الأحد 24 نوفمبر 2024 / 22-جمادى الأولى-1446

حـــقُّ الطّريـــقِ في الإِسْـــلام



الحمد لله رب العالمين، الحمد لله جعل لنا القرآن قانونًا ودستورًا، فمن سار على أحكامه كان له نبراسًا ونورًا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده، هو عزّ كلّ ذليل، وقوّة كلّ ضعيف، وغوث كلّ ملهوف، وناصر كلّ مظلوم، قال تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 123، 124]. وأشهد أنّ سيدنا وحبيبنا وقائدنا ورائدنا محمدًا عبد الله ورسوله، جعله الله لنا قدوة، ولحياتنا أسوة، قال عنه ربنا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]. فاللهم صلّ وسلّم وزد وبارك عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعن أصحابه والتابعين ومن سار على هديهم إلى يوم الدين..
أمّـــا بعـــــد:

عناصر الخطبـة:
1.القرآن دستور الأمة والسنة المذكرة التفسيرية.
2.لماذا نتحدّث عن حقوق الطريق؟
3.مفهوم الطريق والجلوس فيه.
4.من حقوق الطريق:
1.كف الأذى عن الطريق وعن النّاس.
2.غض البصر وخطورة إطلاقه في الحرام.
3.ردّ السلام في زمن الغربة الثقافية.
4.الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
5.إغاثة الملهوف ونصرة المظلوم.
6.وماذا بعـــد؟.

فلقد اقتضتْ حكمة الله تعالى أن يجعل القرآن دستورًا لعبادِه، فمن سار عليه اهتدى ورشَد، ومن زاغ عنه ضلّ وفسَد، ولقد قدَّر الله تعالى لأُمّتِنا أن تكون السنة النبوية وسيرة النبيّ الحبيب هما المذكرة التفسيرية للدستور القرآني، فمن أراد أن يتعرّف على معنًى في القرآن، أو يدلّل على آيةٍ كانت السنة هي السبيل له.
وإن كان المفسرون قد فسّروا القرآن بأقوال مأثورة وقصص مشهورة، فإنّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم قد فسّر القرآن الكريم بسلوكه وأخلاقه، ونجاة الأمّة المحمدية بسلوك طريق نبيهم والاهتداء بهديه والسير على طريقه، ولا يمكن أن يتقدّم المجتمع إلا بالمحافظة على قيم وأخلاق وآداب الإسلام، فإنَّما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا..

ومن بين الآداب التي وردت في المذكرة التفسيرية للدستور القرآني: قول النبي صلى الله عليه وسلّم، كما عند البخاريّ في الصحيح، من حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ: «إِذْ أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجْلِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ» قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ»…

وفي هذا الحديث الشريف بيان لعظم رسالة الإسلام الشاملة لكل حياة الناس؛ فما من باب من أبواب الحياة الإنسانية إلا وللإسلام فيها شأن، حتى دخول الخلاء.
والطريق أيها الأخوة أحد المشتركات بين الناس؛ فالناس شركاء في الطريق العام والمرافق العامّة، ومن ثمّ فليس حصريًّا على أحد، وليس ملكًا لأحد، وبالتالي يلزم الالتزام بالآداب والقيم المحافظة على حقوق الآخرين فيه؛ لا سيّما وأنّ علامة الإيمان والإسلام الأخلاق الفاضلة…
فإن احترام الطريق والحفاظ علي المرافق العامة من الأخلاق العالية التي جاءت رسالة الإسلام تهذبها وتقويها كما قال النبي صلي الله عليه وسلم “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” [رواه أحمد في المسند ومالك في الموطأ]. فتعالَوْا بنا لنقف مع فوائد ودروس هذا الحديث، وكيف ننفّذ ما أمر به الإسلام في واقعنا المعاصر؟ وذلك على النّحـو التّالي.

أولا: لماذا نتحدّث عن حقّ الطريق؟
1.لكثرة مشاكل الطرق في بلادنا، بالإضافة إلى كثرة الحوادث التي تحصد آلاف الأرْواح كل عام، فقد كشفت منظمة الصحة العالمية عن أرقام مفزعة شهدها عام 2014 خاصة بحوادث الطرق، التي راح ضحيتها حوالي 13 ألف قتيل و60 ألف مصاب في مصر، الأمر الذي وضع مصر على رأس قائمة الدول الأسوأ عالميًا في حوادث الطرق. وأظهرت إحصائية منظمة الصحة العالمية، أن عدد قتلى حوادث الطرق لكل 100 كم في مصر قد وصل إلى 131 قتيلا، في حين أن المعدل العالمي يكون من 4 إلى 20 قتيلا، فيما يوضح المؤشر أن مصر يحدث بها 22 قتيلاً لكل 100 مصاب، بينما المعدل العالمي 3 قتلى فقط لكل 100 مصابا.. فكم من بيْتٍ أصيب في عزيز وحبيب!!! ويشير مركز التعبئة والإحصاء بمصر إلى أن هناك: 21.188 مركبة تالفة نتيجة للحوادث المرورية في 2014م.

2 ـ نتحدث عن حق الطريق؛ لأنّ المحافظة على الطريق وإزالة الأذى منه سبب من أسباب مغفرة الذنب، ودخول الجنة، وشكر الله تعالى للعبد.

3.لإثبات أنّ كل أحد في هذه الحياة له حقّ علينا، فالأب والأم والابن والبنت والجار والدين والعلم، حتى الجمادات لها حق علينا كالمحافظة والاحترام لها وعدم إهانتها، وإثبات أنّ الدين يدخل في كل مجال من مجالات الحياة.

ثانيًا: مفهوم الطريق والجلوس فيه:
أولا: تعريف الطريق: هو كل لما يطرقه الناس مشيًا وحركةً، لا سيّما الطريق العام والمرافق العامّة؛ لذا فإن الاعتداء على الملكيات العامّة أشدّ خطورة على المعتدِي من التعدّي على الملكيات الخاصّة..

ثانيًا: معنى الجلوس في الحديث: هو اللبث في الطريق سواء اتخذ مجلسًا في ناصيتها، أم مقعدًا عند بيته، أو كرسيا خارج دكانه، أو كان في مقهى أو مطعم يجلس على حافة الطريق أو نحو ذلك، فكل ذلك جلوس في الطريق. وليس المعنى ذات الجلوس، وإنما اللبث في الطريق فلو جلس في سيارته، أو وقف يتحدث مع صديقه، أو ينتظر أحدًا، فكل أولئك يتناولهم حق الطريق المنصوص عليه في الحديث..

ثالثًا: حقوق الطريق في الإسلام
أولا: كفّ الأذى عن الطريق وعن الناس
وكفّ الأذى هي كلمة جامعة تتناول كل أذى بالقول أو الفعل أو الإشارة، والأذى في الطريق معصية وتوجب اللعنة والطرد من رحمة الله، وعلامة الإيمان والإسلام أن يكفّ المسلم أذاه عن الناس، سواء أكان باللسان أم باليد، قال صلى الله عليه وسلّم: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ» [رواه البخاري عن عبدالله بن عمر].
وسئل النبي يومًا: أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ وفي رواية: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ؟، قَالَ: «مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» [رواه مسلم في صحيحه].

والإيذاء له أشكال متعددة:
1.فهناك الأذى المشموم كالروائح الكريهة، حتى إن الإسلام نصح من أكل ثومًا أو بصلاً ألا يقترب من المسجد للصلاة فيه؛ مراعاة لشاعر المصلين، وحفاظًا على الروائح الطيبة، وحتى لا تصيبه لعنات الناس عليه.

2.وهناك الأذَى المسْموع: ومنه أذى الناس بالسيارات بالسّرينة العالية، وترويعهم بها، والصخب و الصفير والضجيج بالغناء وإقامة الأفراح، أو رفع أصوات المذياع أو الكاسيت أو مكبر الصوت، بحيث تزعج المارة ويصل إزعاجها إلى داخل البيوت، فتوقظ النائم، وتضجر المريض، وتقلق الطالب الذي يريد أن يذاكر.. ومن الأذى المسموع في الطرقات والشوارع: السبّ والشتم والقذف -وهذا مما لا يخْفى على أحد-: فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعُود رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ»: [قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وصححه الألباني].

3.وهناك الأذَى المرْئي: كالصور العارية، وتعمُّد الخرُوج السَّافر إلى الطرقات، ألا فلنساعد غيرنا على العفة وغضّ البصر. فمن ساهم في إيذاء الناس في عيونهم ونظرهم فعليه لعنة الله.

4.وهناك الأذَى المحسُوس: مثل ركْن السيارات في الطريق وهذا فعل قبيح؛ لأنه يغلق بها الطريق أو يضيقه على المارة، فكل من مرَّ وتأذى بفعله شتمه أو دعا عليه، وهو لا يدري مغبة ما فعل. فلا بد من الذوق والأدب في قيادة السيارة وعدم تعطيل مصالح النّاس. وأيضا التعدي على الطريق بالبناء، واستخدامه استخدامًا خاصًّا، وذلك كثير. ومنه: إلقاء النفايات في الطريق، ولا سيما ما فيه خطر كالزجاج والمسامير، أو ما فيه روائح خبيثة تؤذي المارّة، وفاعل ذلك يجني من الأوزار بقدر ما آذى المارِّين.

وليعلم كل مسلمٍ أنّ الله تعالى لا ينظر إلى قلة العمل أو كثرته؛ ولكن إلى أثره في حياة الفرد والمجتمع؛ فلربما عمل الإنسان عملاً صغيرًا حقيرًا لكن تعظمه النية ويرفع قدره الأثر الصالح له، ولربّما عمل الإنسان عملاً عظيمًا لكن تصغره وتحقّره النيّة ويحطّ من قدره أثره السيئ.
فإذا نظرنا إلى الطريق: قد يمكنك أن تزيل حجرًا من الشارع، أو تحرّك غصن شوك بعيدًا عن طريق المارّين، فانظر –رحمني الله وإياك- إلى ثواب ذلك، يقول النبي صلى الله عليه وسلّم: كما في صحيح البخاري ومسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ».. فهذه مثوبة من أخّر الأذى عن طريق الناس، فكيف بعقوبة من آذى الناس في طرقاتهم.

ولذا فقد عظّمت الشريعة مِنْ ثواب مَنْ أزالَ الأذى عن طريق النّاس؛ فاعتبرت أن إماطة الأذى وإزالته عن طريق الناس صدقة ودين وتعبد لله تعالى؛ ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ»..
كما أن الشريعة الغرّاء جعلت إماطة الأذى عن طريق الناس شعبة وعلامة من علامات الإيمان، ففي الحديث عن مسلم في صحيحه، من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ – أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ – شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ»…
هذا وقد غلظت عقوبة من آذى الناس في طرقاتهم -في المقابل-: ففي الحديث: «مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ , وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ». ولذا فقد ثبت عن بعض السلف في موقف عظيم: كان الورعون لا يشترون شيئاً ممن قعد يبيعه على طريق الناس؛ كمساعدة في حمل الأذى وتأخيره عن طريق الناس..

ثانيًا: غض البصر
لقد أمرت الشريعة بغض البصر؛ كمساهمة في عفة الذات والغير -في كل مكان-، لا سيّما في الطريق وهو مظنّة رؤية الحرام والعورات، ففي حديث حقوق الطريق كما رواه أبو سعيد الخدْري: (وغضّ البصر).
وقد كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا؛ ففي الحديث عند أحمد في المسند: “العين تزني والقلب يزني، فزنا العين النظر، وزنا القلب التمني، والفرج يصدق ما هنالك أو يكذبه”.
وفي الحديث: «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله»…

وخطورة إطلاق البصر في:
أنّه مخالفة لأمر الله ورسوله، ففي القرآن: (قل للمؤمنين، وقل للمؤمنات).
حرمان الحفظ والفهم: شكوت إلى وكيع سوء حفظي *** فأرشدني إلى ترك المعاصي.
الاستهانة بالمنكر والحرام.
فساد القلب وفقد لذة التعبّد.

ومن فوائد غض البصر:
الدخول في دائرة الطائعين لله تعالى فيما أمر به، والحذر مما نهى عنه.
حصول لذة في القلب والشعور بحلاوة الإيمان.
يهب الإنسان نورًا في قلبه وفؤادِه؛ فيدفعه لكل خير ويصرفه عن كل شر.
قوّة العقل والفهم والعلم، مع سرور اللذة بالإيمان والطاعة.

وإذا أردت أن تتدرّب على غضّ البصر عن الحرام فعليك بالآتي:
الاستحياء من نظر الله إليك، واليقين بأنّ نظره أقرب وأسرع إليك من نظرك إلى الحرام.
الاستحياء من حبيبك محمد يوم القيامة على الحوض.
الاستحياء من مراقبة الملائكة وكتابتها ما تفعل: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: 10 – 12].

استح من الرجل الصالح من قومك.
استح من الأرض التي ستتحدث يوم القيامة بكل ما حدث على ظهرها، قال تعالى: {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} [الزلزلة: 2 – 5].
الاستحياء من أعضائك وجوارحك، فعينك ولسانك ويدك ورجلك وجلدك، الكل سيشهد: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ} [فصلت: 21، 22].
أتبع السيئة الحسنة تمحها، قال صلى الله عليه وسلّم –كما في الحديث الحسن الذي رواه الترمذي- «اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ». فلنغض أبصارنا عن الحرام، ولنحفظ أعضاءنا اليوم لتحفظنا غدًا أمام الله تعالى.

ثالثًا: ردّ الســـــلام
أيها الأحبّة: لقد تغيّرت ثقافة كثير من المسلمين؛ حيث أبدل الناس الكلمات الطيبة التي يثاب عليها الإنسان بغيرها التي لا يثاب عليها الإنسان، كالسلام والتحية، فبتنا نسمع: (هاي، هللو، صباح الخير…..الخ) وقد تكون كلمات عادية، لكن هناك ما هو أفضل منها تعبدًا لله تعالى.
وإلقاء السلام أدب من آداب الإسلام وسمت للصالحين، وخلق كريم يزرع المحبة بين الناس، ويزيل الضغائن، ويشيع الأخوة الصافية بين المسلمين، ففي صحيح مسلم: «لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ».. كما أنها تحية أهل الجنة، ونداء الملائكة عليهم في جنات النعيم..
فأين الحفاظ على هذا الواجب: ردّ السلام بطريقة صحيحة، قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} [النساء: 86].
وفي الحديث الصحيح كما عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ: رَدُّ السَّلَامِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ». فما أحوجنا إلى إلقاء السلام وردّه؛ فقد ندُر إلقاء السلام بين الناس في الطريق والشارع والوظائف والمهن.

رابعًا: الأمر بالمعرُوف والنهي عن المنكر
لقد جعل الله تعالى خيرية هذه الأمّة في أمرها بالخير ونهيها عن الشرّ، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]. وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فيما نقله ابن كثير عن قتادة في تفسير هذه الآية، يقول عمر: ((من سرّه أن يكون من هذه الأمّة فليؤدّ شرط الله فيها، قالوا: وما شرط الله فيها: قال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم تلا الآية… كنتم خير أمّة)).

فأمتنا الإسلامية مميزة بالأمر والنهي بالحكمة والموعظة الحسنة، وطرقاتنا كثيرًا ما يقع فيها الخطأ والشرور، ومن ثمّ فإن على عاتق من جلس في طريق أو مرّ في شارعٍ أن يؤدي دوره في الدعوة إلى الله تعالى، لا سيما إن توافرت فيه شروط الدعوة والأمر والنهي، ولكن بشروط الدعوة، منها: الإخلاص، والفهم، والرفق، والأدب، والحكمة، والحلم، والابتسام… وهكذا..
وإن الأمم المضيّعة لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمم ملعونة، قال تعالى عن بني إسرائيل: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78، 79].

وما قصة السفينة عنا ببعيد: ففي صحيح البخاري عن النعمان بن بشير، قال سمعت النبي يصول: «مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا». فهل سنترك سفينة المجتمع تغرق؛ لسوء فهم البعض؟!!
فالمؤمن حقاً هو الذي يركض إلى المنكرات ويسعى إليها ليغيرها، قال الله جل وعلا: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} [يس:20] من أبعد مكان في المدينة هل يركب حماراً أو دابة أو سيارة أو طائرة؟ لا والله، بل يركض على رجليه، هل تعرفون لماذا؟ لأن هناك منكراً قد أصاب الناس ووقعوا فيه {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} [يس:20] يا قوم! ما لي أراكم لا تصلون يا قوم! ما لي أراكم تأكلون الربا، وتنتهكون الحرمات يا قوم! ما لي أراكم تعرضون عن الذكر وعن الأذان والصلاة! {يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [يس:20 – 21] ثم بعد هذه النصائح قتلوه؛ لأنه أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وبعض الأحيان يضرب ويقتل الدعاة، ويسفهون، ويسجنون، والداعية لا يبالي بالعواقب، إنما يبالي إن أمر بمعروف أو نهى عن منكر. فلما قتل انظر ماذا حصل له؟ بعثه الله، فماذا قال؟ {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} [يس:26] لا يزال يفكر في قومه، ويهتم بهم {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس:26 – 27].

ومن حقوق الطريق أيضًا: إغاثة الملهوف؛ ففي صحيح البخاري: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ»، فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «يَعْمَلُ بِيَدِهِ، فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ» قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «يُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلْهُوفَ» قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ، وَلْيُمْسِكْ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ». والملهوف: هو المظلوم المستغيث يطلب معونتك!! وفي الختام أنقل إليكم ما جمعه أحد الصالحين عن حقوق الطريق، وننادي بما نادى به أحد الصالحين، فقال:
جمعت آدابَ مـن رامَ الجلُوس على *** الطريق من قول خير الخلق إنساناً
أفش الـسلام وأحــسن في الكلام *** وشـمت عاطساً وسلاماً رُدّ إحسانا
في الحـمْل عاوِن و مظلوماً أعِنْ *** وأغِثْ لهفاناً واهْدِ سبيلاً واهْدِ حيرانًا
بالعُرف مُـْر وانْه عنِ المنكَر وكُفّ *** أذًى وغُضّ طرفاً وأكْثِر ذِكْرَ موْلانَا

ومــاذا بعـــد؟
إنّ على أبناء الأمّة أن يكونوا صورة حسنة للإسلام، وأن يعيشوا بأخلاقه في أقوالهم وأفعالهم وأحاديثهم وجلساتهم، فكما يقول: أ. سيد قطب، -واصفا نصْرَ رسول الله بهذه الدعوة في تربيته لأصحابه-: “وانتصر محمد بن عبد الله يوم صنع أصحابه –رضوان الله عليهم– صورًا حيَّةً من إيمانه، يوم صاغ من كل منهم قرآنا حيًّا يدب على الأرض، يوم جعل من كل فرد نموذجًا مجسّمًا للإسلام، يراه الناس فيرون الإسلام . ولقد انتصر محمد يوم صاغ من فكرة الإسلام شخوصًا، وحَوَّل إيمانهم بالإسلام عملاً، وطبع من المصحف عشرات من النسخ، ثم مئات وألوفًا… ولكنه لم يطبعها بمداد على صحائف من ورق، وإنما طبعها بالنور على صحائف من قلوب، وأطلقها تُعَامِل الناس، وتأخذ منهم وتُعطِي، وتقول بالفعل والعمل ها هو الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله!”
فنحن أولى بنا أن نساهم في الحفاظ على مجتمعنا، نحافظ على قيمه، ومرافقه العامة والخاصة، نحافظ على وحدته وأمان أبنائه وبناته، ولن يكون هذا إلا إذا ارتضينا شرع الله لنا منهجًا وطريقة حياة…
نسأل الله تعالى أن يحفظنا بحفظه…

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم