دراسة تكشف تأثيره الإيجابي شملت نحو 3.5 مليون شخص
صحيح أنّ الزواج قد يُصيب بعض الرجال والنساء بالإجهاد ويسبب لهم الضغوط، إلا أنّه، وفقاً لدراسة جديدة، لن يؤذي قلوبهم، بل يحميها من خطر الإصابة بالأمراض.
في دراسة حديثة أجريت على أكثر من 3.5 مليون شخص من الرجال والنساء، وجد باحثون من مركز لانغون الطبي التابع لـ”جامعة نيويورك”، أنّ خطر الإصابة بأمراض القلب منخفض بشكل ملحوظ لدى المتزوجين، مقارنة بالعازبين والأرامل والمطلقين.
هذه الدراسة تأتي لإزالة الشكوك وإضفاء التأكيد على تأثير الزواج الإيجابي في صحة القلب، في ظلّ دراسات سابقة كانت لها نتائج متضاربة أو غير قاطعة. يقول الدكتور كارلوس ألفيار، أخصائي القلب في مركز لانغون إنّ “هذه الدراسة هي الأكبر من نوعها، وقد نجحت في تقديم نظرة أشمل على العلاقة بين الوضع الاجتماعي وأمراض القلب والأوعية الدموية”.
وعلى الرغم من أنّ الأسباب الكامنة وراء نتائج الدراسة غير واضحة، إلا أنها تدعم الدراسات السابقة التي أظهرت أنّ المتزوجين يميلون إلى التمتع بصحة أفضل وحياة أطول من العازبين. تُعلّق الدكتورة فيرا بيتنر، رئيسة لجنة الوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية، قائلة إنّ هذه الدراسة تعزز فكرة تأثر صحة القلب بالعوامل الاجتماعية بقدر تأثرها بالعوامل الفسيولوجية.
وتضيف: “لا يمكننا تقدير مخاطر القلب والأوعية الدموية بالاستناد فقط إلى حالات الشذوذ الأيضي التي يمكن قياسها، وإنما بالاستناد أيضاً إلى المتغيرات النفسية والاجتماعية، فهي عوامل مهمة جدّاً مؤثرة في صحة القلب”.
ليست جديدة لكنها أكيدة:
في الواقع، إنّ نتائج هذه الدراسة ليست بجديدة على الإطلاق. إذ أظهرت أبحاث سابقة أنّ الأشخاص المتزوجين لديهم فرص أفضل من غيرهم للنجاة من نوبة قلبية، والتمتع بحياة طويلة وصحية مقارنة بأقرانهم العازبين. كذلك، كشفت دراسات أخرى أنّ الزواج يزيد من فرص البقاء على قيد الحياة بعد الإصابة بمرض السرطان، ويقلل من خطر الوفاة المبكرة لدى الرجال المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز.
إلا أنّ قوة هذه الدراسة تكمن في أنها تستند إلى بيانات الملايين من الناس الذين يعيشون في مناطق مختلفة ويتبعون أساليب حياة مغايرة. وقد وجد الباحثون من خلالها أنّ الزواج كان مرتبطاً بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بمعدل 5 في المئة لدى المتزوجين مقارنة بأقرانهم العازبين والمطلقين، وهذه الأمراض يمكن أن تشمل حالات، مثل: تصلب الشرايين أو الجلطات الدموية، كما لوحظ انخفاض بنسبة 19 في المئة في خطر الإصابة بمرض الشريان المحيطي، الذي ينجم عن تراكم الترسبات في شرايين الجسم. أما من سجل أفضل النتائج من بين المشاركين في الدراسة، فكانوا المتزوجين الذين يبلغون الـ50 وما دون.
بعبارة أخرى، كانت معظم الدراسات السابقة تقارن بين المتزوجين وغير المتزوجين من دون التمييز بين أنواع الحالات الزوجية، وكانت تركز في الغالب على نوع واحد من أمراض القلب والشرايين. أما هذه الدراسة، فقد تمكنت من جمع المعلومات الشاملة الضرورية للخروج بخلاصة لا لبس فيها.
الأسباب في نظر الباحثين:
لم تحلل الدراسة الأسباب بشكل موسّع، لكن الباحثين طرحوا احتمالات عدة تفسّر لماذا يواجه غير المتزوجين نتائج أكثر سوداوية مقارنة بالمتزوجين. فقد رأى العلماء أنّ المتزوجين يتّبعون عادات صحية أفضل ويتمتعون بالمزيد من الدعم الاجتماعي مقارنة بالعازبين، وهي عوامل تُسهم في تعزيز الصحة بشكل عام. أيضاً، من المرجح أن تتوافر للمتزوجين المساعدة في حالة الطوارئ، وهو ما قد يفسر ارتفاع معدلات الوفاة من النوبات القلبية لدى غير المتزوجين.
فوفقاً للباحثين، “من المرجح أن يتم إنعاش المريض أو طلب المساعدة بشكل أسرع وأكثر فعالية حين يكون المريض متزوجاً ويعيش في الأقل مع فرد واحد من أفراد عائلته. أما العازبون الذين يعيشون وحدهم، ففرصهم قليلة في حال حدوث أي طارئ”.
هذا الدعم يستمر أيضاً بعد خروج الزوج من المستشفى، ما يعزز فرص شفائه وتحسّن حالته الصحية، حيث كشف الباحثون أنّ الرجال غير المتزوجين هم أقل ميلاً لمتابعة علاجاتهم التي تعتمد على تناول الأسبرين، أو الستاتين، أو حاصرت بيتا، وغيرها من العلاجات التي يتم وصفها لمن أصيب بنوبة قلبية، الأمر الذي يمكن أن يقلل من فرص بقائهم على قيد الحياة.
الزواج وطول العمر:
يعتقد الباحثون أنّ “وجود شريك الحياة بالقرب منك، أي شخص يشعر بالقلق إزاء رفاهك النفسي والجسدي، ويتنبه دائماً إلى وضعك الصحي، يلعب دوراً كبيراً في تمتعك بصحة أفضل”. يقول الدكتور كيفن كامبل، أستاذ مساعد في طب القلب في جامعة نورث كورولينا: “نحن نعرف أنّ المرضى الذين يهتمون شخصياً بصحتهم، يحظون بنتائج أفضل، لكن الحصول على دعم شريك يُعتبر مهماً أيضاً، لأنّ الشريك يساعدك على اتخاذ خيارات صحية أفضل”.
بالنسبة إلى الباحثين، يوفر الزواج نظام دعم مادي ومعنوي أثناء المرض وعند التعرض للإجهاد. وفي هذا السياق، أظهرت أبحاث أخرى أنّ الرجال المتزوجين هم أكثر ميلاً إلى الخضوع للفحوصات الطبية مقارنةً بالرجال غير المتزوجين. كما أنّ الرجال المتزوجين أكثر استعداداً لممارسة الرياضة وتناول الطعام الصحي.
يقول الدكتور جيفري بيرجير، أخصائي القلب في مركز لانغون، إنّ “المتزوجين يمكنهم أن يعتنوا ببعضهم، فيحرصون على جعل شريك الحياة يأكل طعاماً صحياً، ويمارس التمارين الرياضية بانتظام، ويأخذ الدواء كما وصفه له الطبيب. كما أنّ الزوجين يمكن أن يساعدا بعضهما على الالتزام بمواعيد زيارات الأطباء، وتوفير وسائل النقل في حال المرض، ما يعني سهولة أكبر للوصول إلى خدمات الرعاية الصحية عند الحاجة”.
عامل الأطفال:
في دراسة منفصلة تحلل الحياة الأسرية وصحة القلب، وجد الباحثون أنّ النساء اللواتي أنجبن أربعة أطفال أو أكثر كن أكثر عرضةً للإصابة بترسبات في قلوبهنّ وسماكة في شرايينهنّ، وهي العلامات المبكرة لأمراض القلب، مقارنة باللواتي أنجبن طفلين أو ثلاثة كحد أقصى.
وأظهرت الدراسة أنّ النساء اللواتي أنجبن أربعة أطفال أو أكثر كن عرضة مرتين أكثر لتكوّن التخثرات واللوحيات وتصلب الشرايين، من النساء اللواتي أنجبن عدداً أقل من الأطفال.
كما أظهرت الدراسة أيضاً أنّ هناك احتمالاً مماثلاً تقريباً للإصابة بهذا النوع من المشاكل القلبية لدى النساء اللواتي لم ينجبن أو أنجبن طفلاً واحداً فقط.
ما علاقة الحمل؟
ترجح الدراسة أن يكون تعرّض الأُمّهات، اللواتي أنجبن الكثير من الأطفال، المتكرر لارتفاع مستويات الكوليسترول ومقاومة الأنسولين أثناء الحمل، عاملاً يرفع خطر إصابتهنّ بأمراض القلب في المستقبل. كما أنّ زيادة الوزن وغيرها من التغيرات خلال فترة الحمل يمكن أن تستمر بعد ولادة الطفل وترفع خطر الإصابة بأمراض القلب.
أما من ليس لديهن أطفال أو لديهنّ طفل واحد، فقد تكون الأسباب الكامنة مشاكل في الخصوبة أو مشاكل صحية أخرى، يمكن أن تؤدي أيضاً إلى ارتفاع مخاطر الإصابة بأمراض القلب.
بالنسبة إلى هذه الدراسة، إنّ الأحداث المحيطة بالحمل والإنجاب قد توفر نظرة دقيقة عن مخاطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية لدى النساء. لكن الموضوع مازال في حاجة إلى المزيد من البحث، لفهم كيف أنّ عدد حالات الحمل التي تختبرها المرأة يمكن أن يساعد الطبيب على كشف أمراض القلب والأوعية الدموية التي تتربص بها، والتي يمكن أن تصيبها في المستقبل.