الخميس 19 سبتمبر 2024 / 16-ربيع الأول-1446

نظرة تفاؤل…



التفاؤل… لقد حاول كبار الفلاسفة من أرسطو إلى فولتير مقاربة معناه، ولكن أبسط هذه المقاربات هي التي صاغتها كارمن سيلفيا ملكة رومانية في القرن التسع عشر بالقول: ” التفاؤل هو رؤية الحياة من خلال شعاع الشمس”.
فما هو التفاؤل حقيقة!!
التفاؤل عبارة عن ميل نحو الجانب الأفضل للأحداث، وتوقع أفضل النتائج. وهو وجهة نظر في الحياة والتي تبقي الشخص ينظر إلى العالم كم كان إيجابي. فالتفاؤل يمكن أن يكـــــون مصــــدرا للتحفيز الذاتي.

تطوير الحيـــاة اليوميــة يستند إلى حـــد كبيـــر على اختيــار شخصي، وعلــى حالات نفسية محـــددة. من بينها، التفاؤل الذي هو من دون شك، واحدٌ من أكثر السبل فعالية لتغيير وعيك نحو الشعور بالارتياح. وإذا كانت تقلبات الحياة تجعل تـبَــــني هذا المفهوم الفلسفي صعبا في الغالب، فالتفاؤل، مع ذلك، يبدو حائزا على الفضائل التي تذهب إلى أبعد من مجرد رؤية الجانب المشرق من الأشياء. إن هذه الفلسفة تهدف لأن تجعل من التفاؤل عنصرا أصيلا في حياتك اليومية بشكل دائم.
أقترح عليكم اليوم إذن، (ثلاثة) نصائح من شأنها أن تجعلكم ترون النصف المملوء من الكأس، عندما يرى الآخرون الجزء الفارغ.

1.التفاؤل من خلال إعادة النظر الإيجابية
إذا كان التفاؤل لا يمنع من مواجهة المواقف الصعبة، فإنه أيضا يسمح بالحـــد من تــأثيرهــا السلبــــي على نفسيتـــك.
إن الارتقاء بنفسك يقوم على قدرتك على طرح الأسئلة الإيجابية، من أجـــل تجاوز المــــحن والخروج خروجا مشرفا من أي موقف. وهكذا، في المواقف الحرجة، لا تتجه إلى رثاء مصيرك، أو التفكير فيها – أي في هذه المواقف- بسلبية، بل يتعين أن تنشغل بما يكمن أن يجلبه هذا الموقف أو ذاك من إيجابيات لحياتك.
ألا يمكن أن يزودك ذلك بالأسلحة الكفيلة بجعلك تواجه المستقبل بجدارة؟ ألا يمكن أن تمنحك مثل هذه المواقف الحرجة فرصة تعزيز قابليتك للتكيف مع مختلف المواقف؟

في الـــواقع أي حــدث يمـــر بــك، تنتج عنه عــــــدة تبعـــــات، أنت مطالَــــب بتحديـــــد أثــــرها علـــى شخصــيــتك.
حتى في المـــواقف الأكثر صعوبـــة التي قد تعرض عليك، كوفاة شخص عزيز عليـــك، من شأنها أن تدفعك باتجاه التفكير في حياتك الخاصة، وتكون سببا في جعلك تطور حياتك، سواء أكان ذلك بتأثيرها النفسي أو العقلي أو الأخلاقي. في هذا الإطار أود أن أشارككم هذه القصة لأحدهم وكيف تعامل فيها بتفاؤل..
إنه حدث وفاة والده في حادثة سير…
لقد كانت علاقته قوية بوالده الستيني الذي لم تكن تفصله عن التقاعد إلا شهور قليلة… كان موظفا بسيطا، لكنه كان قوي الشخصية، وكان يأمل كثيرا في أن يرى ابنه ناجحا في حياته وأن ينجح في دراسته للصيدلة…
ولكن هيهات، فقد كان للقدر كلمة أخرى… توفي الوالد بينما نبيل يتابع دراسته – خارج البلاد – في سنته الأخيرة… كان موقفا صعبا للغاية، ومع ذلك، فقد نجح نبيل في تجاوزه، بتبنـــي ميزات شخصية والده…
ماذا لو كان بإمكان والدي أن يسدي لي نصيحة وأنا في هذا الموقف؟ هكذا تساءل.
لا شك – كان سيقول لي لا تعد إلى بلدك حتى تنهي دراستك، لتساعد ما تبقى من أسرتك الصغيرة وتكون قد حققت أمنيتي. وهذا بالضبط ما صنعه نبيل.
لقد جعل من وفاة والده عاملا تحفيزيا، جعله يشعر بالالتزام أكثر تجاه نفسه، وتجاه أمنية والده… فصار يشعر بمسؤولية أكبر تجاه والده المتوفى وكأنه سيلتقيه ولو بعد حين، وسيخبره أنه حقق أمنيته…
رحل والد نبيل ولكن ترك له الكثير من الأمل والإحساس بالمسؤولية والتحفيز من أجل الإنجاز.

2. التفاؤل في الاتصال مع العالم الخارجي
قدرتك على النظر إلى الأشياء من جانبها المشرق، يتوقف على مدى تأثير البيئــــــة المحيطة بـــك.
كونك مثلا مُحـــاط فقط بالأشخاص الذين يلتحفون السواد دائما، فذلك سيجعل من الصعب عليك تطوير نظرتك المشرقة للأشياء.
التفاؤل إذن، هو كالتحمس أو السرور كالعدوى تنتقل من شخص لآخر.
هدفك إذن هو أن تقضي أكبر وقــت ممكـــن رفقة الأشخاص الذين يبدو أنهم لا يقعون تحت تأثيـــر الضغوط، أو تحت تأثير مشاكلهم الشخصية.

لا يعني هذا أنك غير مطالب بمساعدة مثل هؤلاء الأشخاص من وقت لآخر، ولكن تذكر أن السلبية المحبطة، دائما تنتهي بالتغيير السلبي لنمط تفكيرك.
قم بتجديد حياتك مع أحبائك، أصدقائك أو شريك حياتك لتكون قادرا على البوح لهم بالهواجس الخاصة بك، بأخطائك أو مشاكلك.
تذكر أن الأشخاص الذين يحبونك، دائما يميلون إلى الرفع من معنوياتك، وإلى دفعك إلى استخلاص ما هو إيـــجابي من كـــل موقف.
كما أن الحــــوار هو سلاحك الأفضـــل، من أجل تغير تصوراتك، وبناء تصورات بناءة، من شأنها أن تحسن تصورك لذاتك.
إذا لم يكن بمقدورك أن ترافق الأشخاص الأكثر أهمية لديك، بإمكانك أن تبحث عن “وقت يومي للتفاؤل”، بزيارة مدونات من شأنها مساعدتك على التفكير في أوضاعك، أو بمشاهدة التلفاز… بحيث من شأن ذلك أن يجعلك قادرا على تطويق أي فكرة سوداوية قد تقتحم تفكيرك.
ليس لدك أية قيود خاصة، فيما يتعلق بالمصادر الخارجية التي تلهمك: أنت حر في أن تجول بعقلك أينما تريد، انطلاقا من اللحظة التي يشحن فيها عقلك بالصور التي تسمح لك بتطوير حالة وعيك، ومنه بالاتجاه نحو التفاؤل.

3. التفاؤل من أول وهلة نستيقظ فيها…
طبيعة حالتك الشعورية عندما تستيقظ صباحا، هي ما سيحدد الطريقة التي ستـمـــر بــها بقيـــــة يومــــك.!
إذن لماذا لا نبـــــدأ هذه اللحظة بأحســــن الطرق؟
فمنذ اللحظة التي تتناول فيها وجبة فطورك، ركـــــز فقــط على الأفكـــــار الإيـــجابية…
حدث نفسك بأنك ستقضي في هـــذا اليــــوم وقتـــا رائعــــا، أنك ستلتقي أناسا جددا، ستقبل على تحديات جديدة، ومصادر جديدة للارتياح الذاتي.
إذا بدا لــك أن حالة وعيك لا تتحسن مع هذا التمرين التحفيزي البسيط، حينها يمكنك التفكير في تمرينات مادية، كحصة تمدد، أو رياضة كمال الأجسام، أو حصة ركض… وذلك ما سيمكنك من التغلب على حالة الإجهاد والبدء بانطلاقة جديدة، بتكون الانطباع لديك بأنك قد حققت شيئا ملموسا قبل أن تتجه الى عملك حتى.

التفاؤل هو حالة نفسية ليس من الصعب تحصيلها. لكن في المقابل، تطوير هذا التفاؤل والإبقاء عليه يتطلب منك بذل المزيد من الجهد.
سعيك إلى تحقيق السعادة يمر من هذا النوع من التفكير اليومي، وهذا من أجل أن نقول لك أن مشاكلك ليست بعيدة عن الحل، كما أنها قد تفيدك في بناء شخصية مشرقة ومزدهرة.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم