أيها الوالد الكريم.. الحب وحده لا يكفي، الإعلان عن هذا الحب والاعتراف به وإظهاره بطرق مختلفة أهم في عيون أبنائك، لذلك فإنّ من الضرورة أن تعطيهم يومياً “حصة حب”، تفتح لهم فيها قلبك، وتفصح لهم عن حبك، وتتركهم يشعرون بعطفك وحنانك، حتى تنشرح لك صدورهم، وتميل إليك قلوبهم وعقولهم… لا يهم كم من الوقت تستغرقه هذه الحصة؛ المهم هو كيفية قضاء هذا الوقت مع أبنائك، لذلك فإننا نقدم لك – فيما يلي – بعض الوسائل العملية التي تناسب حصّة الحبّ اليومية…
1- من فضلك.. أعطني هدية: من الجميل أن نحرص على تبادل الهدايا مع أصدقائنا وأحبابنا، ولكن ما الذي يجعلنا نحرم أبناءنا من روعة هذه الهدايا وجمالها؟! هل ننتظر حتى يقول الابن لأبيه: من فضلك أعطني هدية؟!.. إنّ أبناءنا هم أحوج الناس إلى هذه الهدايا وأحقهم بها. 2- أخوك أفضل منك: يلجأ الوالدان أحياناً لدفع الابن إلى السلوك الحسن عن طريق مقارنته بإخوته، فيقول له أبوه: أخوك أفضل منك لأنّه يطيعني ولا يعصي أمري، أو لأنّه يستذكر دروسه ولا يكثر اللعب… وهذا أسلوب غير صحيح لتشجيع الابن، لأنّه يخلق من الغيرة بين الأبناء، وربما تطور لشيء من الكراهية بينهم، ويشعر الابن بأنّ الأبوين يحبان أخاه بدرجة أكبر مما يحبانه هو، وربما يدفع هذا الشعور الابن إلى الانتقام من أخيه أو إيذاءه. والأفضل إذا أردنا أن نشجع الابن فلنقل له: أنت كنت أفضل بالأمس من اليوم، إننا نريدك أن تكون متقدماً دائماً وحسن السلوك، فلنقارن الابن بنفسه في الأوقات المختلفة، فهو بالتأكيد تارة يكون مطيعاً وتارة أخرى يكون غير ذلك، ولنعلم أنّ الابن لديه حساسية شديدة من ناحية إخوته ومعاملة أبويه لهم، فلا نحاول أن نستأثر أحداً من الأبناء بشيء – مهما كان تافهاً – على الآخرين، حتى لو بالكلمة أو البسمة أو النظرة أو السلام. 3- المدح والثناء.. طريق البناء: في بعض الأحيان يفشل الأب (أو الأُم) في توصيل الحب للابن، لأنّه يركز أساساً على أخطائه ويتناسى محاسنه، أو يتحدث عن ميزات للآخرين لا تتوافر فيه، وهذا خطأ في أسلوب التربية، لأنّ مدح الابن له أثر فعّال في نفسه؛ فهو يحرّك مشاعره وأحاسيسه، ويجعله يسارع – بكلِّ جديّة وارتياح – إلى تصحيح سلوكه وأعماله. أيها الوالد الكريم.. إذا كنت تريد أن يحبك أبناؤك؛ فأحبّهم أنت أوّلاً واجعلهم يشعرون بهذا الحب، ولكي تنجح في هذه المهمة عليك أن تمدحهم، اختر شيئاً جميلاً فيهم وحدثهم عنه، ولن تعْدم ذلك الشيء، فالناس يختلفون ويتفاوتون ولكنه لا يمكن إلا أن تجد شيئاً جميلاً في كلِّ فرد منهم، وهذا ما يؤكده “ديل كارنيجي” في كتابه ” كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس” حيث يقول: إنّ الناس يحبون أن تمتدح الناحية الجميلة فيهم، وأنا أذكر أنني ذهبت إلى مكتب البريد يوماً لأرسل خطاباً، ووقفت أنتظر دوري في الصف المنتظم لأسجل الخطاب، فلاحظت أنّ الموظف المنوط به التسجيل متبرِّم بعمله، ملول منه: يزن المظاريف، ويناول الطوابع، ويرد باقي النقود، ويحرر الإيصالات… حلقة مفرغة من العمل المتشابه الذي عهِدَه سنة بعد أخرى، فقلتُ في نفسي: فلأحاول التحبب إلى هذا الشاب، وبديهي أنني إذا أردت أن أتحبب إليه فيجب أن أقول له قولاً لطيفاً، لا عن نفسي وإنما عنه هو، وساءلت نفسي: ترى ما الذي يستحق أن أبدي إعجابي به؟! والإجابة عن هذا السؤال عسيرة أحياناً، خصوصاً حيال الغرباء، ولكنها في تلك المناسبة بالذات كانت ميسورة، فسرعان ما لمحت شيئاً اعتزمت أن أبدي له إعجابي به… وبينما الشاب يزن مظروفي قلت له في لهجة مخلصة: لكم أتمنى لو كان لي مثل شعرك الفاحم اللماع، فنظر إليَّ الشاب وهو نصف ذاهل، وقد أشرق وجهه سروراً وقال في تواضع: حقاً؟ إنّه ليس في مثل بهائه الأوّل، فأكدت له أنّه ما زال جميلاً أخاذاً، وقد سُرَّ لذلك أيما سرور وقال: إن كثيرين قبلي قد أبدو إعجابهم بشعره… وأحسب أنّ هذا الشاب قد ذهب إلى منزله ظُهْر ذلك اليوم وهو يكاد يسير على الهواء، وأظن أنّه ما إن دخل إلى منزله حتى قص ما جرى بيني وبينه على زوجته، وأظن أنّه تطلَّع إلى صورته في المرآة وقال لنفسه: حقاً… إنّه شعر جميل… أيها الوالد الكريم.. أين ينبغي لك ولي أن نبدأ بتطبيق هذه الوصفة السحرية: المدح والثناء والتقدير؟ لماذا لا نبدأ في عقر دارنا؟ أنا لا أعرف مكاناً آخر أشد من بيوتنا حاجة إلى ذلك، ولا أشد منها حرماناً…!! 4- اسمعني.. إن كنت تحبني[1]: لا أحد يسمعني.. جملة تتردد على لسان الكثير من الأبناء، خصوصاً صغار السن منهم، وسواء وصلت هذه الجملة إلى آذان الآباء أو لم تصل؛ فإنّ الطفل يرددها دائماً علانية أو بينه وبين نفسه؛ لأنّه لا ينتظر من الكبار أن يسمعوه فحسب؛ بل ينتظر منهم الاهتمام بحديثه والتفاعل معه، وهذا التفاعل إنما يظهر من خلال تعابير الوجه المختلفة بما توحيه من انفعالات؛ سواء كانت الدهشة أو الموافقة أو حتى الرفض، ولا يكفي الإنصات الصامت فحسب، لهذا يجب علينا – كآباء – أن نتيح الفرصة لأبنائنا ليتحدثوا إلينا، نعم قد يبدو حديثهم مملّاً أحياناً ومكرراً أحياناً أخرى، لكن السماح لهم بالتعبير عما بداخلهم عامل هام لنموهم نفسياً وخلقياً وعقلياً. أيها الوالد الكريم… تخيل أنك طفل صغير عائد من مدرسته فرحاً، ثمّ دخلت المنزل فوجدت والدك، فأخذْتَ تحكي له بشغف عن شيء ما حدث في مدرستك أو في طريق عودتك، فقاطعك والدك بقوله: أنا مشغول ولا أستطيع سماعك… فما هو إحساسك عندها؟!… يا له من إحباط كبير، وكثيراً ما نفعله مع أبنائنا، ولا نشعر أننا أحرجناهم أو قطعنا عليهم لحظة الشوق إلينا وإلى محادثتنا…!!! أيها الوالد الكريم… نعلم أنّ مشاغلك وأعمالك كثيرة، ولهذا قد لا تستطيع سماع أبنائك، أو قد ينفد صبرك أثناء استماعك لهم، ولكن حرصك على سلامة نفسية فلذات أكبادك يجب أن يكون شغلك الشاغل، فاستمع لهم دون نقد أو مقاطعة أو إعراض، ودون إصدار أحكام مسبقة على ما يقولون، فإنّ لذلك أثراً عظيماً في نفوسهم.. واعلم أنّه إذا لم تحسن الاستماع لأبنائك فهناك آخرون يحسنونه، لا تدري بالضبط مَنْ هم…!!! 5- ابتسم من فضلك: إنّ تعبيرات الوجه تتكلم بصوت أعمق أثراً من صوت اللسان، وكأنى الابتسامة تقول لك عن صاحبها: “إني أحبك، إني سعيد برؤيتك”… ولا تحسب أننا نعني بالابتسامة مجرد “علامة” ترتسم على الشفتين لا روح فيها ولا إخلاص، كلا!! فهذا لا تنطلي على أحد، وإنما نتكلم عن الابتسامة الحقيقية التي تأتي من أعماق نفسك، تلك هي الابتسامة التي تفتح مغاليق النفوس، وتنفذ إلى أعماق القلوب. كما أخبرنا رسول الله (ص) أن تبسّمنا يضيف إلى ميزان الحسنات ثواب الصدقات، روى الترمذي عن أبي ذر (رض) قال: قال رسول الله (ص): “تبسمك في وجه أخيك لك صدقة”. وعن تأثير الابتسامة الصادقة في نجاح صاحبها يقول “ديل كارنيجي” في كتابه “كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس”: طلبتُ من تلامذتي أن يبتسم كلّ منهم لشخص معيّن كلّ يوم في أسبوع واحد، ثمّ يراقب أثر تلك الابتسامة، وهذا ما نقله إليَّ “وليم شينهارت” الوسيط في سوق الأوراق المالية بمدينة نيويورك: “إنني متزوج ولي أولاد، لكنني قلّما ابتسمت لزوجتي، بل قلّما حدّثتُها سواء على مائدة الإفطار أو بعد عودتي من العمل، فأنا منشغل دائماً، وقد سارت حياتنا الزوجية على وتيرة آلية، حتى طلبت أنتَ منّى أن أبتسم لشخص ما، فآثرت أن يكون ذلك الشخص هو زوجتي، وجلست في صبيحة اليوم التالي إلى المائدة؛ فقلت مبتسماً: صباح الخير يا عزيزتي، ولم تندهش المرأة فحسب، بل انّها ذُهلت فعلاً، لكني أسرعت فوعدتها أن تنتظر منّي مثل هذه التحية والابتسامة الرقيقة كلّ يوم، فهل تدري ماذا كانت النتيجة؟! لقد اكتشفتُ سعادة جديدة لم أذق مثلها طوال الأعوام الأخيرة، وحفّزني ذلك على الابتسام لكلِّ من أتعامل معه؛ فصرت أبتسم لعامل المصعد، والعامل في شباك التذاكر، والزبائن الذين أعمل معهم في البورصة، وصار الجميع يبادلونني التحية، ويسارعون إلى خدمتي… لقد شعرت بأنّ الحياة صارت أكثر إشراقاً وأيسر منالاً، وقد زادت أرباحي الحقيقية بفضل تلك الابتسامة، وعجبت من سبب غفلتي عن ذلك طوال المدة السابقة”.
الكاتب: عبدالله محمّد عبدالمعطى المصدر: كتاب كيف تكون أباً ناجحاً (حلقات تربوية هادفة)
[1]– في أمريكا أصبح الاستماع أحد الواجبات التي يفرضها القانون على الآباء تجاه الأبناء، ففي حالات الطلاق بدأت ولاية “ميريلاند” الأمريكية تجربة جديدة في نوفمبر 1993م تقضى بأن يحضر الآباء والأُمّهات – إجبارياً وبحكم المحكمة – ندوات مفتوحة يستمعون فيها للأبناء وهم يحكون تجاربهم الشخصية حول تأثير الطلاق وانفصال الأبوين على نفسيتهم، وما يعقبه من شعور بالذنب والفشل والغضب وعدم الثقة، هذه التجربة الرائدة، تمّ تعميمها في 12 ولاية أخرى على مستوى الولايات المتحدة. |
||