقود المعاوضات التي يملكها المسلم والكافر, ولا تتضمن إذلال المسلم ولا استخدامه كالبيع فإنه لا يشترط له إسلام العاقدين إجماعاً, ولا فرق في هذا بين الخطابة المقدرة بالعمل أو الزمن.

وكذا العكس بأن يكون الكافر الموثوق المعروف بالصدق والأمانة وسيطاً للمسلم (12).

فقد ورد في حديث عائشة-رضي الله عنها-: ((واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني الديل هادياً خريتاً (الماهر بالدلالة), وهو على دين كفار قريش)) (13), ((ولأن العدالة غير مشترطة فيه, وكذلك الدِّين كالبيع)) (14).

 

 

………………………………………………………………..

(1) انظر: حاشية ابن عابدين 6/5, والفتاوى الهندية 4/409, ومواهب الجليل 4/228, ومغني المحتاج 2/333, والإنصاف 6/4.

(2) انظر: المبسوط 6/144, ومواهب الجليل 4/229, وروضة الطالبين 3/321, 8/39, وكشاف القناع 5/39.

(3) انظر: الاختيار لتعليل المختار 2/10, ومواهب الجليل 4/229, وكشاف القناع 11/237ط وزارة العدل.

(4) انظر: بدائع الصنائع 4/175, والفتاوى الهندية 4/411, ومقدمات ابن رشد 2/164, وعقد الجواهر الثمينة 2/825, وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/16, والمهذب 2/517, وروضة الطالبين 3/342, والمحرر في الفقه 1/356, وشرح منتهى الإرادات 2/418-419.

(5) انظر: بدائع الصنائع 4/175, ومواهب الجليل 5/452, ومغني المحتاج 2/332, والإنصاف 4/267.

(6) انظر: حاشية العدوي على الخرشي 7/74, وحاشية قليوبي وعميرة 3/131, وشرح منتهى الإرادات 2/418-419, 446.

(7) انظر: مواهب الجليل 5/191, وروضة الطالبين 4/294, والمغني 8/125, والمبدع 5/268.

(8) انظر: المبسوط 15/115, والبيان والتحصيل 8/479, وروضة الطالبين 5/189, والمغني 8/11.

(9) انظر: حاشية الدسوقي 4/66, ومغني المحتاج 2/429, والمغني 8/325.

(10) انظر: القوانين الفقهية, ص: 181, وبلغة السالك 2/291, 7, وروضة الطالبين 5/174-175, ومغني المحتاج 2/334, والمغني 8/14, وشرح منتهى الإرادات 2/142.

(11) انظر: مغني المحتاج 2/431, والمغني 8/327.

(12) انظر: بدائع الصنائع 4/174, وبلغة السالك 2/275, وروضة الطالبين 3/345, والمغني 7/237, والإنصاف 6/24.

(13) رواه البخاري في ((صحيحه)). كتاب: الإجارة. باب: استئجار المشركين عند الضرورة أو إذا لم يوجد أهل الإسلام. برقم: 2263 .

(14) المغني 7/237.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم