الحاجة إلى الحبّ هي واحدة من أهم الحاجات الإنسانية وأعظمها قيمة لديه، فالإنسان – رجلاً كان أو امرأة، صغيراً كان أو كبيراً – يتعطش للمودة، وينشد الحب، ويريد من أعماق قلبه أن يكون محبوباً ومرغوباً من الآخرين، كما أنّه في المقابل يكره النبذ والرفض، وتجتاحه مشاعر الكآبة والحزن والإحباط حينما لا يرى أحداً يحبه، ولا أحداً يرغب فيه.
وفي إطار الزواج عندما يقترن الرجل بالمرأة ليبنيا عش الزوجية السعيد، فإنّ أوّل ما ينتظره الرجل من المرأة الحب، وأوّل ما تتطلع إليه المرأة من الرجل الحب، فكلاهما يبحث عن الحب، وكلاهما يريد أن يشعر بحب الآخر وتعلقه به ورغبته فيه.
يقول الإمام الصادق : “خُلقت المرأة من الرجل، وإنما همتها في الرجال، فأحبوا نسائكم”.
وتبادل الحب بين الزوجين له أثر كبير على علاقة الزوجين ببعضهما البعض وعلى الحياة الزوجية بكاملها، فحينما يشعر أحد الزوجين بأنّه محبوب ومعشوق من الطرف الآخر، وأنّه موضع اهتمامه وتقديره وإكرامه، وأنّه يبذل كلّ ما في وسعه من أجل راحته وسعادته، فإنّ الآخر سينفذ إلى قلبه وروحه، وتغمره بذلك البهجة والسعادة، وسيصبح أكثر حباً وتعلقاً، وأكثر وفاءً وإخلاصاً، وأكثر عطاءً وتضحية، وأكثر دعماً ومساندة للآخر. ويقال : “فأشفقوا عليهنّ وطيّبوا قلوبهنّ حتى يقفن معكم”. ويقول آخر : “هبة الرجل لزوجته يزيد في عفتها”.
ويقول أحد الحكماء : “لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء في ما بينه وبين زوجته وهي الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها، وحسن خلقه معها، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها وتوسعته عليها”.
وعلى العكس من ذلك، حينما يلمس الزوج أو الزوجة فتوراً في العلاقة، وبروداً في المشاعر، ونضوباً في العواطف، أو يشعر بأنّ الشريك الآخر لا يحبه ولا يوده، ولا يرغب في الاقتراب منه، ولا الجلوس معه، ولا الحديث إليه، ولا السؤال عنه، ولا ينظر إليه باحترام، ولا يعامله بلطف، ولا يخصه بتقدير، ولا يعيره انتباه، فإنّ جذوة الحب ستنطفئ في قلبه، وسوف يضعف اهتمامه بشريك حياته، وسيتخلى عن واجباته الزوجية أو يهمل في القيام بمسؤولياته تجاه بيته وأولاده، وعندما سيصبح البيت الزوجي فوضى، وستبدأ مشاعر الكراهية والنفور من الزوج والأولاد والبيت في الظهور على السطح شيئاً فشيئاً، وستخيّم أحاسيس السأم والملل والضجر والغربة والوحدة على الحياة الزوجية.
ومتى ما انطفأ الحب أو خفت بين الزوجين فإنّ العلاقة الزوجية ستضطرب وتهتز، وسيصبح البيت الزوجي مرتعاً للمشاكل والنزاعات الزوجية التي لا تنتهي، وقد يلجأ أحد الزوجين أو كلاهما إلى إشباع حاجته إلى الحب من خارج إطار الزوجية، بل ربما وصل الأمر في نهاية المطاف إلى الطلاق البغيض.
تقول إحدى الزوجات الراغبات في الطلاق: إنني لا أرغب بعد اليوم بالاستمرار في حياتي مع زوجي عديم المشاعر والأحاسيس، فقد قضيت معه أكثر من سبع سنوات من الألم والعذاب النفسي، بسبب إهماله لي وقسوته في التعامل معي وعدم إحساسه بمشاعري، ففي بداية حياتنا الزوجية كان لطيفاً وحنوناً ومحباً ومهتماً بي ويكثر من الثناء عليّ والإشادة بجمالي، ويهديني الورود والحلي وغير ذلك، أما الآن فهو بارد المشاعر وجامد العواطف، ولا مبالٍ بي ولا باحتياجاتي، ولا يحب الجلوس معي، ويسخر من مشاعري، وهو في كثير من الأحيان فظ غليظ القلب وقاسٍ، وحينما أسأل عنه يقول لي دائماً: “دعيني وشأني” و”ليس لك شغل فيّ” و”لا أحب أن تسألي عنّي أو تتصلي بي أينما كنت”. ومنذ أكثر من خمس سنوات لم يحمل لي هدية أو وروداً ترمز إلى حبه أو تقديره لي. لم أعد أشعر أبداً أني موضع حبه وعنايته فضلاً عن أن أكون مميّزة لديه، وأنا الآن أعاني كثيراً من الشعور بالوحدة والفراغ القاتل وأعيش التعاسة في حياتي الزوجية، وأريد الخلاص منه في أقرب وقت.
من هنا نرى تأكيد القرآن الكريم على أهمية الحب والمودّة ودورهما في استقرار العلاقة الزوجية وحصول السكينة بين الزوجين في قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الرّوم/ 21).
ومن خلال نظرة سريعة في النصوص الواردة عن النبيّ وأهل بيته (عليهم السلام) نلمس حرص الإسلام واهتمامه الشديد بإشاعة وتعزيز ثقافة الحبّ بين الأزواج.
المصدر: كتاب لنتعلم لغة التعبير عن الحبّ